بعد عمليات رصد وتحليل وتصفية لمحتوي حوالي عشرة آلاف مدونة مصرية مسجلة في العديد من مستودعات المدونات الكبري المعروفة. اتضح من التحليل أن حوالي89 مدونة فقط هي التي قدمت محتوي يصلح للتعامل معه كمادة تعكس نشاطا له علاقة بالثورة المصرية بصورة أو بأخري. ومن حيث عدد المفردات أو الوحدات المستخدمة في التحليل, فإن هذا الرقم يبدو ضئيلا للغاية مقارنة بما وجدناه في قنوات النشر والتواصل الأخري علي الشبكة ذات العلاقة بالثورة, ففي حالة الفيس بوك مثلا كان هناك أكثر من ألفي صفحة ومجموعة نشطة شكلت القلب النابض للثورة علي الإنترنت, وفي يوتيوب وجدنا قنوات ومقاطع فيديو تتجاوز الألف عملت كتليفزيون حر للثورة أدي مهام الإعلام والحشد والتأييد والتنظيم في وقت واحد, وفي تويتر كانت حسابات واشتراكات الثوار تناهز العشرة آلاف. لم يتوقف الأمر عند ضآلة مفردات التحليل أو عدد المدونات المشاركة في الثورة, حيث امتدت ضآلة العدد إلي طبيعة النشاط, فبدا هو الآخر ضئيل الحجم محدود الجماهيرية بصورة عامة, ولم يشذ عن ذلك إلا بضع مدونات تعد علي الأصابع في مقدمتها مدونة جبهة التهييس الشعبية لصاحبتها نوارة نجم, والتي تعد بمفردها ظاهرة لافتة, وبشكل عام بلغ عدد التدوينات ذات العلاقة بالثورة التي سجلت علي المدونات التي شكلت عينة البحث1129 تدوينة, وبلغ عدد التعليقات عليها3 آلاف و964 تعليقا, وهي أرقام ضئيلة للغاية, فقد وجدنا أكثر منها داخل مجموعة واحدة فقط من مجموعات الفيس بوك مثلا, أو بضع قنوات وأفلام فيديو علي يوتيوب. أما عدد زوار هذه المدونات فبلغ648 ألفا و500 زائر, وهو رقم يقل عن أعضاء وليس زوار مجموعة خالد سعيد مثلا, والتي تجاوز عدد أعضائها600 ألف عضو في وقت من الأوقات. من المعايير الأخري التي حرصنا علي تتبعها في رصد حركة التدوين المتعلقة بالثورة, معيار معامل التشبيك, والمقصود به قدرة المدونة علي إقناع أصحاب المواقع والمدونات أخري علي استضافة وإظهار الرابط الخاص بها علي صفحات مواقعهم ومدوناتهم, بحيث يتم الدخول علي المدونة من خلال هذه المواقع, وكذلك إظهار التدوينات الجديدة بالمدونة علي صفحات هذه المواقع, ليقرأها زوار المواقع, ومن ثم يتسع نطاق تأثير المدونة, ومستوي جماهيريتها. وعند حساب عدد المواقع التي بها روابط للمدونات ذات العلاقة بالثورة وجد أنها تبلغ203 آلاف و633 موقعا, وهو أيضا مستوي تشبيك ضئيل في مجمله, لأننا لو اعتبرنا أن هذه المواقع تعادل المتابعين لحسابات تويتر, سنجد أن المدونات تكاد لا تمثل شيئا. وبغض النظر عن ضآلة أو كبر الأرقام المسجلة عن المدونات, فإننا لو نظرنا إلي نمط حركة التدوين الخاصة بالثورة خلال فترة الرصد الممتدة من11 يناير إلي11 فبراير, سنجد أنها لا تختلف كثيرا عما حدث في الفيس بوك أو تويتر أو يوتيوب, فقد بدأت حركة التدوين مستقرة بعض الشيء في البداية, وتحديدا خلال الفترة من10 يناير وحتي24 يناير, وخلال25 إلي27 يناير مع بداية اندلاع أحداث الثورة الكبري سجلت حركة التدوين أعلي معدل لها علي الإطلاق في فترة الرصد, وفي فترة قطع خدمة الإنترنت التي بدأت يوم28 يناير هبط إلي ما يتراوح بين تدوينتين إلي5 تدوينات, ومع أول يوم لإعادة الخدمة قفز مرة أخري إلي64 تدوينة في اليوم, ثم سجل بعد ذلك استقرارا نسبيا خلال باقي أيام فترة الرصد. نخلص من هذه الأرقام عموما إلي أن المدونات لم تكن أداة الساعة خلال الثورة, بل تراجعت وأصبحت تعمل علي هامش ما يجري علي الفيس بوك وتويتر ويوتيوب, وهذه ليست سمة مقصورة علي المدونات المصرية فقط, أو تعكس تقصيرا من المدونين, بل هي تجسيد لطبيعة المدونات كأداة للنشر والتواصل وحدود تأثيرها. في المقابل كشف تحليل مضمون المدونات عن ميزة للتدوين لا توجد في الشبكات الاجتماعية, وهي أن المدونات وإن كانت لا تتفوق في تلبية احتياجات الفعل الثوري وقت حدوثه, فإنها تتفوق في التفكير فيه ومناقشته قبل أو بعد حدوثه, علي اعتبار أنها تتيح مجالا أعمق للمناقشة والحوار والفهم القائم علي الإيقاع الهادئ نوعا ما, وهو ما لا تتفوق فيه أدوات التواصل الجماعي التعاوني اللحظي التي تستطيع استيعاب العقل الجمعي الهادر وقت التوجه نحو الثورة, وهذه السمة في المدونات هي ما تدفعنا إلي القول إنها عملت كمركز تفكير فرعي أو ثانوي صغير للثورة.