من حق وواجب الجيل المعاصر أن يلتف حول ميثاق وطني يستلهم روح الدساتير والمواثيق التي ارتضيناها عبر مراحل حاسمة من تطورنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي من ناحية ويتكيف مع روح العصر الذي نعيشه وتحدياته من ناحية أخري, ومن الأهمية أن نتعرف علي الرؤي المستقبلية التي حملتها تسعة مواثيق ابتداء من فلسفة الثورة للرئيس عبدالناصر عام1954, إلي وثيقة البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك عام2005 ومرورا بوثيقة ورقة أكتوبر للرئيس السادات عام(1974). ولا عجب أن تحظي فترة كل رئيس بصدور ثلاثة مواثيق وطنية, وتشكل تلك المواثيق في مجملها مرجعيات صياغة مشروع ميثاق وطني جديد. وثمة ثلاثة مواثيق أساسية صدرت في حقبة رئاسة الرئيس عبدالناصر وهي: فلسفة الثورة وقدمها الرئيس عبدالناصر عام1954, موضحا محاولة استشراف المستقبل من خلال كلمات المقدمة بقولها( إنها محاولة لاستكشاف نفوسنا لكي نعرف من نحن وما دورنا في تاريخ مصر المتصل الحلقات) والوثيقة الثانية هي الميثاق الوطني وقدمه الرئيس عبدالناصر إلي المؤتمر الوطني للقوي الشعبية عام1962, وبلور الميثاق محصلة التجربة الوطنية منذ منتصف الخمسينيات. وحتي بداية مسار المجتمع لعشر سنوات, والوثيقة الثالثة هي بيان(30 مارس) عام1968 وصدر عقب هزيمة1967, وتناول الإطار الفكري العام لكيفية البناء الداخلي للمجتمع المصري في جوانبه المختلفة ويكشف تحليل مضمونه عن محاولة للاستفادة من التجربة السابقة في النظرة إلي المستقبل وجري استفتاء علي البيان في2 مايو.1968 وفي حقبة رئاسة الرئيس أنور السادات صدرت ثلاثة مواثيق ابتداء من برنامج العمل الوطني الذي قدمه عام1971, وتميز برصد برامج محددة للعمل الوطني ذات أجيال زمنية وفي مقدمتها البرامج الخاصة بإعادة بناء القرية المصرية ثم صدرت ورقة المتغيرات الدولية عام1973, وتمت صياغتها قبل حرب6 أكتوبر1973 بأسابيع قليلة للتعرف علي المتغيرات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والسلوكية الدولية ومؤثرات هذا علي العمل الوطني. وصدرت الوثيقة الثالثة تحت عنوان( ورقة أكتوبر) عام1974, وقدمها الرئيس السادات لتكون بمثابة استراتيجية حضارية لمصر في عام2000 وحظيت بالموافقة في استفتاء15 مايو.1974 }}} ومع تولي الرئيس حسني مبارك الرئاسة قدم وثيقة العمل الوطني عام1993, أمام مجلس الشعب وحدد بها رؤية مستقبلية للعمل الوطني علي مشارف القرن ال21, وفي العام التالي(1994) قدم الرئيس مبارك وثيقة أعمال الحوار الوطني, ودعا الرئيس لهذا الحوار بهدف وضع تصور لصيغة علمية صحيحة متطورة للحياة في مصر لكل جوانبها في القرن ال21, وتحديد سلم أولويات العمل الوطني في ضوء متطلبات التنمية الشاملة للمجتمع المصري في الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع. وفي عام2005 قدم الرئيس مبارك وثيقة البرنامج الانتخابي وتضمنت ستة برامج مجددة ومدروسة ومحسوبة تحت العناوين التالية:( مواطن في بلد ديمقراطي شبابنا يعمل معيشة أفضل للفئات محدودة الدخل تأمين اليوم والغد مساندة الطبقة المتوسطة دور مصري قيادي إقليمي ومكانة متميزة دوليا). وعلي هذا النحو ومع متغيرات العصر وتحدياته ما أحوجنا حاليا وأكثر من أي وقت مضي, إلي صياغة ميثاق وطني شامل جامع يكون ملازما ومكملا للدستور من ناحية ومرجعا أساسيا لمواثيق الشرف التي استحدثها دستور1971 ونصت المادة56 علي التزام النقابات والاتحادات والجمعيات.. إلخ بمساءلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم وفق مواثيق شرف أخلاقية. وما أحوجنا حاليا وأكثر من أي وقت مضي إلي استكمال صدور مواثيق الشرف لكل الاتحادات والنقابات والجمعيات والأحزاب... إلخ التزاما وتأكيدا لأخلاقيات العمل العام والخاص( السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي) ورقيبا علي أعمال وسلوكيات كل إنسان كامل في خدمة الجماعة أيا كان موقعه الوظيفي. ومع الدعوة إلي تعميم ميثاق الشرف ليكون بنصوصه الأخلاقية الرادعة حصن أمان لكل الاتحادات والنقابات والجمعيات والأحزاب.. إلخ, فإن تلك الدعوة تتطلب نموذجا أمثل للمبادئ والقيم والسلوكيات الحميدة تهتدي بها كل مواثيق الشرف, ويعني هذا ضرورة إعداد ميثاق شرف قومي لكل المصريين يكون مرجعا لبناء معمورة مصرية فاضلة, ويلتف حوله الجيل المعاصر ونتعرف من خلاله علي مواقع أقدامنا ومعالم خطواتنا المقبلة في عالم متغير من حولنا. ميثاق وطني يبلور النموذج الأمثل للدولة العصرية ويترجم أولويات العمل الوطني, مترفعا عن المصالح الحزبية ومجسدا الوفاق السياسي القومي بتعظيم العامل المشترك الأعظم بين مختلف القوي والتيارات السياسية التي يموج بها المجتمع المصري, وهو يعيش حاليا تجربة رائدة للحريات والديمقراطية والتعددية السياسية.