كانت الأيام العشرة الماضية أياما عصيبة علي مصر كلها, بسبب ما تعرضت له كنيسة القديسين بالإسكندرية من اعتداء إرهابي استهدف أبناء الوطن بأقباطه ومسلميه.صدم هذا العمل الإرهابي ضمير ومشاعر المصريين. , وأوجع قلوبهم بعد أن امتزجت دماء شهدائهم وجرحاهم علي أرض الإسكندرية, وأدرك المصريون بحسهم الوطني والحضاري, أن الوطن هو المستهدف, وأن الإرهاب الأعمي لا دين له ولا يفرق بين قبطي ومسلم, أو بين كنيسة ومسجد, كانت الجريمة غريبة علي شعبنا ومجتمعنا وطالت ضحايا مصريين أبرياء أقباط ومسلمين, فأكدت أن الإرهاب لايزال يتربص بمصر وشعبها, وأنه يحمل هذه المرة ملامح تورط أصابع خارجية وتعاون مندسين بيننا معها. واستهدف النيل من استقرار البلاد وتهديد أرواح وأرزاق أبناء شعبنا, وفي كلمات قوية تعكس قوة الدولة المصرية وتلاحم المصريين وتؤكد الثقة في قدرتها علي مواجهة الإرهاب, والتصدي له, وإسقاط مؤامراته, أكد الرئيس حسني مبارك أن قوة الإرهاب لن تنجح في مخططاتها, وستفشل في زعزعة استقرار مصر أو النيل من أمان ووحدة شعبنا, وأعاد مبارك التأكيد علي أن أمن مصر القومي هو مسئوليته الأولي بوصفه رئيسا للبلاد, ورئيسا لكل المصريين, وقال بكلمات حاسمة: ولن أفرط فيه أبدا ولن أسمح لأحد أيا كان بالمساس به أو الاستخفاف بأرواح ومقدرات شعبنا, وقال الرئيس إنه تلقي ولايزال تقارير عديدة من أجهزة الدولة, وأننا سنتعقب المخططين لهذا العمل الإرهابي ومرتكبيه, موضحا ومطمئنا الجميع بأن دماء أبنائنا لن تضيع هدرا, وسنقطع يد الإرهاب المتربص بنا, ولن نسمح بالوقيعة بين شعبنا. ربما ولأول مرة ومنذ قرار الرئيس مبارك باعتبار يوم السابع من يناير يوم ميلاد السيد المسيح عيدا رسميا لجميع المصريين, تحول هذا اليوم لعيد وطني لكل المصريين, ورمزا مجيدا لوحدتهم وإضافة لسجلهم الحافل في الدفاع عن وطنهم, وتماسكه واستقلاله, وجاء الاحتفال هذا العام ردا تلقائيا وطبيعيا من كل المصريين علي محاولات الوقيعة وزرع الفتنة بين أقباط مصر ومسلميها, وأعاد تأكيد وحدة هذا الشعب, وترابطه وسماحة أبنائه, أدرك الجميع خطر المؤامرة وأسقطوها وكشفوا أن هذا العمل الإجرامي الآثم لم يكن يستهدف الكنيسة والأقباط, بل كان يستهدف كل المصريين بكنائسهم ومساجدهم ومصانعهم, ومدارسهم, غضب بعض الشباب القبطي, فقدر الجميع مشاعرهم, تجاوز البعض وأخطأ الهدف فأصاب غضبه بعض ممتلكات المصريين مسلمين وأقباطا, وتهجم علي رموز المجتمع وأفراد من الأمن الذي يحمي الجميع فتجاوز العقلاء بحكمة هذا التجاوز. وخرج الجميع مسلمين قبل الأقباط ليدين العمل الإجرامي, ويعلن تضامنه وحمايته لأبناء شعبنا, أخطأ البعض بالدعوة لتدخل أجنبي فكان الرفض قويا من كل المصريين مؤكدين أن أقباط مصر في عيون وقلوب مسلميها, وأن الدولة المصرية مسئولة وقوية وقادرة علي حماية كل أبنائها. كان مشهد المصريين عظيما, عظمة تكاتفهم ووحدتهم وإنصهارهم في بوتقة الوطنية المصرية, أيام العبور العظيم لتحرير سيناء, وإستدعت الذاكرة الوطنية صور التلاحم الوطني في ثورة9191, رفع الجميع الهلال وهو يعانق الصليب. كان العلم هو الانتماء الأول وكان حائط الصد ضد المؤامرة أدرك المصريون شعبا وقيادة وحكومة وأحزابا ونقابات وشيوخا وقساوسة, ورجالا ونساءا وأطفالا وشيوخا حجم الخطر الذي يهدد الوطن فارتفع الجميع فوق انتماءاته السياسية والحزبية ومعتقداته الدينية. كان هدف الإرهاب الأعمي هو زج مصر وشعبها في أتون حرب أهلية طائفية يكرر بها سيناريو جرائمه في مناطق ودول أخري. وأسقط المصريون بكل مكوناتهم هذه المؤامرة, فلم تكن الجريمة طائفية تستهدف الوطن لتأليب أبنائه بعضهم علي بعض وأدرك المصريون بحسهم الوطني وخبرتهم في مواجهة الإرهاب. أن هذا العمل الإجرامي لا يشبه في أهدافه الجرائم القديمة, رغم محاولات البعض تصوير الأمر علي أنه جريمة موجهة ضد الأقباط. كان موقف الدولة المصرية حاسما وقويا في مواجهة الحدث, وتحركت بسرعة لرعاية أبنائها وحفظ أرواحهم وممتلكاتهم, وكان أيضا صبورا وعاقلا في التعامل مع إنفعالات البعض, وكان أكثر قوة ووضوحا في رفض دعاوي التدخل الأجنبي, كان موقف فضيلة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب, ومفتي الديار د.علي جمعة, ووزير الأوقاف د.حمدي زقزوق, وكل الشخصيات الإسلامية نابعا من إيمانهم بسماحة الأديان ومسئولية المسلمين تجاه أشقائهم الأقباط, وكان موقف قداسة البابا شنودة وطنيا خالصا يعكس حرص أبناء الوطن علي مصر وشعبها, وكذلك كل الرموز الدينية المسيحية, وكان موقف المصريين جميعا رائعا وموحدا, فرأينا المصري المسلم يحمل الصليب والإنجيل, والمصري المسيحي يحمل القرآن والهلال, واحتفل الجميع بعيدهم الوطني الجديد. ولم يعد باقيا أمامنا جميعا سوي الاحتفاظ بهذه اللحظة التاريخية في عمر شعبنا ومسيرته الوطنية لأمة متماسكة ومترابطة. وأن نجلس معا كمصريين, لنستعيد هذه اللحظة وغيرها من اللحظات التاريخية التي أكدت وحدتنا, ونسأل أنفسنا: لماذا اختار الإرهاب هذه المرة كنيسة؟ وما الذي سيمنعه في مرات أخري ليحقق أهدافه الإجرامية لاستهداف مسجد؟ وعلينا أن نسأل أنفسنا أيضا: كيف نحمي مصر وشعبها ونصون أمنها القومي ونقطع الطريق علي هذه المحاولات التي تستهدفنا جميعا؟ أننا شعب واحد, نعيش معا في وطن واحد, وعلينا بعد نجاحنا في إسقاط هذه المؤامرة وعبور الأزمة وتداعياتها أن نفكر في طبيعة هذه الثغرات, التي يحاول هؤلاء المجرمون من أعداء الوطن, استغلالها والنفاذ منها للنيل من وحدتنا واستقرارنا ومن حياتنا وأمننا دون استثناء. يجب أن نجعل من فشل هذا العمل الإجرامي وأهدافه الخبيثة, نقطة انطلاق للإجابة عن كل هذه التساؤلات, رافعين شعارنا الجديد الذي أصبح في ضمير كل مصري وهو أننا شعب واحد نعيش في وطن واحد, أما الإجابة عن السؤال المهم وهو كيف نفعل ذلك؟.. فسيحتاج لمقال آخر في الأسبوع المقبل.. المزيد من مقالات مجدي الدقاق