كتب:هاني عزت: لم يكن أحد يتخيل حجم الممارسات التي كان يرتكبها جهاز مباحث أمن الدولة بحق الشعب المصري إلا بعد أن ظهرت الحقائق والأسرار التي صاحبت اقتحام مقار الجهاز. .إثر خروج ألسنة اللهب والدخان الناجمة عن حرق عدد كبير من الملفات، المواطن محمد عبدالرحيم محمد الشرقاوي أحد الذين عانوا ولا يزالون يعانون من بطش هذا الجهاز, فهو معتقل منذ عام1994 وتردد علي عدد كثير من المعتقلات والسجون دون أن يعرف التهمة الموجهة إليه, وهو الآن في سجن الوادي الجديد بعد أن تنقل طوال17 عاما بين المعتقلات والسجون المختلفة. يبلغ الشرقاوي من العمر61 عاما وكان يعمل مهندسا في مجال الالكترونيات وسافر الي باكستان في بداية التسعينيات عندما وجد الأوضاع في مصر غير مواتية للعمل, وفي1992 حصل علي الجنسية الباكستانية ولديه7 أبناء من زوجته الباكستانية. واتصل الشرقاوي من سجن الوادي الجديد هاتفيا بالأهرام ليحكي قصته وما يتعرض له طيلة فترات اعتقاله وحتي الآن. وقال الشرقاوي إنه عندما كان في باكستان وسمع عن حادث فتاة العتبة في عام1993, وجه انتقادات لاذعة للرئيس السابق محمد حسني مبارك عبر وسائل الإعلام وبعدها بعامين اختطفته السلطات المصرية من باكستان بمساعدة السلطات الباكستانية, ومكث أشهرا في سجن بيشاور الباكستاني ثم تم ترحيله الي مصر في عام1995 الي مقر أمن الدولة في لاظوغلي ثم الي سجن العقرب في طرة ثم الي سجن دمنهور ثم الي وادي النطرون ثم الي طرة وأخيرا سجن الوادي الجديد. وكان الشرقاوي يمكث في كل سجن أشهرا وأحيانا أعواما وتعرض لأقسي أنواع التعذيب والرعب من صعق بالكهرباء وجلد وتجويع وضرب بالأحذية وسباحة في مياه المجاري مما تسبب في كسر قفصه الصدري ومعاناته من5 غضاريف في الظهر والرقبة حيث انه دائما نائما علي ظهره لا يتحرك كثيرا لأن ضباط السجن يمنعونه من العلاج. وذكر الشرقاوي أنه يعاني. أيضا من صديد في المعدة حتي أن جدور أسنانه تعفنت بعد أن سقط الحشو منها بسبب التخويف والضرب والرعب ولم يذق طعم اللحوم منذ عامين, وكل ذلك من أجل أن يعترف باعترافات لا يعلم عنها شيئا. ووصف الشرقاوي ضباط أمن الدولة بأمن زبانية العذاب وأن سجون جوانتانامو أهون من السجون المصرية, لأن هؤلاء الضباط يتعاملون بكل وحشية مع المساجين والمعتقلين, مشيرا الي أن أغلبية الضباط يتعاطون المخدرات ويشربون الخمور ويتاجرون فيها مع المعتقلين الأغنياء. وأضاف أن ضباط أمن الدولة يكتبون أحيانا تقارير مغلوطة عن بعض الأشخاص ليحصلوا منهم علي رشاوي مقابل تمزيق هذه التقارير, مؤكدا أن المساجين تعرضوا لأبشع أنواع العذاب عندما كان محمود وجدي يتولي إدارة مصلحة السجون وأنه انسان بشع للغاية, وكذلك حسن عبدالرحمن رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق. وقال إن ضابط أمن الدولة في السجن ويدعي وليد فاروق يمنع عنه العلاج ويتحكم في مصائر المسجونين وكذلك الضابط محمد المصري ومأمور السجن عبدالرحمن زكي وقبلهم ياسر حسن الذي كان في ليمان طرة. وأضاف أنه أرسل عددا كثيرا من الشكاوي الي النائب العام لكن دون جدوي, ولم يتم الرد عليها من بينها شكوي بتاريخ2008/1/10 تفيد تدهور حالته الصحية ومنعه من العلاج. ونادت منظمات حقوقية مصرية ودولية بالافراج عن محمد الشرقاوي لكن دون جدوي ومن بينها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومبادرة العدالة بمؤسسة المجتمع المنفتح, لأن الشرقاوي احتجز بموجب قرار من نيابة أمن الدولة في عام1995 وأمرت النيابة نفسها بإخلاء سبيله في عام1996 لكن وزارة الداخلية تجاهلت ذلك ووضعته رهن الاعتقال الإداري باستعمال قانون الطواريء, وبرغم حصول الشرقاوي علي عدة أحكام قضائية لإنهاء اعتقاله فإن وزارة الداخلية كانت تصدر قرارات اعتقال جديدة, فمنذ سجنه تعامله مباحث أمن الدولة معاملات لا إنسانية وحرمته من الزيارات العائلية منذ بداية سجنه وحتي أقاربه مازالوا يتعرضون للاضطهاد حتي الآن. وأحيلت قضية الشرقاوي علي فريق العمل الأممي المعني بالاعتقال التعسفي الذي أصدر بدوره قرارا في عام2007, معتبرا أن حرمان الشرقاوي من الحرية انتهاكا من مصر لالتزاماتها الدولية. وتوفي والد الشرقاوي في أثناء سجنه ووالدته عجوز لا تستطيع الحركة وكل أملها في الحياة أن تراه قبل موتها, كما أن ابنه الأكبر عبدالرحمن(27 سنة) اختطفته مباحث أمن الدولة في فبراير عام2008 ولا يعرف أحد عنه أي شيء. كما تبنت منظمة العفو الدولية ملف الشرقاوي منذ سنين لكن دون جدوي, برغم أن المحاكم المصرية برأته كما أن نيابة أمن الدولة االعليا أصدرت عدة أوامر بالافراج عنه لكن وزارة الداخلية لم تنفذه ومن بين هذه القرارات قرار صدر عام96 برقم96/.294 وبعد كل هذا.. من ينقذ هذا الإنسان مما هو فيه.. ومن يرحم والدته التي لا تتمني شيئا في الحياة إلا رؤية ابنها الغائب منذ17 عاما, وأين ابنه الذي اختطفته مباحث أمن الدولة منذ ثلاث سنوات؟