عندما سئل ليونارد هليجود استاذ التاريخ الثقافي للشرق الأوسط في جامعة واشنطن, عما إذا كان اندهش من الثورة المصرية التي أطاحت بنظام مبارك قال: الواقع أنني قد اندهشت من تأخرها كل هذا الوقت لقد انتظرتها وتوقعتها طوال الأعوام الخمسة عشر الماضية. , لقد كنت اخبر طلبتي دوما أن مصر تقف علي فوهة بركان من الغضب الشعبي الهائل,مع تراكمات كان سببها حكم القلة الفاسدة والبيروقراطية المعيقة. يري بعض المحللين الاقتصاديين أن سياسات مبارك حمت مجموعة نخبوية, اختصرت الشعب المصري في نحو10 آلاف شخص يديرون البلد لمصالحهم الخاصة, مجموعة ليس لديها الرغبة أو القدرة علي تخفيف معدلات الفقر الواسعة الانتشار بين طبقات المجتمع وزيادة معدلات البطالة, بينما ترك الغالبية العظمي من المصريين يكافحون وسط نسب تضخم وصلت لأكثر من20% عام2008, وعلي الرغم من أن نمو إجمالي الناتج المحلي للفرد تضاعف أكثر من أربعة أضعاف في الفترة من1981 وحتي2009 ليصل عند مستوي6,400 دولار, إلا انه أصبح مع هذا اقل من بلدان نامية مثل ناميبيا والغابون. تقييم الأداء الاقتصادي ومعدلات التنمية لمصر قضية شابتها الحيرة خلال السنوات الماضية من قبل المحللين الاقتصاديين الغربيين, واليوم يري بعض هؤلاء المحللين أن الأمر قد ازداد ضبابية بعد الثورة التي أطاحت بنظام مبارك. وهنا نستشهد برأي جوردن سيجيل, أستاذ الاقتصاد في كلية الأعمال بجامعة هارفارد, الذي يري أن الأمر علي العكس تماما, فهو يري أن العمل علي الاستقرار السياسي' المروع' الذي مارسه نظام مبارك خلال العقود الماضية لم يكن كافيا أبدا لخلق فرص تنمية فعلية, بل جاءت معدلات التنمية اقل كثيرا من قدرات مصر الاقتصادية الكامنة يقول جوردن:'الأنظمة الاستبدادية, خاصة تلك التي تتزامن مع وجود فجوة كبيرة في توزيع الدخل تهميش لدور الطبقة المتوسطة المثقفة, هي العوامل الأساسية وراء خلق عدم استقرار اقتصادي وعدم قدرة علي التنبؤ بمستقبل التعاملات المالية من قبل المستثمرين. ونعود مرة أخري لهليجود الذي يري أن أي مستقبل مشرق لمصر يجب أن يحمل بين طياته تغييرات هيكلية اقتصادية عميقة من اجل الوصول لمصر ديمقراطية بالمعني الفعلي للكلمة.هذا لايعني فقط القضاء تماما علي الفساد, ولكن أيضا تحقيق تغييرات جذرية تضمن وضع المزيد من الثروة والقوة في أيدي المصريين الفقراء. ويشير هليجود إلي أن:' الشباب المصري جاهز ومنظم ومؤهل للانضمام والي التنافس مع الطبقة المتوسطة العالمية وإذا تم تحفيزه فهو طموح بما فيه الكفاية لتغيير ثقافة الفساد التي هيمنت علي بلده لعقود طويلة ومع' تحديث الهياكل الاقتصادية' ستتمكن مصر من الصعود كقوة اقتصادية هائلة بإمكانها قيادة جهود الإصلاح في المنطقة. يتفق مع وجهة النظر هذه تقرير اعده الاقتصادي البيروفي هيرناندو دي سوتو مدير ومؤسس معهد' الحرية والديمقراطية' في بيرو, الذي قاد فريقا من الباحثين الذين درسوا الاقتصاد المصري وقدموا تقريرا عام2004, يحتوي علي20 نقطة لإنعاش الاقتصاد المصري. كان من ابرز النقاط التي أشار لها التقرير وجود ما اسماه ب'رأس المال الميت' المتمثل في92% من أصحاب المشاريع التجارية الصغيرة من المصريين, غير القادرين علي توسيع حجم أعمالهم بسبب'حيتان القروض' التي تطالبهم بأسعار فائدة باهظة,مما أدي إلي منع العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة من تحقيق نجاح اقتصادي أو تأمين فرص عمل ثابتة بعقود قانونية لمن يعملون معهم ومثل إعاقة في النهاية إلي عمليات التنمية الاقتصادية والي خلق ما عرفه باقتصاد' تحت الأرض' يعمل في الظل وفي المقابل ظهرت طبقة من رجال الأعمال شديدي الثراء الذين لم تكن لديهم مزايا خاصة, سوي قدرتهم علي الوصول إلي كبار مسئولي الحكومة وحصولهم علي قروض هائلة من البنوك المملوكة للدولة. وهو ما يطلق عليه دي سوتو' رأسمالية المحسوبيات' وقد ظلت تلك الطبقة تستغل الوضع الراهن وبنت احتكارات فاسدة بينما وأدت الأفكار الجديدة للشباب وسط خضم من بيروقراطية مترهلة وتأخيرات في سداد فوائد القروض وفساد استشري وأعاق سبل إنشاء مشاريع تفيد البلد علي المدي البعيد. كان التقرير قد حدد قيمة التبادلات الخاصة بأصحاب المشاريع الصغيرة, ب248مليار دولار أي اكبر30 مرة من قيمة سوق الشركات المسجلة في البورصة المصرية,واكبر55 مرة من قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر منذ حملة نابليون وهو يري الآن( في تعليق له علي الوضع الاقتصادي لمصر بعد الثورة)أن قيمة هذه الأصول المالية التي أطلق عليها'رأس المال الميت'والتي تخرج عن إطار الاقتصاد الرسمي للبلاد تصل إلي حوالي400 مليار دولار, إنها طاقة اقتصادية كامنة لم تستغل علي النحو الصحيح حتي الآن. وفي النهاية يقول دي سوتو إن مصر في حاجة إلي التحرر من' التمييز الاقتصادي' وإرساء اطر قانونية حرة جديدة وفاعلة ورفع القيود عن قوي النمو والمبادرات الفردية وتعزيز الطبقة المتوسطة التي تمثل العمود الفقري لأي ديمقراطية ومجتمع صحي,والأمر من وجهة نظره لا يرتبط بمن سيأتي للحكم بقدر ما يعتمد علي رغبة الشعب المصري ومواصلة كفاحه من اجل الحصول علي ما يستحقه.