يمكنك ان تنجو بسهولة من الموت في حوادث القطارات بان تقفز منها.. لكن لن يمكنك ان تنجو منه بسبب الاهمال داخل مستشفي هيئة السكة الحديد! مقولة منتشرة بين بعض مرتاودي مستشفي الهيئة من عمال المحطات وحتي سائقين القطارات نظرا لسوء الخدمة الصحية التي يحصلون عليها حتي بعد ان تم تخصيص185 مليون جنيه دعما للقطاع الطبي بالهيئة. وذلك من المنحة التي قررها مجلس الوزراء وقدرها5 مليارات جنيه لتطوير المرفق والتي اقتطعت من الضرائب لتذهب ادراج الرياح في الهيئة ومستشفاها. بدأت مأساة زيارتي غير المقصودة لمستشفي هيئة السكة الحديد لزيارة جاري عم محمد( عامل التحويلة) الذي ما إن علم بان مستشفي السكة الحديد تم دعمها ب185 مليون جنيه للتطوير الا وقرر ان يذهب اليها لعله يجد ما يشفي امراض ويرم عظامه المتهالكة من عمله بالهيئة طوال30 عاما قضاها في خدمة الهيئة ولم يتلق يوما لفت نظر. علمت انهم حجزوه ثلاثة ايام علي ذمة العلاج فقررت زيارته ولأري ما حدثني عنه قبل ان يأخذ قراره بالذهاب بقدميه الي المستشفي المطور الذي سحب علي اساسه185 مليون جنيه مما ظل الازمة التي يعيشها العالم ومصر الآن! البداية كانت من اكياس النفايات الخطرة الملقاة في مدخل المستشفي بجوار السور اكياس تحوي داخلها مخلفات العمليات الجراحية من اكياس دماء فارغة وقطن وشاش وبقايا حقن وسرنجات ملوثة والتي تعتبر وليمة اجتمع عليها في مشهد غير مألوف الاعداء من القطط والفئران والذباب والبعوض.. فاسرعت بفعل الرائحة التي تفوح منها الي داخل ما تبقي من مستشفي السكة الحديد.. وهي العيادات الخارجية! جولة في العيادات طرقة طويلة عرضها نحو اربعة امتار وطولها نحو200 متر لكن لايوجد بها سوي6 مقاعد يتبادل المرضي عليها نوبات الجلوس, حيث ينفتح علي هذه الغرفة مجموعة كبيرة من الابواب يقف علي كل باب منها اكثر من50 مريضا.. وكل غرفة مخصصة لمرض معين.. علي كل باب مفتوح يقف ممرض للنظام يدخل المريض ويرقد علي السرير امام الطبيب وايضا مام باقي المرضي لان الباب لايغلق بفعل الزحام الشديد.. ولان المرضي اعتادوا علي ذلك فالمشهد اصبح مألوفا بالنسبة لهم.. وان كان الوضع يختلف قليلا في غرفة رسم القلب حيث ان المريض يرقد علي السرير ومعه في الغرفة اكثر من40 مريضا آخر في انتظار الدور فهنا لا خصوصية في العلاج ولا حتي دقة في التشخيص! غرفة عمليات أسرية! في آخر الممر توجد غرفة الاستقبال التي تكتظ بعشرات المرضي وتجاورها غرفة العمليات التي يجلس علي الارض امامها أهالي المرضي في انتظار خروج ذويهم من غرفة العمليات او خروج الممرضة تطلب ان يقوم احد الاقارب بشراء قطن او شاش او سلك للخياطة للمريض.. وهي قصة مشهورة داخل مستشفي السكة الحديد وداخل كل المستشفيات الحكومية! مصعد للأطباء فقط اقتربت من مكتب الممرضات للسؤال عن غرفة عم محمد فاستوقني حوارها هامس بينهما انت شيلتي فوارغ زجاجات الجلوكوز اللي في الغرفة فردت الاخري بالنفي.. لان الدكتور كان امبارح بيمر وصور الزجاجات المعلقة وكمان صور النفايات الموجودة في الغرف واللي ليها مدة وماحدش لمها! انتبهنا لوجودي.. فطلبت من احداهما ان ترشدني الي غرفة عم محمد وبعد البحث علمت انه في الطابق الثالث. توجهت الي المصعد انتظرت طويلا فلم يأت والأعداد تتضاعف من المرضي والزائرين وبدأت الاصوات تتعالي بالنداء علي عامل المصعد.. دون مجيب حتي اخرج احد موظفي المستشفي من جيبه الهاتف الموبايل الخاص به واعطي رنة للعامل فنزل المصعد المتهالك الذي يحمل يافطه كبيرة مدونا عليها للأطباء فقط. ليصعد بنا ببطء شديد أو يقذف بنا الي الدور الثالث حيث عنابر المرضي التي لاترقي الي مستوي البشر.. فالاسرة قديمة ومتهالكة وبقع الدماء واثار القيء مازالت عالقة بالمراتب والملاءات مما اضطر الاهالي الي إحضار وسائد وملاءات واغطية من منازلهم ليفرشوها علي تلك الاسرة.. الموجودة داخل العنبر او الغرفة الموجود بها نحو6 مرضي بأمراض مختلفة! اقتربت من احدهم فظن انني من ادارة المستشفي. قال لي: انني هنا منذ امس الأول زارني طبيب واحد فقط ولم يعاود المرور علي مرة اخري فقط طاقم التمريض يمر مر الكرام مرتين في اليوم ويسأل حد عايز حاجة وينصرف.. دون متابعة! لان الاطباء داخل المستشفيات غالبا لايتحدثون إلا باذن كتابي وفاكس ومراسلات مع المستشار الاعلامي لوزير الصحة, كان التعليق عند الدكتور عوض تاج الدين وزير الصحة السابق علي الوضع بالقول ان نقوم بشراء الخدمات الطبية افضل بكثير من تقديمها.. خاصة ان تقديم تلك الخدمات يتطلب خبرات كبيرة ليس في المجال الطبي فقط ولكن ايضا في مجال الادارة التي تنقص العديد من المستشفيات التي تتبع لهيئات حكومية.. والحل هنا ليس في تقديم دعم مادي كبير لها ولكن في ان تقوم الهيئات بشراء الخدمات الطبية من شركات التأمين الكبري وان تقوم بدفع فاتورة سنوية لهذه العملية العلاجية للمواطنين التابعين لها وان تقوم الدولة بعمل مجلس امناء او خبراء لادارة تلك الاصول وهي المستشفيات مما يضمن ان تحقق افضل مستوي من الخدمة الطبية للموظفين التابعين لها.. وكذلك تحقق هامشا من الربح في القطاع الاقتصادي الخاص بالمستشفي عن طريق بيع تلك الخدمة لباقي المواطنين والهيئات التي تبحث عن شراء الخدمة الطبية مما يوفر مليارات من الجنيهات التي تنفقها الدولة وهذه الهيئات في دعم ذلك القطاع الذي تجبره الميزانيات المحدودة والتكلفة العالية للقطاع الطبي من ادوات واجهزة وادوية الي تقديم خدمات متواضعة من حيث اختيار اطباء حديثي التخرج مثلا وتقديم خدمة طبية غير متكاملة لانك لن تجد كل التخصصات في مستشفي واحد وان وجدت فان الضغط عليها من الموظفين سيجعلها ليست جيدة.. فالحل هو شراء الخدمة وليس تقديمها والاستفادة بشكل افضل من هذه المستشفيات التابعة للهيئات عن طريق حسن الادارة بمجلس امناء. ويؤكد هذا المعني ايضا الدكتور حمدي السيد نقيب الاطباء بالقول ان ما يتم الآن هو اهدار للوقت وللمال لان قانون التأمين الصحي الجديد سوف يعيد الخدمة المفقودة داخل المستشفيات والهيئات التي تنتج هذه الخدمة بعدما يتم تأسيس مجلس اعلي يتولي بيع هذه الخدمة الطبية للمواطنين والتي يشترط في شرائها عاملان هما التكلفة والجودة وهو ما سوف يرفع من الخدمة بالمستشفيات التي لاتستطيع ان تقدم خدمة جيدة للمرضي مهما تكن الجهات والمسميات التي تتبع لها وان حال العديد من المستشفيات خاصة التابعة للهيئات الحكومية يحتاج الي مزيد من المجهود. ومن جهته يقول الدكتور احمد الدمام استاذ الاقتصاد والمتخصص في علم الادارة ان الدولة لايمكن ان تقدم خدمة طبية علي اكمل وجه مهما رصدت لها من مليارات لانها علي مدار تاريخ الطب لم تنجح في ذلك لافتقارها الي عنصر الادارة كما ان هناك معايير اخري لاتستطيع الدولة بمفردها ان تقوم بها في العملية العلاجية, ولذلك يجب علي الدولة ان تنتهج النهج الاوروبي والامريكي في علاج المواطنين وهي ان تترك للهيئات والشركات تقديم الخدمات الطبية وهي تشتريها للمواطنين من خلال مظله التأمين التي تغطي الشعب كله.