بقلم: محمد عبد الهادي تحت شعار تجديد الاشتراكية بدأ آخر رئيس سوفيتي ميخائيل جورباتشوف عهده عام1985, ووضع لهذا الشعار عنوان الجلاسنوست والبيروسترويكا الشفافية والتغيير وتحت هذا الشعار بدأ جورباتشوف تنفيذ سياسات الاصلاح, وأنهي حقبة الاقتصاد المركزي والتخطيط. وفتح خلفه بوريس يلتسين أبواب ما تبقي من الدولة الروسية لما يسمي الأوليجاريش أي رجال الأعمال ممن أطلق عليه الشعب الروسي تسمية اللصوص الجدد الذين شرعوا في عملية شراء أصول الدولة بأبخس الأسعار عبر العمولات والرشاوي لكبار المسئولين من حاشية يلتسين وأبنائهم وأزواجهم. وجاء يلتسين بالاقتصادي الروسي الليبرالي, اناتولي تشوبتيس مسئولا عن السياسة الاقتصادية للبلاد. وهو صاحب اختراع بيع أصول الدولة للمواطنين, عبر قسائم( صكوك) وهي باب خلفي لسيطرة رجال الاعمال علي المزيد من أصول الدولة عبر شرائها من المواطنين من خلال شركات استثمار أنشئت لهذا الغرض, وجمع أحد رجال الأعمال40 مليون قسيمة( صك) قيمة كل منها تتراوح بين5 و10 دولارات. عمل اللصوص الجدد علي تشكيل حكومات في عهد يلتسين تحت سيطرتهم واتسم أداؤهم بالعجلة في السيطرة علي أصول الدولة, ومواردها في تسريع عملية الخصخصة, سواء القوانين التي تمكنهم من ذلك, ومرورا بالقوانين والاتفاقيات عبر القنوات الرسمية, فقد كان هؤلاء اللصوص في الماضي خارجين علي القانون, أما في عهد يلتسين فقد باتوا لصوصا بالقانون, وأصبح القانون والدستور بدورهما في خدمة اللصوص. وسيطر اللصوص الجدد علي المصانع وسرحوا العمال الذين التزموا بالحفاظ علي حقوقهم, ولم يشكلوا مجالس إدارات جديدة حتي يسهل التصرف في المصانع التي عطلت الحكومة جزءا كبيرا منها لإعادة بيعها بأبخس الاسعار( علي الورق)والآخر باعوه لأجانب و شركات أجنبية من شركائهم تحت مظلة تسديد الديون. وبمؤازرة ذلك سيطر اللصوص علي الآلة الإعلامية في روسيا من خلال صحف وقنوات فضائية خاصة تحت شعار الديمقراطية وحرية التعبير وتداول المعلومات وتوجيه الرأي العام والتحكم في ردود أفعاله علي ما تشهده بلادهم ووجود شعب من المستهلكين زكوا فيه الرغبة المتوحشة في الاستثمار العقاري وتجارة الاراضي واللعب في البورصة لوجود طبقات من المستثمرين الصغار ترتبط مصالحهم بمصالح طبقة السلطة الجديدة أي توسيع قاعدة الفساد والمفسدين في البلد لضمان عدم وجود تهديدات داخلية, ومن المدهش ان الصحف والقنوات الخاصة تم فتحها أمام الناس كملجأ للتعبير عن شكاواهم من قسوة الحياة فأصبحت أداة اللصوص للسيطرة ولتهدئة الغاضبين في الوقت نفسه في واحدة من كبري عمليات الخداع والغش والتدليس. قبل نهاية فترة حكم يلتسين الأولي استجمع الشيوعيون قواهم ورفضوا تمرير قوانين واتفاقيات تتعلق بإهدار ثروات البلاد من الغاز, فأرسل يلتسين الدبابات وقصف البر لمان, وكانت المحصلة150 قتيلا, وقال تشوبايس القول الشهير المنسوب إليه لومات30 مليون روسي من الجوع فسيولد غيرهم.. ؟! وأعاد يلتسين صياغة دستور جديد لروسيا عزز به سيطرته علي السلطة ليصبح هو وأسرته اللص الأول, وبات هو الأب الروحي لرجال الأعمال حيث لم يمرر اي صفقة إلا بعد الحصول علي حصته, وكان ملعب كرة( التنس) هو مقر عقد الصفقات حيث يقضي يلتسين وقته مع لعبته المفضلة, وتوزعت ثروات لروسيا علي الاصدقاء والاقارب الذين بيعت لهم شركات ب100 مليون دولار بينما ثمن كل واحدة منهايساوي15 مليار دولار. انتبه اللصوص قبل الانتخابات الرئاسية عام1996 الي الجيش واحتمالات الانقلاب لاسيما مع انتشار الفقر والجوع وأعمال السرقة والنهب والجريمة فدفعوايلتسين عام1994 الي ارسال الجيش الي الشيشان بهدف صرف انتباه المؤسسة العسكرية, وتورطها في حرب عصابات وبالتزامن مع ذلك أرسلوا الصحفيين وكاميرات القنوات( التي سبق السيطرة عليها أو تأسيسها كأداة إعلامية ضد الدولة) الي الشيشان لإعداد تقارير مسيئة للجيش( بالمناسبة هلل لها البعض في الاعلام العربي) وذلك لتدمير معنويات ضباط الجيش من ناحية, ولنسف رهان الشعب علي الجيش في إحداث تغيير من ناحية أخري, وقد انتبه قادة الجيش لهذه اللعبة القذرة فقدموا استقالاتهم تباعا. لم تكن الأمور لتستمر فقد خرج من جهاز المخابرات الروسيGBK( السوفيتي سابقا) رجل يدعي فلاديمير بوتين عمل بهدوء وصبر وحكمة من أجل تغيير هذا الوضع الذليل الذي لا تستحقه بلاده, وبدأ بإغلاق ملف الشيشان وتزكية دور الجيش وبفتح ملفات التهرب الضريبي والتي استطاع من خلالها إعادة جزء كبير من أموال الدولة المتهربة والمهدرة بدون حرب, وسجن بعض رجال الأعمال بعدما فر البعض الي خارج البلاد, وغير موازين القوي الداخلية في بلاده وحرر روسيا من يد اللصوص ومن ثم لم تعد السياسة الخارجية لروسيا معبرة عن تلك القوي الاقتصادية والاجتماعية( اللصوص)بعدها ابرم صفقة مع يلتسين تقضي بخروجه من السلطة دون محاكمة له ولأسرته ليس فقط حفاظا علي كرامة روسيا, ولكن حفاظا علي الوطن ولاستعادة الثروة في يسر وهدوء, فالهدف كان حماية الوطن و إنهاء فترة حالكة السواد في تاريخ روسيا.