أصبحت جماعات المصالح كالاتحادات المهنية والنقابات والهيئات الشعبية تشغل اهتماما متزايدا في الأدبيات السياسية المعاصرة, ولا غرو في ذلك, فتلك الجماعات تعتبر في مفهوم النظم السياسية مؤسسات سياسية غير حكومية تؤدي وظائف مهمة تتصل بالتعبير . عن مصالح فئات عديدة من الشعب وإثراء الديمقراطية وممارسة نوع من الرقابة علي الممارسات الحكومية دفاعا عن المصالح المادية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمعنوية بمختلف جماعات المصالح التي تقدر عضويتها بالمليونية, حيث يقدر إجمالي أعضاء النقابات المهنية(23 نقابة في مصر بنحو ستة ملايين عضو), كما يقدر اجمالي أعضاء النقابات العمالية نحو(20 نقابة) بنحو أربعة ملايين عضو, وهذا يعني أننا بصدد عشرة ملايين نقابي مهني وعمالي. وإذا كانت نقابة المحامين هي أقدم النقابات المهنية إذ تأسست منذ عام1912, فإن نقابة الأثريين التي عقدت لجنتها التأسيسية في فبراير2011 تعد أحدث النقابات المهنية, ولايزال الباب مفتوحا للعديد من النقابات المهنية والعمالية, في مناخ الحراك السياسي والاجتماعي المتجدد مع ثورة الخامس والعشرين من يناير.2011 {{{ وعلي مدي سنوات مئوية الاتحادات المهنية(1912 2011) مارست الاتحادات المهنية والنقابية دورا وطنيا لايمكن تجاهله في إطار ديمقراطي عززته منظومة متكاملة لحقوق الانسان العامل من واقع دستور1971 الذي أرسي عددا من المبادئ في مقدمتها: مبدأ حق إنشاء وتكوين الاتحادات والنقابات( مادة65) وتعزز هذا المبدأ مؤخرا بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا في2 يناير2011 ببطلان العمل بالقانون100 المنظم لانتخابات النقابات المهنية. ولقد أعاد هذا الحكم الحيوية للنقابات المهنية مرة أخري وتكفي الاشارة إلي أن الحكم صدر, بينما كانت هناك7 نقابات مجمدة لم تجر فيها الانتخابات, ولذا اقترحت الحكومة تقديم مشروع قانون ديمقراطية النقابات, ويشترط المشروع أن يكون الحد الأدني لصحة انعقاد الجمعية العمومية لأي نقابة مهنية40% من اجمالي الأعضاء المقيدين فيها, وفي حالة عدم اكتمال هذا النصاب يقوم الوزير المختص بتعيين لجنة لادارة شئون النقابة سواء كانت عامة أو فرعية. {{{ ومع توجه قوي الشعب المصري إلي صناديق الاستفتاء صباح السبت(19 مارس الحالي) للإدلاء بالرأي بشأن التعديلات الدستورية الجديدة فمن الأهمية أن يدرك كل مصري وهو يدلي برأيه أن الدستور هو القانون الأساسي الذي يضع القواعد الرئيسية في أي دولة, من حيث نظام الحكم وتوزيع السلطات وماهية كل سلطة ودورها واختصاصاتها, أي أن الدستور هو الذي يحدد شكل الحكم, ومن هنا تصدر القوانين في الدولة متفقة مع هذا القانون الأساسي. وفي إطار التعديلات الدستورية الجديدة يمكن حسم كل القضايا العالقة, وفي مقدمتها إعادة ترتيب البيت النقابي المهني من جديد في إطار العديد من مواد الدستور وفي مقدمتها إحياء نص دستوري خاص بميثاق الشرف في المادة(56) التي نصت علي أن إنشاء النقابات والاتحادات علي أساس ديمقراطي حق يكفله القانون, وتكون لها الشخصية الاعتبارية, وينظم القانون مساهمة النقابات والاتحادات في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية, وفي رفع مستوي الكفاية بين أعضائها وحماية أموالها, وهي ملزمة بمساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم وفق مواثيق شرف أخلاقية, وبالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانونا لأعضائها. {{{ وما أحوج المجتمع المصري الحالي إلي إحياء ما جاء في المادة(56) بشأن استحداث ميثاق الشرف بين العمال وأرباب الأعمال, ومن واجبات الحكومة الجديدة صياغة نموذج أمثل للمبادئ والقيم والسلوكيات الحميدة التي تهتدي بها كل مواثيق الشرف لمبادئ عامة, علي أن يترك لكل اتحاد أو نقابة أو منظمة صياغة مرجعيات وضوابط المساءلة لكل من تسول له نفسه عدم الالتزام بتلك الضوابط والمبادئ. ويبدو واضحا أن مواثيق الشرف بصفة خاصة تكتسب مصداقيتها ومرجعيتها من كونها منظومة حقوق الإنسان العامل وواجباته أيا كان موقعه, هذا من ناحية, ومن ناحية أخري فإن مواثيق الشرف تشكل في الحقيقة الدستور المدني لكل فئات المجتمع, ومن شأنها تنظيم العلاقة بين العمال وأرباب الأعمال, وتضمن الوفاء بحقوق وواجبات كلا الجانبين, وتتيح تسوية أي مطالب بالحوار البناء, وليس بإضرابات واعتصامات لا تلتزم بأحكام القانون وتعطل العمل والانتاج وتلحق أفدح الضرر باقتصادنا. المزيد من مقالات د. أحمد يوسف القرعى