يبدو هذا السؤال الآن حائرا في ظل وجود تلك المسافة الفاصلة بين ميدان التحرير وذلك الفضاء التخيلي الرهيب, بعدما أصبحت الأسلاك الشائكة جدارا عازلا ما بين حواري وأزقة الفيس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها من المدونات وغرف الدردشة التي أرادها شباب اليوم ساحة فسيحة للتمرد علي واقعه المعيش. , طالبين حق اللجوء إلي الحرية في واقع افتراضي بعد أن ضاقوا ذرعا بواقعهم الحياتي كما يبدو لنا ولهم علي شاشات التليفزيون المصري في محاولة سعيهم للإجابة عن السؤال الذي تغني به محمد فؤاد عام1993 في فيلم أمريكا شيكا بيكا من كلمات: مدحت العدل, وألحان: أحمد الحجار لتعريف مفهوم كلمة وطن قائلا: يعني ايه كلمة وطن/ يعني ايه كلمة وطن/ يعني أرض حدود مكان ولا حالة من الشجن/ ولا ايه ولا ايه ت فقد ولا ايه/ شاي بالحليب علي قهوة في الضاهر هناك/ نسمة عصاري السيدة ودير الملاك/ يعني ايه كلمة وطن/ نشع الرطوبة في الجدار ولا شمس مغرقة برد النهار ولا أمك ولا اختك ولا عساكر دفعتك والرمله نار/ يعني ايه كلمة وطن/ يعني ريحه يعني صوت أيام بتشدي في بعضها وسنين تفوت وما نسافر والحدود يفضل ما بينها ألف ميل/ الجميل/ ولا ايه ولا ايه ولا ايه/ ولا بناخد كل دول هزه فرح أو غيم هموم/ وحنا بنحلم للوصول حتي في عرقنا في الهدوم/ بتهزنا حالة شجن/ هو ده معني الوطن.. هو ده معني الوطن/ هو هو/ هو ده معني الوطن/ هو هو/ هو ده معني الوطن. هكذا قال العدل ولحن الحجار وغني وأجاب فؤاد لكن الإجابة لا تزال حائرة في فضاء الشباب التخيلي رغم ما حدث ومازال يحدث حتي اللحظة الراهنة في ميدان التحرير قلب هذا الوطن النابض, وإليكم بعضا عما علق في رؤوس الطامحين نحو معرفة مفهوم كلمة وطن عبر دروب الإنترنت. عادل عبدالرحمن في إحدي ساحات الدردشة يفسر حروف كلمة وطن قائلا: الواو وجد, الطاء طيبة النون نعمة من وجدها وجد الوطن, وما أغلاه حتي وهو قاس, ولو كان بعيد عنك, ويرد عليه آخر: الوطن هو السكن الذي تسكن إليه وتنسب نفسك له فهو أم, وأب, وابن, هو طبع وحب وحزن وواجب ومسئولية يهون لأجله العمر, ويرخص له كل غال, فالبعض يراه أرضا, والبعض يراه امرأة يسكن إليها فتكون له هذا الوطن, أو رجلا يكون لها كل الأوطان, وربما يكون الوطن فكرة تعيش فيك وتعيش فيها ولأجلها, أو هو حلم تنعم به حتي ولو كان مستحيلا. شاب مصري اسمه أحمد عاطف يتساءل في دهشة وحيرة مصحوبة بقدر هائل من الارتباك والخجل: ما الدافع لأن أحب بلادي؟ وحتي لا يظن أحد أني أحض علي كره الوطن يقول: أنا فقط أتساءل ما الدافع لدي أو لدي من يقرأ كلماتي لأن يحب بلاده, حاولت كثيرا أن أفهم ماذا تعني كلمة وطن لشخص يحيا منذ أن اشتدت سواعده في بلاد أخري ليست بلاده ويعود ليجد بلاده ليست كبلاده, حاولت كثيرا أن أفهم كلمة وطن, لكن ما جدوي أن أفهم معني الوطن لشخص يموت بيد شقيقه أو يجور عليه أبناء بلده؟ وفي غرف أخري للدردشة حدث وحرج فكثيرون لسان حالهم يقول: لماذا تحول الوطن فقط لحالة من الشجن ولم يعد حالة من الفرح, هل نشع الرطوبة في الجدار أصبحت سمة أو علامة تميز هذا الوطن, ثم لماذا لا تؤدي هذه الرطوبة لوقوع الجدار علي من يحتمون خلفه, وآخرون يذهبون إلي الضفة الأخري من النهر قائلين: ماذا سيحدث لو كنا نحن وأهلنا نحيا خارج الوطن, هل سيظل وطن؟ وقبل أن يصل غالبهم إلي حافة الهاوية يتدارك بعض منهم قائلا: عفوا يا وطن أن أزعجتك كلماتي ولكن ماذا تعني لي وأبسط حقوقي كانسان لا أجدها بين طيات كلمة وطن. أحمد وجدي من منتديات أصحاب كول يتساءل: هل الوطن مجرد وصف يكتب في جواز السفر؟ هل الوطن هو اللغة التي نتحدث بها؟ ثم يكبر السؤال في رأسه أكثر: من أنت أيها الوطن؟ لماذا نحبك ونشتاق إليك؟, لماذا نختلف معك ونكرهك أحيانا ثم نعود لعشقنا لك؟ هل الوطن كأسمائنا مثلا؟ يولد معنا ولا نختاره.. مهما كنت أيها الوطن.. فأنا أحبك وأشتاق لك.. أبكي عندما يساء إليك.. وافرح عندما تكون بخير. جبت كثيرا وذهبت بعيدا في بحار ومحيطات هذا الفضاء الواسع لساعات طويلة ما بين المدونات وغرف الدردشة وجروبات الفيس بوك وتويتر وأصابتني الدهشة لتلك التعليقات التي صاحبت مقاطع الفيديوهات القادمة من قلب ميدان التحرير, وكلها تجسد بالطبع ما يسمي الإعلام البديل الذي أهملناه كثيرا ولم نلق بالا له حتي رسخ مفهوم السلطة الخامسة وأصبح لها أنياب وأظافر للأسف . ولا يخلو الأمر من أمل رغم ما مضي في فهم الوطن بعدنا لذت في نهاية تجوالي في فترات حظر التجول بمدونة د. أيمن زهري الذي استميحه عذرا, وأقفز من فوق سياج حظر نشر كلماتك وأشير إليه كما أراد وأقول معه ومع كل مصري يحب هذا الوطن: كلمة وطن ليست لجنة السياسات ولا الحزب الحاكم ولا أحزاب المعارضة ولا الجماعة المحظورة, كلمة وطن ليست رجال الأعمال الذين نهبوا ثروات مصر وهربوا للخارج بأموال البنوك المصرية, كلمة وطن ليست من تسببوا في إغراق العبارة السلام وعلي متنها أكثر من ألف مصري في مياه البحر الأحمر, كلمة وطن ليست من تسببوا في حادث قطار الصعيد ولا حريق قصر ثقافة بني سويف ولا حتي من كانوا وراء هذا الكذب الحصري علي قنوات التليفزيون المصري. كلمة وطن فعلا: هي أبناء مصر المغروزين في طين هذا البلد, وهي العمال الغلابة والفلاحين الطيبين, هي الذكريات وأصدقاء الطفولة في قريتك الوادعة في صعيد مصر, وقريتي في المنصورة, في حارتنا الشعبية في قلب القاهرة وأحيائها الراقية ومدنها الجديدة, في الإسكندرية والنخلة والصفصافة وشجرة التوت والجميزة في كل ربوع مصر التي ينبغي أن توجه لها عين الكاميرا ولا ننسي بالطبع ميدان التحرير وعبدالمنعم رياض الذي داسته الجمال والخيول لتدفعنا جميعا للبحث من جديد في صيغة السؤال: يعني ايه كلمة وطن؟ ويكفينا المثل الشعبي الذي يقول أدعي علي ابني وأكره اللي يقول امين كي نحب جميعا هذا البلد حتي وحتي ونحن غاضبون منه, ولنردد مع صلاح جاهين: باحبها بعنف وبرقة وعلي استحياء, وأيضا: نكرهها ونلعنها بعشق زي الداء, فهي حتما ستبقي تاج فوق رؤسنا لو يدرك وزير إعلامنا الذي التزم منهج: أنا وطني مخلص وبطنطن وباغني في حبك يا وطنطن! وأخيرا وليس آخرا: آن الأوان يا وزير الإعلام لأن يكون لمصر قنوات تليفزيونية تدرك وترسخ لمفهوم قيمة ومعني يعني ايه كلمة وطن؟.. وكفانا ما تخبر من مليارات في فضاء برامج العبث والبلاهة التي كادت تعصف بما تبقي من أوصال هذا الوطن.