تلقيت هذا الأسبوع عشرات الرسائل من آباء وأمهات احتاروا في التعامل مع مشكلات أبنائهم, إلي درجة عكست في أحيان كثيرة وجود خلافات جذرية بين الأبوين في طريقة الوصول بهم إلي بر الأمان, وقد توقفت عند الرسالتين التاليتين: الأولي: أنا رجل بسيط تزوجت من ابنة أحد جيراننا, وعشنا معا حياة مستقرة وأنجبنا ولدا وبنتا, ولا تجاوز خطواتي العمل والمنزل والمسجد, والزيارات العائلية نهاية كل أسبوع, ولم ندخر أي جهد في سبيل تربيتهما تربية صالحة, وهما متفوقان دراسيا وأخلاقيا. وقد لاحظت الالتزام الكبير لابني في كل تصرفاته معي ومع الآخرين, وأيضا عفويته وتدينه وتلقائيته, إلي جانب تفوقه الدراسي منذ صغره, وفجأة تبدلت صورته, وبدا لي ذلك من ملامح وجهه التي لم تعد تحمل البراءة التي عهدتها فيه. وأول ما كشفته أنه يعمل في تجارة الموبايلات وكروت الشحن بالجملة, ويكسب منها مالا وفيرا, ولا أدري لماذا أخفي عني هذه التجارة المشروعة؟! وقلت في نفسي إنه ربما اعتقد أنني سأمنعه عنها, فالأهم هو أن يركز جهده في دراسته في كلية الهندسة, وبعد التخرج يفعل ما يحلو له مادام عملا شريفا وحلالا, وواجهته بما علمته فلم ينكر, وقال لي: وما المانع أن يعمل ويدرس في الوقت نفسه, فهذا هو السلوك الطبيعي للشباب في الخارج, فسكت ولم أرد عليه, فاعتبر ذلك موافقة مني, وظننت أنها مرحلة مراهقة سوف تذهب إلي حال سبيلها بعد فترة, لكن الأمور انقلبت إلي الأسوأ, حيث تابعت أموره من بعيد فوجدته قد دخل في علاقات نسائية غير بريئة, فواجهته بما عرفته للمرة الثانية لكنه أنكر, وبدا أكثر جرأة في كلامه معي, وأجدني الآن عاجزا عن الكلام معه, وأخشي إن عاملته بشدة أن يترك البيت, فكثيرا ما لوح لي بذلك, ولا أدري ماذا أفعل حتي لا يضيع ابني وتنهار الأسرة؟ .................. الثانية: أنا شاب أقترب من سن الأربعين, وفور تخرجي تزوجت من زميلة لي بالجامعة ورزقنا الله بولد بعد عام من الزواج, والتحقت بهيئة حكومية كبري, وتمضي حياتنا مثل معظم البيوت المصرية, حيث أخرج إلي العمل في الصباح وأعود في المساء, وتتولي زوجتي تدبير شئوننا ورعاية ابننا, وقد حدث ما كنت أخشاه إذ نشأت فجوة كبري بيني وبينه, فلا يميل للتعامل معي, ويري أنني أقسو عليه بينما أمه لا تتوقف عند أي سلوك له, صحيح أو خطأ, وهذا ما جعلنا ندخل في خلافات حادة كادت تصل إلي الطلاق. لقد صنعت زوجتي ولدا شقيا لا يطاق, وأصبحت زيارتنا إلي أي قريب لنا غير مرغوب فيها بسبب شقاوته التي تصل إلي حدث تكسير ما حوله بلا اكتراث, بينما هي تتفرج عليه ولا تقول له شيئا. إنني أكاد أصاب بالجنون من أسلوبها العجيب, وقد حاولت إصلاح أحوالها دون جدوي, وأشعر أنني وصلت إلي طريق مسدود, فهل من حل يعيد إلي أسرتنا هدوءنا المفقود؟ {{ في كلتا الرسالتين نلمس تقصيرا واضحا من الأسرة تجاه أبنائها, فليس بالتدليل, ولا بالشدة تتم تربية الأبناء, فهناك عامل مشترك في أسلوب التربية عموما هو تعليم الأبناء التصرفات السليمة, وتوجيههم دائما إلي ما هو صواب, وإبعادهم عما هو خطأ ليس بأسلوب التلقين, ولكن بأسلوب عملي, بمعني أن يحرص الأب علي أن يراه ابنه وهو يسلك السلوك الذي ينصحه به, فلا يعقل أن يقول له: لا تدخن بينما هو يدخن! ولا يعقل أن تطالب الأم ابنها بالصلاة بينما هي لا تصلي! وهكذا. وبالنسبة لكاتب الرسالة الأولي أقول له: ليس بالتفوق الدراسي وحده يكون الشاب ناجحا وملتزما, فمجموعة الصفات التي تؤهل الشاب لحياة مستقرة وسليمة تتكامل مع بعضها, فالأخلاق والتفوق والسلوك العام تتداخل مع بعضها, لذلك فإن نجاح ابنك في عمله ودراسته لا معني له ولا فائدة إذا كان قد انجرف إلي عالم المخدرات والعلاقات النسائية المشبوهة, ولا أدري ما الذي تنتظره ياسيدي لكي تواجهه بالحقيقة التي تعرفها عنه, وأن تشرح له العواقب الوخيمة التي ستترتب علي انحرافه إلي هذا المنحدر, قل له ذلك ولا تخشي شيئا, فلم يعد ابنك طفلا صغيرا لكي يترك البيت لأنك تنصحه بما فيه مصلحته, وعليه من الآن فصاعدا أن يعلم أن الحوار هو الطريق الأمثل للوصول إلي الحل الذي تكمن فيه مصلحته, فأنت لا تفرض عليه إملاءات وشروطا, ولكن تقدم له نصائح تفيده في حياته, وهو مازال في مقتبل العمر, ولم تنضج بعد مهاراته وخبراته بالحياة. لا تتردد ياسيدي وأسرع إلي احتواء ابنك بالعقل والهدوء, وسوف تستعيده بإذن الله. أما كاتب الرسالة الثانية الذي يعاني شقاوة ابنه فأقول له: لا يصح ترك الحبل علي الغارب للطفل يفعل ما يشاء, فالأم عندما تدلل ابنها ولا ترشده إلي السلوك السليم يتمادي فيما يفعله حتي يصبح جزءا من شخصيته بالتدريج, ومن شب علي شيء شاب عليه, لذلك يجب أن يتنبه الآباء والأمهات إلي خطورة إهمال تصرفات الأبناء, ومن الضروري أن تتم معاملتهم بمبدأ الثواب والعقاب, فإذا أتي الطفل تصرفا جميلا يثاب عليه, وإن أتي تصرفا غير مقبول يتم تعنيفه, فإذا كرره ثانية يتم عقابه بالضرب الخفيف, أو الحرمان من المصروف, إلي غير ذلك من الوسائل التي يشعر معها بخطئه فلا يكرره. وبصفة عامة فإن من شابه أباه فما ظلم, لذلك يجب أن يكون الآباء قدوة لأبنائهم, وحينئذ سوف تسير الأمور بشكل طبيعي, ويتحقق لكل أسرة الهدوء المنشود.