في مجموعتيه الأخيرتين: شجرة ورد خلف الشط الآخر, وأما النهر الساجي فتمرد, يعتصر حسن فتح الباب كل خبراته الشعرية, وقطاف منجزاته الابداعية متمثلة في ثماني عشرة مجموعة سابقة, وإيجاره الدائم في ذاته أولا, وفي وطنه العربي ثانيا, وفي الكون باتساع فضاءاته وتأملاته, وبرصيد كبير من كتاباته النقدية عن شعراء ومفكرين وقضايا شاغلة, ليصنع من هذا كله, قصيدته التي ينشدها منذ البداية, تحمل سمته وصوته وأصداء عالمه, وتشي بموقعه في الحركة الشعرية المصرية والعربية المعاصرة. وحسن فتح الباب الذي انغمس منذ الخمسينيات, في حركة شعر التفعيلة, مشاركا في تأسيس البنية المغايرة للقصيدة الجديدة, والذي واصل رحلته التعليمية حتي حصوله علي الدكتوراه من كلية الحقوق بجامعة القاهرة, جامعا بين الدراسة القانونية والعمل في سلك الشرطة وصولا إلي منصب مدير القضاء العسكري بوزارة الداخلية, وترقيته إلي رتبة لواء, وممارسا للعمل الجامعي أستاذا في مجال تخصصه, مسهما في حركة التعريب وفي النهضة الثقافية والأدبية خلال عمله بالجزائر أستاذا للقانون الدولي والعلوم السياسية هو نتاج هذا كله, وما يموج به من خبرات ومواقف ورؤي, منحازا باستمرار إلي رؤيته للقضايا الوطنية والقومية, الأمر الذي جعل النقاد يتعاملون مع شعره, في كثير من نماذجه, بوصفه في طليعة شعراء المقاومة في العالم العربي. وكان هذا وراء منح اتحاد الكتاب العرب له جائزة القدس عام2002, لأن القضية الفلسطينية مأساة وثورة وبطولة وتر أساسي في قيثارته الشعرية منذ عام8491, حتي انتفاضتي عام7891 وعام0002, وهي انتفاضة الأقصي. يقول في قصيدته شجرة ورد خلف الشط الآخر وهي القصيدة التي أطلق اسمها علي أحد ديوانيه الجديدين: ها نحن أولئك فوق الأعراف نتساءل: من يستر عورتنا؟ من يبلغنا مأمننا؟ أسري في جوف الحوت غرقي في لج الطوفان نتصايح: كيف نجدف وسواعدنا مبتورة؟ كيف نحطم أغلال الوهم وعظام جماجمنا منخورة؟ كيف نغني, وبلابلنا تحدوها الغربان ويعيث بوادينا الإفك! وصولا إلي قوله: صمتا, لا تهتف باللحن الشاجي أشعل شمعة أطلق سهما للبشري إن هي إلا آلام مخاض أنت تجري أبدا لا تستقر لم لا تهدأ حتي أسمعك؟ هل تراني لحظة واحدة مثلما يبهرني فيض سناك؟ سامق أنت علي طول السري ليتني أملك بعضا من خطاك دع ترابي, دع جذوري تنطلق دع غصوني ترتشف منك العبير وأشد من نايك لي لحنا فإني وطن حر وشاديه أسير عاشق أنت لأحلام السفر ولي التحنان والوجد الكظيم كيف ترضي شجني يرعي النجوم وتبيت الليل تشدو للقمر؟ سيدهش قاريء حسن فتح الباب في مجموعتيه الجديدتين, وهو يري هذا النفس الشعري المتدفق, والوجدان المترع بالألم والنشوة, واللغة الطيعة في غير إعنات أو مشقة, وصفاء الرؤية النافذة إلي ما وراء العابر شمس في رحم الظلمات لن تولد, لن تتحرر حتي يتكلم أبكم يجهر بالثأر من الأوغاد حتي يستمع أصم لنداء الدم, وأزيز النار حتي يبصر أعمي, ما خلف الأسوار مختتما قصيدته الواخزة بقوله: يتنادون خفافا وثقالا: من منا يقتحم الإعصار يقتلع الصبار يغرس شجرة ورد خلف الشط الآخر ليفيض الطوفان ويموت الموت! وفي قصيدته حديث النخلة إلي النهر من قصائد ديوانه: أما النهر الساجي فتمرد يعيدنا حسن فتح الباب بشاعريته المكثفة ووعيه المكتنز إلي قالب الرباعيات الشعري, شامخا شموخ النخلة, منسابا انسياب النهر, حين يقول: قالت النخلة للنهر ترفق أنا لا أقوي علي الشدو معك والشاغل والمتصدر للمشهد لأنه لايزال في قمة تدفقه وعنفوانه , ولن ينسي أبدا كلماته الشديدة التفاؤل: وإن نظرت عاليا, تري الأفق منورا كطلعة الربيع كأعين اللجين والياقوت تري الشفق نارا علي نسل المماليك الجباه تري الشهب تجمعت لترجم الطاغوت! ولقد سقط الطاغوت مع قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير, أما المماليك الجباة فيواجهون مصيرهم المحتوم في ساحة العدل ولن يفلتوا من العقاب. المزيد من مقالات فاروق شوشة