وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد سبع سنوات لتحترق للمرة الثالثة خلال9 سنوات واحدة من أجمل وأروع محميات مصر الطبيعية الثرية بالأشجار والنباتات والأحياء البرية النادرة والطيور, في قلب النهار وتحديدا في الساعة الواحدة ظهرا احترقت محمية سالوجا وغزال بقلب النيل بأسوان وكالعادة خرج علينا تقرير وزارة البيئة. معلنا أن الخسارة400 شجرة وجار التحقيق, وللأسف فإن الخسارة فادحة وتفوق الأرقام لأن الحريق الهائل الذي تشعب بفعل الهواء والرياح الشديدة دمر وفق آخر التقارير70% من الكساء الاخضر للمحمية شاملا النباتات والأشجار العشبية والحولية, والبنية التحتية لها, وإذا كانت أصابع الاتهام تشير كالعادة الي المنشآت السياحية المجاورة للمحمية فهذا لايخلي مسئولية وزارة البيئة بل تتحمل المسئولية الأولي لعدم وجود كوادر بشرية كافية للحماية والصون لواحدة من أهم محميات مصر الطبيعية, لأن محمية سالوجا وغزال التي تقع علي مساحة55 فدانا بقلب نيل اسوان قائم علي حراستها ورئاستها والبحث العلمي لتنوعها الإيكولوجي5 افراد فقط, خاصة مع تكرار نفس الكارثة من قبل وكل المعطيات كانت تؤكد امكانية تكرارها, ولم تسع الي دعم المحمية أو أية محمية أخري بكوادر بشرية للحماية والصون وفي الحادث الأخير وقف حراس البيئة بالمحمية عاجزين مكتوفي الأيدي لانتشار النيران في الهيش والبوص بسرعة مذهلة في مواقع كثيرة يصعب لهذا العدد المحدود اخمادها أو ملاحقتها, وكانت بحق النيران في الهشيم. شرارة الحريق لا أحد يدري من اين انتقلت شرارة الحريق الأولي وهذا ستكشف عنه التحقيقات والمعاينات التي تجري حاليا وعن كيفية حدوث الحريق يقول مصدر مسئول بقطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة( رفض ذكر اسمه في التحقيق): هذا ما ستكشف عنه التحقيقات والمعاينات والتقارير الفنية التي تتم بمعرفة الأجهزة المختصة حاليا, أما عن كيفية انتشار الحريق بهذه الصورة المدمرة وعدم السيطرة عليه فقد تضافرت عدة عوامل أهمها توقيت حدوثه من هذا الوقت من السنة حيث تقل مناسيب المياه في تلك المناطق, وهذا يجعلها تنقسم الي جزر صغيرة شبه متصلة, ومناسيب المياه الصغيرة تجعل عمليات تحرك وحدات ولنشات الإنقاذ والإطفاء صعبة للغاية, لذا لم يتمكن لنش الإطفاء التابع للدفاع المدني من الدخول بالقرب من مناطق الحريق بسالوجا وغزال, بل وقف علي المجري الرئيسي للنيل ومد خراطيم الإطفاء لأكثر من100 متر, فقد كان من الخطورة علي لنش كبير الدخول لمنطقة الحريق, وللعلم فإن انخفاض مناسيب المياه يستمر في الانخفاض حتي شهر مايو من كل عام, كما ساهمت شدة الهواء وسرعة الرياح في هذا اليوم في سرعة انتشار الحريق وانتقاله من موقع لآخر علي الجزيرتين, الأمر الذي صعب كثيرا بل جعل من ملاحقة النيران ووقف انتشارها واخمادها شيئا مستحيلا لتكون المحصلة النهائية خسائر ضخمة لتلك المنظومة البيئية المتفردة. ولكن هل لاتوجد استعدادات كافية تحسبا لمثل هذا الطاريء؟ أجاب المصدر: نعم لدينا شبكة اطفاء مزودة بالخراطيم ومدعمة بعدد14 محبس مياه بجزيرة غزال و16 محبسا بجزيرة سالوجا, ولكن لم يكن هناك عدد كاف من الأفراد لكي يتحركوا بسرعة لمواكبة الانتشار السريع جدا وانتقال الأسرع للنيران من مكان لآخر, فكل قوة المحمية من الأفراد تبلغ5 أفراد مابين باحث بيئي( رينجرز) وحراس, فهل يستطيع مثل هذا العدد المحدود للغاية من التصدي لنيران تنتشر بسرعة البرق وتنتقل من منطقة لأخري في مساحات تربو علي55 فدانا وفي جزيرتين منفصلتين. وعن أهم الأشجار الموجودة بالمحمية بصفة عامة والمحترقة بصفة خاصة يجيب نفس المصدر: بسالوجا وغزال أكثر من أربعة آلاف شجرة تتفاوت أعمارها فنجد منها ماعمره100 سنة ومنها ذو ال7 أو8 سنوات أي تمت زراعتها عقب الحريق الماضي( عام0042) بعد عملية تأهيل شاملة, كما احترقت كميات هائلة من نبات البوص المنتشرة حول المحمية وهي خسارة مؤثرة للغاية لأن البوص يعتبر سياجا طبيعيا لحماية المحمية ومواقع لأنواع كثيرة من الطيور المقيمة بالمحمية تعيش وتبني أعشاشها وتتكاثر فيها الأهرام حذر من الكارثة وكان لجريدة الأهرام السبق في التحذير من الأخطار المحدقة بمحمية سالوجا وغزال المتفردة في أكثر من تحقيق صحفي بصفحات البيئة والتحقيقات بتاريخ2 يناير4,2004 مارس11,2007 مارس2007 لوضع استراتيجيات متكاملة لتأمينها الا أن الوزارة لم تعر ذلك الاهتمام, ولم تكن شبكة اطفاء الحريق التي تغطي80% من المناطق الحساسة بالمحمية بها بعد الحريق الأول كافية وطالبت الأهرام بدعم آليات الإطفاء بماكينتي ديزل احتياطيتين لتشغيل الشبكة في حال حدوث حريق بالماكينات الأصلية دون استجابة, كما حذرت نفس التحقيقات من انتقال أي شرر من حريق البوص ومخلفات الأشجار الي المحمية لأنه سيتسبب في كارثة, وهذا ماحدث بالفعل مؤخرا وللأسف لم تتم الاستجابة كالمعتاد! خسارة فادحة مقننا حجم الكارثة يقول العالم الكبير الدكتور محمد عبد الفتاح القصاص: حريق محمية جزيرتي سالوجا وغزال خسارة فادحة للبيئة المصرية, لأن الجزر النهرية عند أسوان بها بقايا غابات نهرية ليس لها نظير في مصر خاصة أنواع من جنس السنط لاتوجد الا في هذه المحميات وباعداد قليلة, والحرائق قد تكون بفعل الإنسان أو لأسباب اخري طبيعية, وحرائق الغابات ومنها المحميات الطبيعية في العالم كله احداث طارئة قد تكون من اهمال من الأبنية القريبة مثل الفنادق أو المنشآت السياحية المجاورة, وعموما يجب ان يراعي علي الدوام أن يكون في مثل هذه المحميات وسائل وخطط لمكافحة الحرائق عند حدوثها بما في ذلك التدريبات الخاصة بالعاملين في المحمية وعن كيفية اعادة تأهيل المحمية يضيف الدكتور القصاص: لدي وزارة البيئة مشروع البيوماب( خريطة الأحياء المائية) به معلومات عن النباتات الموجودة بالمحمية شاملة أنواعها وكثافتها, لذلك يمكن اعداد برامج لإعادة تأهيلها وهذه تحتاج لدراسات متأنية وباحثين لو وجد بمخلفات الحريق بذور للأنواع النباتية حتي لانضطر الي جلب بذور من مناطق اخري قد تكون مختلفة قليلا عن الناتات الأصلية الموجودة, وقد يتكلف هذا الأمر الكثير ولكنها تكلفة مستحقة لصون هذا التراث النادر, هذا يفتح الباب لاستكمال العناصر اللازمة لحسن ادارة وصيانة المحميات الطبيعية. حجم التدمير ويمثل الحريق تلك المحمية كارثة لايمكن باي حال من الأحوال التهوين منها لأنها تمس تراث مصر الطبيعي من جهة ومن جهة اخري تكشف قصور وزارة البيئة وقطاع محمياتها من جهة اخري, واستعراض لغة الأرقام في حصر الخسائر في حدود300 شجرة لاينم عن رأي علمي يقدر قيمة هذا التراث حتي لو كان عمر الشجرة يوم واحد, ومع ذلك تأتي التقديرات المبدئية كاشفة للحقيقة, إذ ترصد أكثر من70% من مساحة الكساء النباتي لجزيرتي سالوجا وغزال دمر بالكامل جراء الحريق وكما يؤكد ذلك الدكتور محمد جبر استاذ علم النبات ووكيل كلية علوم اسوان للدراسات العليا والبحوث( رئيس لجنة التقييم للحريق): محمية جزيرتي سالوجا وغزال ليست اشجارا فقط يتم عد ماحرق منها ومالم يحرق بل بيئة متكاملة تحتضن الأشجار والنباتات العشبية والحولية مثل الهيش والبوص التي لها اهميتها القصوي في تكاثر وحياة الطيور والحيوانات والزواحف وغيرها من الأحياء وكثير منها نادر, كما يعيش فوقها انواع كثيرة من الطيور المهاجرة, ومن يحاول أن يرصد عن كثب حجم الكارثة التي خلفها الحريق يصطدم بحقيقة مرة يفوق تلك الأعداد المعلنة, فأكثر من70% دمر بالكامل بل الباقي30% قد لاتكون بمنأي عن الخطر كذلك, إضافة الي أن النيران وارتفاع درجات الحراة لها تأثيراتها المباشرة علي الحيوانات والزواحف, أيضا لم تسلم البنية التحتية للمحمية ومنها خراطيم الإطفاء التي تم انشاؤها من التدمير الذي ساهمت سرعة انتشاره في الهيش والبوص في عدم السيطرة عليه وإطفائه.