أبحث عن مرفأ يحتويني بحنان مقطر, بعد صراع طويل مع أمواج الحياة.. بين موجة عالية ضربتني وموجة أنقذتني من أسماك القرش, أبحث عن مركب بلا شراع تأخذني الي شواطئ مجهولة لناس في خريف العمر يبغون الهدوء ويتأملون قرص الشمس وهو يختفي في الأفق البعيد. أبحث عن صديق يسمعني, يمنحني إصغاءه, افتح خزائن نفسي أمامه بلا تردد, بلا حذر, بلا تفكير, يبكي اذا تألمت ويفرح اذا ابتسمت أقابله في محطة العتاب.. فلا يجري قطار الغضب فوق القضبان. أبحث عن صدر امرأة أسند رأسي المثقلة المرهقة عليه, فتذكرني بأمي, حين كانت عاصمة للحنان في قارتي, وكانت تقرأ جيدا الحزن في عيني وكانت تنتشلني من لحظات الضياع, ويوم ماتت, هاجر الفردوس حياتي وصرت أبحث عنها بين نساء عرفتهن حتي أعياني البحث وفهمت أن حب الأم وحنانها يحكمه قانون العطاء دون انتظار مقابل. أبحث عن مدينة, الناس فيها يذهبون للصلاة والخشوع لله في صحن مسجد أو في هيكل كنيسة وهم يحيون بعضهم وربما يتواعدون علي اللقاء في بيوت يغمرها الحب والفهم. أبحث عن مقهي لا تلوثها أنفاس الشيشة ولا تشاط الطاولة ولا أصوات سماسرة ولا غناء ثقيل علي الأذن.. مقهي أطلب فيه فنجان قهوة, أرشفه بمزاج وحبذا لو جاء صديق من مقاعد الدراسة(!) يشاركني جلستي, أما لماذا من مقاعد الدراسة, فلأنها مدرسة الصداقة الحقة بين الرجال, أبحث عن صحيفة لا يجلس كتابها وفرسان أعمدتها مكان القضاة ويصدرون أحكامهم, ففي مصر نائب عام وكتيبة من رجال النيابة هم الحصن الحصين لهذا البلد, هم وحدهم الذين يملكون توجيه الاتهامات بدلا من الكلام المرسل الذي يقزقزه الناس, خصوصا اذا تكحلت هذه الاتهامات بسيل الاهانات, أبحث عن شارع في مصر الثورة لا تغلق العمارات فيه أبواب حديد بعد العاشرة خشية زيارة السجناء الفارين أو المسجلين خطر, وعلي باب العمارة ورقة ملصقة تضم تليفونات الشرطة العسكرية وأحكام الردع بلا نقض علاج للقلق الساكن في الصدور. أبحث عن مؤسسة, البشر فيها غير مصنف الي ثوري وفاسد وعميل وعدو للثورة واسمه في قوائم العار, مؤسسة لا يحكم العمل فيها ديكتاتورية الأغلبية, تقتلع فيها من تشاء وتطالب بمن تشاء في الوقت الذي فيه تشاء.( ضاربين) الديمقراطية والعدالة في مقتل, العنصران اللذان ولدا في رحم ثورة شباب, ووقف الخلق ينظرون بدهشة للمشهد الذي لا ينتمي لمباديء ثورة وهم يضربون كفا بكف. أبحث عن د. سيد عويس بين عقلاء الأمة وكان عقله ملاذا لي وغدة معرفة اذا استعصت علي الاجابات لأسئلتي, أود أن أسأله: لماذا الكيد والتشفي والشماتة ظهرت علي السطح في هذا الوقت؟ لماذا الاغتيالات والتصفيات المعنوية عنوان للأخلاق الآن؟ لماذا الهجوم المباغت علي أناس يحملون لقب عهد بائد(!) لأنهم لم يشاركوا الثوار.. الميدان؟ وهل صار قانون الميدان يحكم المصريين؟ ابحث عن ثائر حق كما يردد الشيخ الشعراوي في مقولته, يهدم الفساد ويبني الأمجاد ولا يهدد بالعودة لساحة الزحف العظيم, أبحث عن ثائر حق يفكر في منهج حق للأطفال ومعمل حق للعلماء, وأجر حق للعمال والبسطاء, وطب حق للمرضي وعدل حق للمتقاضين, وفن حق يشكل الوجدان ورأي حق يبني ثقة ودستور حق لمصر والمصريين. أبحث عن ديمقراطية لا تصف رأيا مخالفا بالثورة المضادة أو من فلول النظام أو.. أو.. من هذه الصكوك الحديثة وتلوكها الألسن ويتحول( الناقد) الي( متهم) فيحجب الرأي ويخشي من التسلط أو التنصت أو القهر بالفيس بوك وينسحب خشية التشهير ونعود لعصور كبت الرأي. أبحث عن أم شهيد سقط في الميدان وهو يلتحف بعلم مصر وكان الرصاص هو الثمن, أشكو لها من ثاني أكسيد الكربون الذي ملأ الجو وكنا نحلم بخيمة أكسجين. المزيد من مقالات مفيد فوزى