يسب البلطجى ويسرق ويصرخ ويتحدث بذراعه وينفخ سجائره فى وجه "التخين" , حتى تهبط قدماه سلم مترو الأنفاق .. فيتحدث بصوت خفيض غصبا عن حنجرته ويبتعد عن عربة السيدات رغما عن غريزته ولا يدخن وإن كانت المحطة في الهواء الطلق.. هذا التحول السلوكي الجذرى لا ينبع خوفا من غرامة لا تتجاوز الجنيهات العشر, إنما هو خضوع " تلقائى" مصرى الطابع لنظام "يحترمه" الجميع وخوف "محمود" من الشذوذ عنه .. وهذا ينقلنا إلى "محطة " أخرى ... ظللنا لأكثر من 30 عاما نخضع لفرد لا نحترم نظامه لأنه لم يكفل لنا استقرارا أو أمان .. وكرهنا من فرط الفساد والتسلط والقمع كلمة "نظام" على رقيها وسمو معناها .. و تحولت مصر لموقف "توك توك" كبير يطفح بالضوضاء والقمامة وكافة تجليات الوضاعة .. ولم يعد الحق يؤخذ إلا بالذراع وقوة النفوذ والصوت العالى. المصريون يعشقون بتكوينهم النهرى الهادئ المترابط الرتيب من ينظمهم صفوفا ويثورون حين يختل هذا النظام .. يقدسون الاستقرار ويبغضون من يخل به .. يحترمون " الطابور " ويكرهون من يخرج عنه .. ربما من هنا وجدت الثورة المضادة طريقها إلى قلوب الكثيرين من "المؤلفة قلوبهم".. ولوثت نقاء ثورتنا بالقلاقل والفتن ووجبات التخوين الجاهزة طمعا فى اللعب على الوتر الحساس جدا لدى كل منا .. وتر الاستقرار .. في حين أن المصرى لا يثور إلا من أجل أن يستقر .. وعليه : * امنحونا مشروعا قوميا يرحمكم الله .. مشروعا يجسد انجاز الثورة ويحتوى من أحبها ومن تضرر منها .. مشروعا يستوعب ثورتنا الطاهرة وثورتهم المضادة .. مشروعا يعلو بنا فوق الاختلاف ويوحدنا كما توحدنا فى ميدان التحرير. * نريد مشروعا يستفز قدراتنا غير المفعلة وطاقاتنا المعطلة .. مشروعا تتوحد فيه الهويات فتصبح "مصرى " فقط .. مشروعا يفرغ طاقات الفضائيات ووسائل الاعلام بدلا من تبديدها في سب بعضها البعض وبقايا نظام سقط .. انظموا صفوفنا للأمام حتى لا نتفرغ لرؤية بعضنا , فمنا من نصرته الثورة ومنا من خذل .. ومنا من استفاد ومنا من خسر .. ولن يجمعنا سوى مشروع يطاول هذه الثورة ويضاهيها عظمة وجلالا. * نريد أن ننتخب مشروعا لا رئيسا , نريد أن نؤيد برنامجا لا حاكما , أسقطت الثورة نظام الفرد بغير رجعة ولن يعود , فاجمعوا قلوبنا وعقولنا على قلب وعقل مشروع قومي , حتى لا نتبع السبل ونحكم على كل فرد بتاريخه وليس بما تحمل جعبته , ويستغرقنا النظر إلي الوراء فنتراجع .. بدلا من أن ننظر للأمام فنتقدم. * امنحونا مشروعا يجمع جلد الصعايدة وذكاء البحاروة وتحضر المدينة وإخلاص الريف والمسالم بانتظامه والبلطجي بقوته.. مشروعا يستوعب الرافض والمؤيد ويعيد التجانس بين المواطن ومكونات الوطن .. مشروعا ينظمنا فوق قضيب المترو ولا يفرقنا بين عربات التوك توك. * جربونا بمشروع قومى ولن نخذلكم .. ارسموا لنا هرما وسدا عاليا وسنفوق كل توقعاتكم .. امنحونا فرصة جديدة للخلود وسيتغنى العالم أجمع بأمجادنا.