هل يمكن أن نهتدي إلي بدايات واضحة؟ وما السبيل إلي تحرك عقلاني يمكن أن يمهد إلي مرحلة من التقدم ولا أقول الثورة؟ رحلتنا اليوم إلي عدد من أصول الجو الغريب السائد, علنا نهتدي إلي الإمساك بمفاتيح تجاه مصر المستقبل. أولا- وثبة شباب مصر التاريخية تمثل انتفاضة وطنية جبارة تفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من ثورات مصر, اللافت للنظر في هذا التحرك الجبار أن القائمين بقيادته أعلنوا من الأهداف ما يتعلق بالأوضاع الظالمة التي فرضها نظام الحزب الوطني الديمقراطي علي شعب مصر منذ ثلاثين عاما, مع التركيز علي نواحي النظام والاستبداد الأمني وانعدام الديمقراطية والفساد المالي. تساءلت جماهير شعبنا العريق في الوطنية: ماهو برنامج هذه الإنتفاضة الشبابية الجبارة التي طرحت نفسها علي أنها ثورة؟ أين أهداف تحرك25 يناير بالنسبة لمستقبل مصر: نظام الحكم السياسي, النظام الإقتصادي, التكوين الاجتماعي في المدن والريف, التعليم والعلم والثقافة الوطنية, وفي مقدمة هذا كله موقف مصر من المحيط الإقليمي والعالمي, أي تحديد محاور سياسة مصر الخارجية في عهد الثورة التي أرادها الشباب. ثم ومادام أن الأمر يعني الانتقال من انتفاضة إلي ثورة: أين هي القيادة العامة والقيادات النوعية, أي الحزبية والتنظيمية لهذا التحرك الكبير؟ سؤال مركزي ثان لم تحضرنا الإجابة عليه حتي الآن بشكل واضح, وإن تكونت عدد من لجان القيادة تدريجيا, ومازالت. واللافت في إدراك خصوصية وثبة52 يناير أنها لم تعلن إنتماءها إلي تاريخ ثورات الشباب علي امتداد تاريخ ثوراتنا الوطنية التحريرية في العصر الحديث, لم يرد ذكر لتواصل إنجازات شباب مصر في الحزب الوطني الأول في بداية القرن العشرين, ولا ملحمة التنظيم السري للوفد المصري في ثورة1919-.1923 وكذلك الأمر بالنسبة لثورة الشباب في1935-1936, وهي التي أدت إلي مراجعة المعاهدة البريطانية المصرية علي طريق الاستقلال الكامل, وكذا لم يرد ذكر لعلاقة انتفاضة25 يناير الكبري برسالة اللجنة الوطنية للعمال والطلبة, وجوهر الثورة الطالعة عام1946, وكذا الأمر بالنسبة لتحرك الضباط الأحرار في يوليو1952 والإنتقال إلي تحقيق الثورة الثانية في القرن العشرين حول المباديء الستة( من تراث1946), وذلك بتحقيق الإصلاح الزراعي وبناء السد العالي وإقامة القطاع العام الصناعي والإعداد لحروب مصر التحريرية, رغم نكسة1967 حتي عبور جيش مصر بقيادة جيل ثوري جديد من القادة العسكريين في أكتوبر1973, والمدهش حقيقة أنه لم يأت مجرد ذكر لثورات الشباب عام1972 انتفاضة الجيش بقيادة الدكتور أحمد عبد الله, ولا انتفاضة1977 التي قام بها الشهيد الدكتور محمد عبد المنعم سيد, هذا رغم أن هاتين الحركتين قامتا علي أكتاف الشباب والطلبة باسم الشعب كله وتركزت أركان الحكم آنذاك. انتفاضة25 يناير الجبارة انطلقت وكأنها ظاهرة مفردة تعتز بريادتها, دون تحديد مكانتها في تاريخ ثورات شباب مصر منذ مطلع القرن التاسع عشر حتي عبور أكتوبر. وبطبيعة الأمر ترتب علي هذه الأوضاع جو من الثورة الدائمة وهو الجو الذي شجع علي تفجر الفئوية دون حدود, وهي كلها مشروعة ولكن مع احترام ما ينتجه النشاط الاقتصادي الذي أصابه الشلل إلي حد بعيد. ثانيا- وباختصار شديد نشاهد نفس الظاهرة أي اللااتصالية في مجال العمل السياسي, الحزب الوطني, رغم تصفية قيادته, مازال يتحرك في أركان البلاد, هذا بينما مازالت أحزاب المعارضة السابقة أي الوفد والتجمع والناصري والجبهة في حالة لافتة من الضعف نتيجة محاصرتهم في عصر الحزب الوطني الديمقراطي. وفي مقابل هذا الوضع تتدفق موجات جماعة الإخوان المسلمين ومعها تنظيمات سلفية وجهادية وإسلامية متنوعة, وكذا حزب الوسط تحتل ساحة واسعة علي أساس المعاني التي توغلت في أعماق المجتمع المصري بعد أن استند قطاع واسع من الشعب علي عوائد العمالة في بلاد النفط... واللافت للنظر هنا أن هذا القطاع من العمل السياسي يعتبر أنه بداية حضارة جديدة علي أرض مصر وعلي امتداد الأمة الإسلامية في أركان المعمورة, أي أنه لا ينتمي إلي أحزاب الحركة السياسية الوطنية منذ عصر نهضة دولة محمد علي إلي اليوم, ومن المؤلم أن رأينا ذات يوم المرشد السابق يؤكد انه لا يهتم بأن يكون رئيس مصر من أبناء هذا الوطن, بل أنه يكتفي بأن يكون هذا الرئيس المفترض من أبناء أي دولة إسلامية في العالم.....تصريح يؤكد أن هذه الهيئة وحزبها المرتقب خارج كوكبة التنظيمات والأحزاب الوطنية المصرية, مادام أن نقطة البدء والهدف من خارج دائرة الوطن, أي من دائرة الحضارة الإسلامية علي نطاق العالم. ثالثا- ومن هذه المقدمات, التي عرضنا لها باختصار شديد, يتشكل مشهد اليوم ألا وهو: ارتفاع شأن جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات السياسية الإسلامية في قلب ساحة من الحراك المجتمعي العارم لإنتفاضة بلا أهداف وطنية محددة ولا حدود ولا قيادات تحدد معالم التحرك المرتقب وتخطط لقضية سياسية تتيح المجال والزمن اللازم للأحزاب السياسية الوطنية لكي تنظم صفوفها وتؤكد أركان تنظيمها علي مستوي الوطن كله. ومن هذا كان شعور قطاع واسع من المحللين بأن التعجيل لإجراء إنتخابات تشريعية بعد الموافقة علي التعديلات الدستورية الجزئية- سوف يفسح المجال إلي شراكة بين الحزب الوطني ومنظمات الإسلامي السياسي في البرلمان, قلب نظام الحكم القادم. رابعا- وفي هذا الجو الغامض تتضاعف المخاطر السياسية حول مصر, حيث القرار السياسي لم تتحدد معالمه بعد. هذا مثلا الصراع المسلح في ليبيا غرب مصر, فجأة تطلع علينا جامعة الدول العربية بقرار أغلبية أعضائها( ضد أقلية رافضة حول سوريا) بالموافقة علي فكرة فرض الحظر الجوي علي ليبيا,وهنا أصابنا الذهول: من أين حماس لمعظم الدول العربية المفاجئ؟ هل أنها تصورت أن أمريكا العزيزة سوف تهرول لقيادة الحظر الجوي- ومن بعدها الاتحاد الأوروبي؟ أمريكا لم تهرول, وألمانيا رفضت, وكذا روسيا والصين والهند والبرازيل. المهم هو: السيطرة علي منطقة البترول بالارتكاز علي قوة سياسية متفهمة. مركز الثقل في مصر في المقام الأول يعني: استبعاد الجيش نتيجة الانتخابات المعجلة, ثم تأكيد سلطة الحلفاء في الجزيرة والخليج. قال صاحبي: سيناريو الأعادي يصطدم بوعي شعبنا العريق, يدا في يد مع جيش الوطن.. مجرد معركة علي طريق طويل.... المهم: أن نؤكد تواصل ثورات شعبنا. المزيد من مقالات د.أنور عبد الملك