بينما كان الكثيرون في الداخل والخارج حائرين أو يائسين من إمكانية إحداث تغيير حقيقي داخل مصر, وأنا منهم, يفاجأ الجميع بنجاح الثورة التي قادها الشباب المصري في هذا الجيل الفريد, وها نحن نحتفل بانتصار إرادة الشعب علي إرادة نظام حكم كان يمتلك كل عناصر القوة, كالنظام الذي جربناه وعهدناه خلال الثلاثين عاما الماضية, الأمر الذي يعزز الثقة في مصر وقدرتها علي تجديد شبابها ويبعث الأمل في مستقبل أفضل, سواء داخل مصر أو في محيطها الإقليمي العربي والإفريقي, والذي غابت عنه مصر طويلا, مما أفرز أوضاعا غير ملائمة لمصالحنا, ووسع الفجوة بين مصر وبين محيطها الإقليمي, وإيجاد انطباعات سلبية للغاية عن مصر ودورها الإقليمي الطبيعي, الذي بدا أنها تخلت عنه في السنوات الخمس عشرة الأخيرة علي الأقل لحسابات معينة, أغلبها كان يتعلق بعجز النظام الذي شاخ أو ترهل وآثر الاستقرار والإنزواء لأهداف تتصل بدفع فواتير الاستمرار في الحكم لسنوات أطول أو تتصل بنوايا التوريث أو ما إلي ذلك. جاءت ثورة الشباب, لتعلن لأصدقائنا وأشقائنا في وطننا العربي وإفريقيا, وكذلك العالم أجمع أن مصر قادرة وحدها علي تجديد شبابها, وأنها شقت طريق الديمقراطية إلي منتهاها, وأنها تستطيع أن تسبق كل الديمقراطيات في إسقاط نظم الحكم المستهترة, ومقاومة الفساد والمفسدين عن طريق الاحتجاج الشعبي السلمي, خاصة إذا أراد الشعب الحياة وصمم علي استرداد سيادته وتغيير نظامه الذي فقد الثقة فيه, بغض النظر عن بعض إيجابيات النظام الذي لابد من الاعتراف بها, ووطنية بعض رموزه خاصة الرئيس السابق محمد حسني مبارك. إننا نثق في أن النظام السياسي الذي سوف يولد من رحم هذه الثورة البيضاء سوف يكون نظاما ديمقراطيا حرا معني بتحقيق عدد من المطالب الأساسية, مضت سنوات عديدة من الإهمال النسبي لقارتنا الإفريقية, حتي تغيرت الأوضاع بشكل كبير في غير صالحنا, فالسودان الشقيق ينقسم إلي دولتين, والصومال ينهار كدولة, ودول حوض النيل تكشر عن أنيابها لنا, ويظهر الشر في الدائرة الجنوبية التي تضم أهم المصالح الدائمة والمصيرية للدولة المصرية علي وجه الإطلاق, ويتصاعد وزن بعض القوي المنافسة لنا, كإسرائيل وإيران, بل إن بعض الدول الصغيرة نسبيا في إفريقيا كانت تلعب دورا أكثر حيوية من الدور المصري, وأصبح نظامنا السياسي غير قادر علي ضمان تأييد دول القارة لنا في تمثيل القارة في مجلس الأمن, إذا ما فتح الباب لتوسيع عضوية المجلس في ظل منافسة قوية من جنوب إفريقيا, ونيجيريا, وغيرها, وتكالبت القوي الكبري وغيرها علي أسواق القارة وثرواتها, ولم تعد مصر فاعلا اقتصاديا, أو سياسيا أو حتي في مجال التعليم والتدريب, وقد كان لمصر ريادة حقيقية فيها لسنوات طويلة. لعل تجديد شباب مصر مع ثورة25 يناير2011 يحمل كما نأمل تجديدا لدور مصري جديد في إفريقيا, خاصة أن الثورة المصرية أرسلت رسالة قوية لشعوب القارة من جديد مفادها أن الشعب هو صاحب السلطة الحقيقية, وصاحب السيادة, وأن الحاكم أيامه معدودة ينبغي أن يقضيها, ويستغلها في خدمة شعبه, وأن مصالح الشعوب الإفريقية كلها واحدة ومترابطة. نحن نتطلع مع الثورة المصرية الجديدة إلي إقامة شراكة استراتيجية تنموية بناءة بين مصر, ودولتي السودان شمالا وجنوبا, وتحقيق التكامل الأمني الذي يكفل الاستقرار للجميع في وادي النيل, ونتطلع إلي تنويع مصادر الاعتماد المتبادل بين مصر ودول حوض النيل, وإعادة بناء موقف تفاوضي أكثر ملاءمة مع دول الحوض, يمكن من استئناف التفاوض للوصول إلي حل يعكس توازن المصالح وعدم الإضرار المتبادل في إطار سياسي وقانوني ملائم للجميع, يرسم ملامح العلاقات المستقبلية بين دول حوض النيل جميعا, ويسمح في الوقت نفسه بتنمية موارد المياه في دول الحوض جميعا بما فيها مصر, وكذلك الطاقة الكهربائية وإعطاء أولوية للدول الأكثر حاجة. كما نتطلع لإقامة علاقات اقتصادية استثمارية وتجارية أكثر جدوي لمصر والدول الإفريقية, ونتطلع لعلاقات ثقافية وتعليمية مميزة تتيحها مصر لأبناء القارة الإفريقية, كما كان الأمر سابقا, كما نتطلع لبلورة دور مصري سياسي وأمني بارز في حل مشكلات القارة الإفريقية, وإعادة بعث الثقة والاطمئنان لمصر باعتبارها صاحبة الدور الريادي التاريخي في تحرير القارة, وتنموية الموارد البشرية للدول الإفريقية, ونتطلع لتنمية علاقات شبابية بين قطاعات المجتمع المدني في مصر, وإفريقيا, خاصة بين الشباب المصري المتفتح والشباب الإفريقي وعلاقات علي مستوي القوي الحزبية والدبلوماسية الشعبية, بما يكفل تعزيز التفاهم المتبادل. وأخيرا, فإننا نتطلع أن يقوم الرئيس المصري القادم, الذي لا نعرفه, بجولات مكوكية في أنحاء القارة الإفريقية لحل المشكلات القائمة في كل أركان القارة بنفسه, وكذلك إيجاد حلول للمشكلات العالقة بين مصر وبعض الدول الإفريقية, فيما يعرف بدبلوماسية القمة, والتي أهملناها خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة, وكان لها أثر سلبي علي صورتنا ودورنا ومصالحنا. إنني متفائل بأن الغد سيكون أفضل من اليوم, وأن جيشنا الذي حارب في الكونغو منذ عام1960 مع الثورة الإفريقية هناك, وساند حركات التحرر في معظم دول إفريقيا, وله قوات حفظ سلام في السودان وعدد من دول القارة, سوف يضمن نجاح عملية التحول الديمقراطي نحو حكومة مدنية ديمقراطية, ويعطي نموذجا جديدا وجذابا للجيوش الإفريقية في احترام شعوبها ورعاية الديمقراطيات الوليدة فيها, مما يضيف إلي مصر وثورتها بعدا جديدا متميزا, سوف يعزز علاقات مصر الإفريقية, ويزيد من ثقل مصر ويجعلها أكثر تأهلا لتمثيل القارة الإفريقية في مجلس الأمن, إذا ما فتح باب توسيع العضوية في المستقبل.