ثلاثة أشهر منذ اندلاع ثورة25 يناير ولم يتوقف طابور الزائرين القادمين من كل قارات الدنيا إلي مكتبي, وإلي غيري من الزملاء في مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام, والكل يريد أن يفهم كنه الثورة المصرية, وكيف تفجرت فجأة, وطابعها السلمي, وشعاراتها الفريدة, ودور الكمبيوتر والفيس بوك فيها, وتأثيراتها المختلفة علي المنطقة العربية والشرق الأوسط, والخوف في نفس الوقت علي مصيرها واحتمالات تعثرها في مواجهة تحديات كثيرة, الأسئلة التي تطرح علينا تختلف من زائر إلي زائر آخر, لكن السؤال الوحيد المشترك بين الجميع كان عن دور العسكريين في هذه الثورة, وهل من المتوقع وعادة مايطرح هذا الجزء من السؤال علي استحياء في نهاية اللقاء أنهم عازمون علي تسليم مقاليد الدولة إلي حكومة مدنية يعودون بعدها إلي ثكناتهم بعد أن أدوا دورهم التاريخي في حماية الثورة والشعب. معظم هؤلاء الضيوف عندهم شكوك كثيرة في العسكر وكلها آتية من تجارب جرت في بلادهم, فلم يكن الأمر سهلا أن يخضع العسكريون للحكم المدني داخل إطار ديمقراطي حديث تدار الدولة من خلاله, ويتم في داخله تبادل السلطة طبقا لآليات متفق عليها, أيضا طرحت أسئلة كثيرة عن تلك العلاقة الحميمة بين شباب الثورة ورجال الجيش في ميدان التحرير, وكيف أن دبابات الجيش وعرباته المصفحة قد نقش عليها الشباب والشابات شعاراتهم, ورفعت فوق بعضها راياتهم, وذلك الأسلوب السلس في التعامل المشترك بين الجيش والثوار لمواجهة التحديات اليومية, وكيف يختلفون فيما بينهم, وكيف يعالجون الخلافات بالحوار تارة, وبالشد والجذب المقنن تارة أخري في عملية معقدة تحدث لأول مرة بين المدني و العسكري في إطار من المسئولية المشتركة والحرص علي المصلحة العليا. ولفت نظري واحد منهم مبتسما وهو يشير إلي قصة محافظة قنا ومطالب أهلها بتغيير محافظها الجديد, وقيام الجمهور بوقف حركة القطارات من القاهرة حتي أسوان, وبالعكس, وكيف أن الديمقراطية الحقيقية ليست بالأمر السهل حيث تحتاج إلي عمل دءوب وقواعد متفق عليها. وضرورة أن يمارسها الجميع ويتعلم احترامها, وأشار إلي مقولة الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن(9081 5681) عن معني حكومة ديمقراطية, وأنها في نهاية الأمر حكومة الناس بواسطة الناس ومن أجل الناس وهذا التعريف برغم بساطته يعكس بوضوح صعوبة الديمقراطية وأسلوب تطبيقها عمليا, وأنها في كل الأحوال تحتاج إلي ممارسة مستمرة وبناء ثقة بين كل الأطراف. الضيوف يسألون أيضا عن وزير الدفاع في مصر, وهل سيكون في المستقبل مدنيا أم سيظل عسكريا كما هو الحال الآن, ويرون من وجهة نظرهم أن طبيعة عمل وزير الدفاع ذات طابع سياسي وليس عسكريا و من الأفضل أن يكون مدنيا لتأكيد مدنية الحكومة, ونفس المنطق ينطبق في مجال الشرطة, ومن بين من قابلتهم وزير دفاع سابق لبولندا بعد أن أصبحت دولة ديمقراطية وهو لم يكن عسكريا بل كان أستاذا في الجامعة ومتخصصا في الرياضيات, وعندما سألني الضيف عن المدي الزمني الذي من الممكن أن يحدث فيه مثل هذا التغيير كان ردي أن وزير الدفاع كان مدنيا في حكومات ماقبل ثورة1952 لكن ذلك قد لايكون مقبولا في الوقت الحالي وفي كل الأحوال لن يكون الأمر مستساغا أن يكون وزير الدفاع في مصر أستاذا في الرياضيات, أما أن يتولي هذا المنصب سيدة كما في بعض البلاد الغربية فأعتقد أن ذلك لن يتحقق في المستقبل المنظور. القوات المسلحة والبرلمان( مجلس الشعب) وطبيعة العلاقة بينهما وهل يناقش مجلس الشعب أحوال القوات المسلحة في مصر والاتفاقيات مع الخارج ومدي قدرة مجلس الشعب في فحص مثل هذه الأمور المعقدة وهل من حقه أن يستفسر عن شيء أو أن يعترض علي شيء ومجلس الشعب في مصر به لجنة للأمن القومي؟ وأتصور أن برلمانا تم انتخابه بطريقة سليمة سوف يكون أكثر ندية في تعامله مع وزير الدفاع, بل قد يقوم البرلمان بعمل دراسات خاصة به في الشئون الأمنية كما يحدث في الخارج, وقد يلجأ من آن لآخر إلي عمل استطلاعات رأي لمعرفة مدي إحاطة رجل الشارع بالشئون الأمنية ورأيه في إدارة مثل هذه الموضوعات التي تبدو لأول وهلة مقصورة فقط علي المتخصصين من العسكريين. ويتصل بهذا الجانب طبيعة الدولة الديمقراطية التي نتحدث عنها ورؤيتها لمفهوم سرية المعلومات وهل كل شيء يتعلق بالجيش هو سري للغاية, وهل من حق المواطن أن يعرف أكثر وأن ما هو سري أو سري للغاية ليس بالحجم الكبير الذي يتخيله البعض, وفي الحقيقة ليس من المتوقع أن يحدث تغيير ملموس في هذا الجانب علي المدي القصير, لكن تكنولوجيا المعلومات التي كانت وقودا لثورة25 يناير سوف تطرح مفاهيما جديدة للتعامل معها وإعادة تعريف ماهو سري وماهو غير سري. كان واضحا في هذه المقابلات اهتمام الزائرين لرؤية القوات المسلحة فيما يخص دور الإخوان المسلمين في المستقبل السياسي لمصر, وهل سيؤدي ذلك إلي تغيير في سياسات مصر السياسية والعسكرية وحقيقة الأمر أن ثورة52 يناير قد أعلنت عن نفسها في ميدان التحرير, وجعلته منبرا لها للتواصل مع الشعب وأيضا مع العالم, ويبدو أن الجرعة الدينية الصادرة من الميدان كانت عالية الصوت, كما أن ظهور مجموعات وقادة من الإخوان المسلمين في كثير من المناسبات بعثت انطباعات بأن القوي ذات الطابع الديني سيكون لها نفوذ ملموس في المستقبل, كما أن التغيير سيكون له نتائجه في العلاقات مع الدول الغربية, وأيضا في العلاقة بين مصر وإسرائيل ومصير اتفاقية السلام بين الدولتين, ومن زاوية أخري حاول البعض أن يلفت النظر بدون حق إلي أن المجلس الأعلي منحاز في بعض الأحيان للقوي الدينية, ولا يجد حرجا في تشجيعها لتبني دور جاد في منظومة الدولة في المستقبل. العلاقة مع أمريكا ومع إسرائيل ومع إيران من الأسئلة المتكررة, وفي الحقيقة يكون السؤال بالتحديد عن رؤية العسكريين لعلاقة مصر بهذه الدول, خاصة رؤية المجلس الأعلي العسكري لمثل هذه العلاقات الخارجية, والاجتهاد في هذه الموضوعات ليس صعبا, فقد يحدث تغيير في الأسلوب لكن الجوهر سوف يبقي, وقد أعلن المجلس الأعلي من البداية بأن موقف مصر من اتفاقية السلام لن يتغيير, كما أن ظاهر الأمور يعكس قوة العلاقات المصرية الأمريكية خلال أيام الثورة وبعدها, ولعل رؤية الولاياتالمتحدة لطبيعة الثورة وإعجابها بسلميتها ونضجها كان له تأثير ملموس في رؤية الدول الأخري وتقديرها للثورة, واستعدادها لدعمها علي المستويين السياسي والاقتصادي. وفي النهاية من المهم أن نركز الضوء علي رؤية العسكريين للإعلام بوسائله المختلفة ودوره وحساسيته لما يقدم فيه من معلومات وآراء, والمشكلة أن ثورة25 يناير قد ارتكزت في كثير من قدراتها علي الإنترنت والفيس بوك وغير ذلك من وسائل المعلومات الحديثة, ومثل هذه الأدوات والمستخدمين لها لا يجدون غضاضة في الحديث عن أعضاء المجلس الأعلي العسكري في الفيس بوك وانتقادهم أحيانا, وشكرهم بشدة أحيانا أخري, وقبل ذلك نتذكر تعليقات علي الرجل الذي وقف خلف اللواء عمر سليمان في إطار من الدعابة أكثر من النقد, وإذا كنا نتحدث الآن عن الجيش في زمن الديمقراطية, فيجب أن يقلل الجيش من حساسيته من وسائل الإعلام إذا وجد نفسه في موضع نقد مهذب, أو مداعبة لطيفة, ومازالت تعيش في ذاكرتنا أفلام إسماعيل ياسين في الجيش والبحرية والبوليس الحربي, لذلك نتطلع في المستقبل إلي فن حقيقي يقرب ما بين المدني والعسكري في إطار جديد يتماشي مع زمن الديمقراطية القادم. المزيد من مقالات د. محمد قدري سعيد