كيف نحمي تراثنا الإسلامي.. إذا كان "شارع المعز" قلب القاهرة التاريخي وأقدم شارع اسلامي في التاريخ, يضم تراثا فريدا من الكنوز الاسلامية.. فإن مشوار اعادة الحياة إلي الشارع العجوز والذي بدأ منذ سنوات يحتاج جهود متواصلة. في البداية يشير د. عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة إلي أنه نظرا لأهمية شارع المعز من الناحية الأثرية والسياحية والتجارية لما يزخر به من آثار إسلامية يبلغ عددها33 أثرا بين مساجد وأسبلة ومدارس ترجع إلي حقب مختلفة من التاريخ الاسلامي, فقد قامت وزارة الثقافة بترميمها بتكلفة300 مليون جنيه في اطار اتفاق بين المحافظة ووزارات الثقافة والاسكان والسياحة علي ضرورة اعادة تطوير الشارع الذي يبلغ طوله1300 متر تقريبا بداية من بوابة الفتوح علي محور شمال الجمالية وصولا إلي شارع الأزهر.. وتحويله إلي متحف مفتوح ومزار سياحي هام لزائريه من مصريين وأجانب ورواد المنطقة.. وكانت بداية التطوير اتخاذ القرار بضرورة احلال وتجديد البنية التحتية للمرافق من كهرباء وشبكات مياه وصرف صحي وتليفونات وبالفعل بدأت هذه الأعمال منذ ما يقرب من ثلاث سنوات وانتهت مؤخرا بتكلفة25 مليون جنيه.. وخلال البدء في هذه الأعمال لوحظ وجود المنسوب الأصلي للشارع ومرصوف بالحجر البازلت الأسود علي عمق يقدر بحوالي80 سم عن المنسوب الحالي للشارع علي نفس النموذج الذي رصف عليه الطريق.. وتم اعادة الرصف حاليا بالجرانيت والبازلت واستخدام البازلت الأصلي في رصف بعض الشوارع الجانبية.. ولتنفيذ هذا المشروع كان لابد من احلال وتجديد شبكات المرافق بالشوارع الجانبية المطلة علي شارع المعز شبكات كما يضيف محافظ القاهرة والبالغ عددها25 شارعا وروعي أثناء إحلال شبكات المرافق إدخال مواسير الغاز أيضا برغم عدم دخول الغاز للمنطقة حتي الآن, ولكننا فعلنا ذلك تجنبا لإعادة الحفر مرة أخري مع مراعاة تزويد الشارع بشبكات لتصريف الأمطار مع تحديث وزيادة عدد حنفيات الحريق لمواجهة أية طواريء, وبعد أن هبطنا بمنسوب الشارع زاد الارتفاع في المحلات, وهو ما استقبله أصحابها بارتياح لامكانية اضافة صندرة أو توفير أماكن للتخزين بمحلاتهم.. موقف التجار وأضاف وزير أن المحافظة قامت بتجديد واجهات المحلات التجارية بما يتناسب مع طبيعة المنطقة لخلق الانسجام والتناغم بين الحديث والقديم.. علي أن يتم نقل الأنشطة غير المتوافقة خارج الكتلة السكنية وكانت البداية بنقل اسواق الليمون والبصل والزيتون إلي سوق العبور وقد رحب التجار بالنقل علي أن يحتفظوا بملكية محلاتهم واستغلالها في نشاط يتوافق مع طبيعة الشارع, وقررت المحافظة حصر كل المحلات وتحديد الأنشطة المستحب الابقاء عليها مع توحيد الواجهات بشكل لائق.. كما قمنا بازالة عدد من الأكشاك الموجودة أمام مدرسة الصالحية وتعويض اصحابها لمدة شهرين تم خلالهما اعادة إتاحة الأكشاك بشكل منسق حضاري.. ويضيف د. عبدالعظيم وزير أن المحافظة أعادت دراسة115 قرار إزالة وتنكيس لعقارات مميزة بالشارع وإعادة معاينتها لتحديد امكانية الابقاء علي بعضها بعد عمل الترميمات اللازمة لها خاصة المطلة علي الآثار.. كما تم رفع كافة الاشغالات والأكشاك الخشبية التي كانت تحجب رؤية الآثار كما حدث بجامعي الأقمر والحاكم بأمر الله.. كما قررت المحافظة غلق الشارع أمام السيارات وتخصيصه للمشاه فقط من الساعة الثانية عشرة ظهرا إلي الثانية عشرة ليلا وتم تزويد المداخل والمخارج ببوابات الكترونية للسماح بدخول السيارات في مواعيد معينة يتم تحديدها بمعرفة المرور أو في حالات الطواريء كالاسعاف أو المطافي.. وتم توفير أماكن لانتظار السيارات خارج بوابتي الفتوح والنصر باعادة تخطيط شارع محور الجمالية لاستيعاب كافة السيارات.. وقد روعي اضافة وحدتي دورات مياه متطورة لخدمة رواد الشارع مع تخصيص شركة نظافة خاصة مسئولة عن رفع القمامة والمخلفات ونظافة الشارع بصفة دورية.. وتسعي محافظة القاهرة حاليا لاستغلال تطوير الشارع ثقافيا باعداد مشروع ثقافي بتحديد مسار مزارات نجيب محفوظ الكاتب العالمي الراحل والذي ارتبطت معظم اعماله بشارع المعز لدين الله الفاطمي باعادة احياء ورفع كفاءة وتطوير الأماكن التي خلدها في رواياته.. انسياب المرور وعن الناحية المرورية يتحدث اللواء سراج الدين زغلول مدير الإدارة العامة لمرور القاهرة قائلا إن شارع المعز في الأساس لم يكن محورا رئيسيا لسير السيارات, ولكنه محور فرعي ولم يتجاوز عدد السيارات التي كانت تدخل إليه يوميا قبل التطوير 50 أو60 عربة يوميا, وأغلبها يحمل بضائع للمحلات التجارية الموجودة بالشارع.. ولا نتوقع علي الإطلاق أن يكون هناك أي تكدسات مرورية في المحاور المؤدية إليه وهما محور شارع الأزهر ومحور شمال الجمالية, نظرا لاتساع هذين الشارعين بالشكل الذي يسمح باستيعاب عدد كبير من السيارات, ناهيك عن أن هناك أوقاتا محددة لدخول السيارات إلي شارع المعز بعد أن تم تخصيصه للمشاة.. الشارع جامعة للآثار الإسلامية عبدالله العطار المستشار الأثري بالمجلس الأعلي للآثار يلتقط خيط الحديث ليتحدث عن القيمة التاريخية لشارع المعز قائلا إنه يعد بمثابة جامعة للآثار الإسلامية وسجل حضاري متميز للعصور الإسلامية المختلفة كالعصر الفاطمي والمملوكي والأيوبي والعثماني وعهد أسرة محمد علي وصولا إلي العصر الحديث.. حيث تتواجد فيه الآثار الإسلامية بأنواعها المختلفة وكافة عناصر العمارة الإسلامية بل إنه توجد به أكبر مجموعتين أثريتين في مصر والعالم العربي والإسلامي, أولاهما مجموعة السلطان الغوري وتتكون من مدرسة ومسجد وسبيل وكتاب وقبة ووكالة ومنزل بناه السلطان قنصوه الغوري آخر سلاطين المماليك.. وثانيتهما هي مجموعة السلطان قلاوون, وتتكون من مدرسة ومسجد وقبة وبيمارستان أي مكان للعلاج.. وقد قامت وزارة الثقافة بترميم كل هذه الآثار ترميما معماريا دقيقا مع تقوية الأساسات الخاصة بها.. ولعل أهم ما يميز شارع المعز تحديدا كما يضيف عبدالله العطار أنه الشارع الوحيد علي مستوي العالم الذي لم يتغير تخطيطه منذ أكثر من1000 عام!! بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إن الآثار الإسلامية الموجودة علي يمينه ويساره قد حافظت عليه عبر السنوات الطويلة الماضية حتي جاءته الفرصة ليتحول إلي متحف مفتوح للعصور الإسلامية يتيح لرواده فرصة الإحساس بالعودة إلي عبق الماضي كأنما يعيش هذه الأزمنة بالفعل.. ومن بين الآثار الإسلامية التي تم ترميمها باب الفتوح ومسجد السلحدار ومسجد الأقمر والناصر محمد بن قلاوون ومسجد السلطان برقوق وسبيل محمد علي وكذلك منزل زينب هانم خاتون الذي تم تحويله إلي قاعات عرض بالمجان لشباب الفنانين التشكيليين لعرض أعمالهم به, وكذلك تم ترميم بيت السحيمي وبيت مصطفي جعفر حيث تحول الأخير إلي مكان تتوافر فيه أجهزة الكمبيوتر لخدمة أطفال وشباب المنطقة. منطقة جذب سياحي التركيز علي الناحية السياحية أهم الجوانب أو الأهداف الرئيسية لتطوير شارع المعز كي يتحول إلي منطقة جذب سياحي, وهو الشق الذي يتناوله عمرو العزبي رئيس هيئة التنشيط السياحي ليستكمل اللمحة التاريخية عن الشارع العريق قائلا إنه اقترن بنشأة القاهرة الإسلامية سنة969, وكان يسمي بين القصرين أي القصر الشرقي والغربي أيام الدولة الفاطمية.. وهو يعد جزءا من منطقة ذات جذب سياحي بالفعل هي منطقة خان الخليلي التي يزورها ما لا يقل عن مليون سائح سنويا.. وهذا الشارع يعد مزارا سياحيا حتي قبل أن يطرأ عليه التطوير الذي حدث الآن, وإن كان التردد عليه كان قد بدأ في التراجع في السنوات الأخيرة نظرا لتردي أحواله وتهالك العمارات علي جانبيه.. ولكن الآن وبعد التطوير, فإننا نري أنه إذا كانت أهرامات الجيزة مازالت هي أكبر وأهم موطن جذب للسياح في القاهرة الكبري.. فإن القاهرة الإسلامية والقبطية( منطقة مصر القديمة) هي أيضا مناطق قادرة علي جذب العديد من السائحين.. وبالنسبة للدور الذي نقوم به بالنسبة لشارع المعز فهو أننا سوف نؤكد أعمال التطوير التي لحقت به من خلال موقعنا الإليكتروني, وكذلك عند تطوير المطبوعات الخاصة بالقاهرة, حيث نقوم بالترويج للمدينة بشكل عام.. وإن كان ما نأمله بالفعل هو أن تمتد أيدي التطوير لتشمل المناطق المحيطة بالشارع, وأن تقام فعاليات فنية وثقافية في المنطقة نظرا لأن سائح المدن لا يكتفي بإتباع الطرق التقليدية فقط ليستمع إلي شرح المرشد السياحي ولكنه يهتم بالتجول ليكتشف كل ما حوله.. لذلك فإن هناك ضرورة لتطوير المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية بشارع المعز لكي لا تقتصر علي بيع الهدايا التذكارية فقط, ولكن يجب أن تمتد لتشمل منتجات من صنع مبتكرين مصريين لتقدم نماذج للصناعات اليدوية التي يمتزج فيها الإبداع الحديث بالفن المتوارث منذ قديم الأزل.. فمن المعروف أن مصر تشتهر بمثل هذا النوع من الصناعات.. كذلك نأمل أن يتم فتح المنطقة بالكامل لروادها من المصريين والأجانب معا بما في ذلك المساجد والوكالات والبيوت المملوكية والعثمانية والسبل لأنها أروع ما يميز المنطقة, ولا تزال شاهدة علي عصور عديدة..