حينما قامت ثورة يوليو المجيدة.. سارع الضباط الأحرار باتخاذ الخطوات التي رأوا أن من شأنها الحفاظ علي الثورة وحمايتها فكان أول ما قاموا به صباح يوم23 يوليو كما ذكر د. عاصم الدسوقي أحد أهم المتخصصين في تاريخ ثورة يوليو هو اعتقال كبار الضباط القدامي المنتمين للحرس القديم, احتلال ودار الإذاعة ومقر شركة ماركوني بشارع علوي ومبني الإذاعة في أبي زعبل. , وفي نفس اليوم.. تكليف علي ماهر باشا بتأليف وزارة جديدة خلفا لوزارة أحمد نجيب الهلالي.. وشكلت الوزارة بالفعل يوم24 يوليو. وفي صباح25 يوليو طلب الضباط من الملك إبعاد ستة من حاشيته عن القصر الذي كان يعني مقر إدارة البلاد لأنهم من وجهة نظرهم فاسدون.. وهم: أنطون بوللي مدير الشئون الخصوصية للملك, محمد حسن خادمه الخاص, إلياس أندراوس المستشار الاقتصادي, يوسف رشاد كبير الأطباء, حسن عاكف طيار الملك الخاص, الأميرالاي محمد حلمي حسين مدير إدارة السيارات الملكية. وفي يوم26 يوليو.. أي بعد قيام الثورة بثلاثة أيام فقط أجبر الملك علي التنازل عن عرشه ومغادرة مصر. وبعد شهرين من قيام الثورة تم اعتقال74 شخصا من رجال السرايا والأحزاب الذين كان لهم اتصالات بسفارة أجنبية, وتم إيداعهم بالمدرسة الثانوية كإجراء وقائي, وقد تم الإفراج عنهم تدريجيا بعد ذلك, ثم صدر قانون الإصلاح الزراعي العظيم, ثم صدور قانون تنظيم الأحزاب السياسية, تخفيض إيجارات المساكن وفصل الموظفين الذين تعلق بهم شبهات قوية تمس النزاهة الوظيفية وذلك بغير محاكمات, العفو الشامل عن المحكوم عليهم في الجرائم السياسية التي وقعت من تاريخ توقيع معاهدة1936 وحتي1952, إلغاء مجلس البلاط الملكي في27 نوفمبر1952, إعلان سقوط دستور3291 في ديسمبر1952, صدر مرسوم بقانون بمحاكمة المسئولين عن جرائم استغلال النفوذ من الموظفين العموميين أو أعضاء البرلمان, ولا يحتاج الموضوع غير نظرة أولية ليتكشف له كيف أن الضباط الأحرار كانوا خائفين علي ثورتهم أشد الخوف لدرجة أنهم في خلال ثلاثة أشهر فقط من قيام الثورة هدموا بناء الدولة المصرية الذي كان قد أصابه العطن جراء أفعال الملك وحاشيته وبنوا مصر في جديد. فمن اليوم الأول في الثورة الي الرابع منها تم اعتقال الحرس القديم وتغيير قيادات الإذاعة لم يكن هناك تليفزيون وقتها, في حين أنه بالنسبة لثورة25 يناير لم تتغير القيادات الفاسدة في الجرائد القومية والتليفزيون إلا بعد معارك دامية انتهت منذ أيام فقط. كان القائمون علي الثورة من الجيش في1952 يدركون أهمية وسيلة الإعلام في نشر فكر الثورة وفضح الفساد بينما في ثورة يناير استغرق الأمر قرابة3 أشهر حتي يدركوا ذلك. أما نحن فبدلا من المسارعة في المحاكمات الواجبة وفصل الفاسدين من مؤسسات الدولة والتحفظ علي الرئيس المخلوع وأسرته في منتجعه بشرم الشيخ, ندع كل ذلك ونتفرغ لمؤتمر أطلقوا عليه الحوار الوطني.. وهو حوار عبثي أسند ملفه في البداية للدكتور يحيي الجمل الذي ناداه الثوار يوم الجمعة في الميدان بقولهم:( خيبة الأمل راكبة جمل),( شباب ثورة الأمل.. يرفضون يحيي الجمل),( نعم للحوار العملي.. لا للحوار الجملي), وذلك لدعوته د. حسام بدراوي الأمين العام للحزب الوطني سابقا ومرشحه عن دائرة قصر النيل في دورات سابقة.. وعمرو حمزاوي كبير باحثي مؤسسة كارينجي الأمريكية المشبوهة, وأحد أصدقاء جمال مبارك, مما دفع أستاذا غيورا علي بلده هو د. حسن نافعة للقول: امصالحة إيه ومع مين إحنا لازم ننظف الدولة منهم مش نتحاور معاهم, ويتهمون الثوريين بأنهم يقومون بعملية إقصاء للآخر.. ومن هو هذا الآخر.. هو فاسد وخائن وسارق. نحن لم نسمع عن نظرية الإقصاء هذه في ثورة يوليو من الجيش حينما قام عبدالمنعم السباعي رئيس أركان حرب الإذاعة بتسريح كل العاملين في الإذاعة لدرجة أنه منع أغاني أم كلثوم بدعوي أنها من العهد البائد!! وعاقبه عبدالناصر حينما علم, لكن المقصود أنه لابد أن هناك أشخاصا من العهد الماضي لا يصح التعامل معهم.. فما بالك فيمن لا تسريب علي عقيدتهم الفاسدة. فإذا تغاضينا عن كم تكلف هذا المولد؟ وما هي الثمرة المنتظرة منه؟ فإن ما لا يمكن السكوت عليه هو التأخر في محاكمة الرئيس المخلوع, مما أعطي ويعطي الفرصة لإحداث الوقيعة بين الجيش المصري والثوار الذين إكتوت قلوب كثيرين منهم بفراق أعزاء عليهم لكي تستعيد مصر عافيتها. أليس ذلك خيرا من أن نتركها للمهرجين من أصحاب الحوارات الجميلة. المزيد من مقالات شرين المنيرى