هذا هو المبدأ السادس المعطل من مبادئ ثورة يوليو والذي كان في تصوري سببا رئيسيا لأشعال فتيل ثورة25 يناير, ولأجله قام الشباب ومعهم جموع المواطنين بالإصرار علي إسقاط النظام نتيجة تراكم قدر هائل من عدم الثقة في نيات النظام الحاكم, والذي استمر علي مدي ستة عقود منذ قيام ثورة يوليو عام1952, بالمناورة تارة والتلاعب تارة أخري, وتفنن بكل الاساليب والحيل للتهرب من استحقاقات إقامة الحياة الديمقراطية السليمة, وهو المبدأ الذي حفظناه عن ظهر قلب في كتب التاريخ وعلي غلاف الكراسات والكشاكيل المدرسية قديما ضمن مبادئ ثورة يوليو لكنه لم يتحقق طوال هذه المدة. هنيئا للشعب المصري بثورته وتحية لقواته المسلحة التي حمت هذه الثورة, لكنه آن الأوان أن ننظر إلي المستقبل لأجل تحقيق هدف الثورة الحقيقي في إقامة الحياة الديمقراطية السليمة, بعيدا عن محاولات تقزيم هذه الثورة إلي أهداف فئوية صغيرة أو مطالب ثأرية وشخصية للبعض ممن يحاولون ركوب الموجة لمجرد تصفية الحسابات أو حصد مكاسب شخصية. أتصور أن الشعب المصري كله مطالب بالالتفاف حول ثورته لتحقيق هدفها الأساسي من خلال النظر إلي المستقبل بعيدا عن النظر تحت مرمي البصر لإقامة دولة عصرية مدنية حديثة بكل مقوماتها, تحترم الحريات لأقصي درجة.. وتحترم المعارض قبل المؤيد بعيدا عن لغة الأستقطابات الحادة التي أسهمت في إفشال إقامة نظام ديمقراطي حقيقي علي مدي59 عاما منذ عام1952 وحتي الآن. الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خاض ثورة اجتماعية مشهودة أسهمت في تحقيق العدالة الأجتماعية, وقاد السفينة في ظروف غاية في الصعوبة نتيجة التآمر الخارجي من القوي الأستعمارية آنذاك بريطانيا وفرنسا وحليفتهما العدو اللدود إسرائيل, غير أنه وقع في فخ مستشاري السوء الذين زينوا طريق الديكتاتورية وتقسيم الشعب إلي أصدقاء للثورة وأعداء لها, أهل الثقة وأهل الخبرة, ومحاولة نفي الآخر وأقصائه, فكانت الكوارث التي أنتهت بهزيمة.1967 الرئيس السادات بدأ حكمه بالرغبة العارمة في الإصلاح, وفي عهده صدر دستور1971 الذي كان ينص علي أن ولاية الرئيس لاتتعدي فترتين, وخاض حرب أكتوبر الجيدة, واطلق سياسة إنشاء المنابر التي تحولت إلي أحزاب, غير أنه في نهاية عهده أطلق علي نفسه آخر الفراعنة, وأطلق مؤيدة عليه أنه آخر الخلفاء الراشدين ليقوم بتعديل الدستور ويفتح ولاية الرئيس دون حد أقصي ثم كانت أعتقالات سبتمبر الشهيرة التي اعتقل فيها كل القوي السياسية التي تخالفه الرأي فكان حادث المنصة واغتياله. الرئيس حسني مبارك بدأ عهده باستقبال كل المعتقلين السياسيين رافضا ماحدث, وأعلن تأييده للعبارة الشهيرة الكفن ليس له جيوب وانه سيكتفي بمدة أو ربما بمدتين للرئاسة, وقاد عملية إصلاح اقتصادي مهمة كان بطلها المرحوم عاطف صدقي, وسمح باطلاق القنوات التليفزيونية والإذاعية الخاصة, وكذا الصحف الخاصة مما أسهم في زيادة التنوع الفحصي والاعلامي بدرجة كبيرة, غير انه وفي السنوات العشر الأخيرة بدأ سلسلة النكوص في عهوده وبداياته, ليتفرغ لسيناريو التوريث, وادخل أسوأ تعديلات علي الدستور عام2007 لهذا الغرض, وألغي الإشراف القضائي علي الانتخابات, وهو الذي وافق عليه من قبل, فكانت أسوأ انتخابات برلمانية عرفتها مصر تلك التي جرت في نهاية العام الماضي لتكون المسمار الأخير في نعش حكمه.. فقط كان برميل البارود ينتظر إشعال الفتيل فجاءت ثورة تونس لينتفض شباب مصر ويتضامن معهم جموع الشعب لتنتهي الحقبة الثالثة إلي زوال. الآن يجب ألا تضل البوصلة طريقها مرة أخري, أو أن يضيع الهدف وسط زحام الأحداث, الهدف هذه المرة واضح ومحدد وهو إقامة الحياة الديمقراطية السليمة في دولة مدنية عصرية تحترم حقوق المواطنة للجميع وتؤمن بالتعددية السياسية من خلال تعديلات دستورية واضحة تطلق الحريات, وترسخ معالم الدولة المدنية, لتكون مصر أول دولة عربية يقام بها نظام ديمقراطي تعددي حقيقي يتم فيه التداول السلمي للسلطة بطريقة آمنة وواضحة المعالم, ولينتهي عصر الرئيس الاله إلي الابد, ويصبح الرئيس مواطنا مصريا عاديا جاء لخدمة مصر وشعبها يؤدي دوره ومدته التي لاتزيد علي فترتين في كل الاحوال ليعود مواطنا مصريا يسهم بجهده وخبرته في تقدم بلده ورفعتها, وساعتها ستقود مصر حتما باقي الدول العربية إلي هذا الطريق ليبدأ عصر عربي جديد تشرق فيه شمس الحرية من المحيط إلي الخليج. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة