بعد وصول باراك أوباما إلي السلطة في مطلع2009, دعت الإدارة الأمريكية الصينيين إلي رقصة هادئة علي أرضية جديدة تقول ان الولاياتالمتحدة تحتاج بكين في ترتيب ملفات دولية شائكة خلفتها إدارة جورج بوش منها الوضع الاقتصادي العالمي والتغييرات المناخية وإيران وكوريا الشمالية وطالت الرقصة الهادئة قليلا حتي اصطدمت الصين بمطالب الغرب في قمة المناخ الأخيرة في ديسمبر الماضي حول المراقبة الدولية للانبعاثات ثم تأزم الموقف مع الولاياتالمتحدة عندما ارسل رئيس وزراء الصين وين جياباو احد مرءوسيه, نيابة عنه, لحضور اجتماع دعا إليه أوباما في كوبنهاجن, فكانت اشارة جديدة علي ان الصين تزاول مرانا خفيفا علي لعب دور القوي العظمي المنافسة للعملاق الأمريكي علي الساحة الدولية, وابتلعت الولاياتالمتحدة تلك الاشارات الصينية علي مضض. وفجأة ايضا تحولت بكين في موقفها من امكانية الموافقة علي فرض عقوبات علي طهران وذلك في اجتماع تنسيقي في نيويورك للبحث في موقف عدم امتثال الحكومة الإيرانية لمطالب مجلس الأمن الدولي حول وقف تخصيب اليورانيوم بتكرار الموقف السابق مع الأمريكيين ولكن هذه المرة بإرسال دبلوماسي صغير من بعثتها الدبلوماسية لحضور اجتماع مع وليام بيرنز نائب وزيرة الخارجية الأمريكية بدلا من المسئول الرفيع المستوي الذي تولي الملف من البداية, وكانت رسالة الصين في الموقفين السابقين أن بكين لم تعد في موقف المتلقي لمحاضرات من الأمريكيين. في ضوء ما سبق, ردت واشنطن علي لسان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية بالاعلان عن مساندة الإدارة لموقف شركة جوجل من الرقابة في الصين ثم الاعلان عن صفقة اسلحة مع حكومة تايوان الخصم الدود لبكين بقيمة6 مليارات دولار وهو ما ردت عليه بكين بتجميد الاتصالات العسكرية بين البلدين وتهديد الشركات الغربية الكبري التي تتعاون معها في سوق الصناعات العسكرية والنقل الجوي مثل بوينج. المنافسة الشديدة بين الولاياتالمتحدة والصين تنصب في الكواليس علي من يعتلي عرش زعامة العالم تكنولوجيا, وبالتالي يسيطر في ميدان الاقتصاد, فالرئيس أوباما قال في خطاب حالة الاتحاد إن بلاده لايجب ان تسمح بأن تتجاوزها دول اخري في ميدان المبتكرات والتكنولوجيا المتقدمة أو ان تسمح للشركات الأمريكية بتوفير وظائف في دول أخري علي حساب المواطن الأمريكي, وكانت كل الاشارات في الخطاب صوب الصين, وفي غمار الازمة الأخيرة, أفردت كبريات الصحف الأمريكية موضوعات حول تقدم الصين التكنولوجي وكيف وصلت إلي منعطفات غير متوقعة. وربما يجد الغرب نفسه مضطرا إلي الذهاب إلي الصين للحصول علي تكنولوجيا الطاقة البديلة بعد انتهاء الاعتماد علي بترول الشرق الأوسط, والمؤكد ان اجمالي انتاج الطاقة في الصين سيتجاوز اجمالي المنتج في الولاياتالمتحدة بحلول عام2012 وفي ظل هذه الحمي الصينية, تقوم شركات عالمية عديدة متخصصة في انتاج الطاقة من الرياح بانشاء محطات في الصين للاستفادة من سوق يتسع ل100 الف فرصة عمل سنويا. وفي ندوة عقدت الاسبوع الماضي في مجلس كارينجي للاخلاق في العلاقات الدولية بنيويورك, قال الباحث المرموق زخاري كارباريل ان الولاياتالمتحدة تحتفظ بهامش تفوق تكنولوجي علي الصين مداه خمس سنوات فقط, ويبدو ان الهامش يتآكل وهو ما يخالف الشائع في كثير من الدراسات الحديثة عن الفجوة التكنولوجية بين البلدين, وكانت مؤسسة جولدمان ساكس قد نشرت تقريرا توقع صعود الصين إلي المرتبة الأولي في الاقتصاد العالمي بفارق كبير في الناتج المحلي الاجمالي عن الولاياتالمتحدة بحلول عام2050 بينما تظل الامة الأمريكية متفوقة حتي حلول عام2025 والطموح الصيني المشروع لبلوغ مرتبة الزعامة امر تتعامل معه معظم الدوائر الأمريكية بعقل متفتح, فيقول كارباريل ان ازمة جوجل تحمل بعدا اكثر تعقيدا من مجرد رقابة السلطات الصينية علي البريد الالكتروني للنشطاء السياسيين بدليل ان هذه الافعال متكررة في دول مثل شمال افريقيا والخليج ولايصدر عن الشركة الأمريكية ردود افعال مماثلة, ولب القضية ان الشركات الأمريكية مثل جوجلوياهو تخسر المعركة في مواجهة الشركات الصينية المسيطرة محليا. وقد شهدت اجتماعات منتدي دافوس الأخير في سويسرا حوارات وتحليلات حول العلاقة المستقبلية بين أمريكا والصين, وذهب البعض إلي تصور نظام عالمي يقوم علي التفاهم بينما قال البعض الاخر ان مثل هذا التصور غير واقعي, لان دروس التاريخ تقول ان القوي القديمة تصطدم, عادة, مع القوي الصاعدة المنافسة لها. لكن فريد بيرجيستين مدير معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية, طالب بإيجاد كيان تنسيقي يسمي مجموعة الاثنين يقوم بتوجيه وإدارة الاقتصاد العالمي من داخل مجموعة العشرين للاقتصاديات الأكبر في العالم, وحذر بيرجيستين من ان عدم اللجوء إلي هذا الحل يعني عدم القدرة علي تحقيق تقدم علي مستوي المؤسسات الدولية مثلما حدث في قمة كوبنهاجن للمناخ, حيث تطلب التوصل إلي حل في اللحظات الأخيرة عقد قمة بين أوباما ووين جياباو, في المقابل المعضلة الرئيسية في هذا السيناريو انه ليس بمقدور الدول المتقدمة الأخري والدول الناشئة الجلوس في مقاعد المتفرجين انتظارا لنتائج تفاهمات وقرارات واشنطنوبكين حول طريقة ادارة الاقتصاد العالمي. تلك بعض جوانب التوتر في العلاقات الثنائية بين واشنطنوبكين, التي تستشعر من واقع ارقام اقتصادها اليوم وديونها لدي الولاياتالمتحدة انها ند كبير, والمؤكد ان قطار الطموح الصيني يزيد من سرعته ويقترب من السير بمحاذاة العملاق.. كتفا بكتف!