لعله كان مناسبا أن يبدأ المجلس الأعلي للثقافة عام نجيب محفوظ بعمل ثقافي ضخم في الأسبوع الماضي عنوانه ملتقي القاهرة الدولي للإبداع الروائي العربي.. الرواية العربية إلي أين؟, فهذا حق نجيب محفوظ علينا حين يدور هذا الملتقي حول أدبه وحول الرواية العربية.. يضاعف من أهمية هذا الملتقي أن مصر لم تستأثر به وحدها, وانما شاركها فيه مثقفون عرب وآخرون أجانب, علي اعتبار أن أدب نجيب محفوظ عالميا الي جانب كونه عربيا, ولهذا يمكن القول بأن هذا الملتقي كان موفقا من حيث اختيار فكرته, وتوقيت انعقاده, وتنظيم فعالياته, فوجود هذه الأعداد الغفيرة من رموز الثقافة العربية والأجنبية التي شاركت رموز الثقافة المصرية, حتي وصل عدد الباحثين الي ما يقرب من المائة والخمسين باحثا, ومعهم أضعاف هذا العدد من أصحاب المداخلات والتعقيبات والسير الذاتية, الذين حضروا برغم سوء الأحوال الجوية التي شهدتها القاهرة وقتئذ, إلا أن ذلك لم يمنعهم من المشاركة حتي تم الملتقي علي أفضل وجه وكأن لسان حالهم باحثين وجمهورا يقول كل الصعوبات تهون في حب نجيب محفوظ والرواية العربية التي وضعتنا في دائرة الضوء العالمي, كل ذلك يجعل المرء يطمئن علي مستقبل الثقافة العربية, ولا يتوجس خيفة عليها مهما كانت التحديات التي تواجهها, والأكثر يجعل باب الأمل مفتوحا أمام الروائيين العرب لمواصلة الطريق الذي بدأه نجيب محفوظ الي العالمية, دون الإحساس بأنه مستحيل! ولو أن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل اقتصر علي هذه النتيجة لكانت تكفي وتزيد. فهذا الملتقي وسؤاله عن الرواية العربية والي أين تتجه؟ جعل القائمين علي أمره يحرصون علي طباعة عدد من الكتب التي تدور حول أدب نجيب محفوظ ومنها: نجيب محفوظ الرمز والقيمة للدكتور جابر عصفور, ورحلة العمر مع نجيب محفوظ للأستاذ يوسف الشاروني, ونجيب محفوظ التاريخ والزمن الجزء الثالث من دورية يشرف عليها الدكتور جابر عصفور, وأعداد أخري من الكتب تدور حول الرواية العربية, منها: الواقعية السحرية في الرواية العربية للدكتور حامد أبوأحمد, والرواية الجديدة قراءة في المشهد العربي المعاصر للدكتور محمود الضبع, ومسرحية الرواية للدكتورة أسماء الطاهر عبدالله, هذا الي جانب الأبحاث التي تقترب من المائة والخمسين بحثا وما يدور حولها من مناقشات ومداخلات وتعقيبات وسير ذاتية, وكل ذلك يمثل عملا ثقافيا متكاملا لأنه من نتاج فكر عدد من رموز الثقافة العربية والأجنبية. ولعل هذا الحضور الضخم, وتلك الأبحاث الجادة, وهذه النتائج الطيبة.. تعتبر دليلا علي التوفيق الذي حققه الملتقي خاصة فيما سعي إليه من أهداف في مقدمتها وضع الرواية العربية الحديثة وأدب نجيب محفوظ تحت مجهر البحث أمام عيون المتخصصين من العرب والأجانب, مما نتج عنه أطروحات وآراء تخللتها بعض التساؤلات التي تفرضها طبيعة الأعمال الكبيرة, ذات العائد الثقافي المستقبلي كأن يتردد في جنبات الملتقي تساؤل: هل الرواية أم الشعر ديوان العرب؟ وهو تساؤل كان ينبغي أن يحاذر من طرحه والاجابة عليه أصحابه, مثلما حاذر منه نجيب محفوظ من قبل فقال: إن ما يقوم علي غير أساس لا وجود له أصلا, وأساس الثقافة العربية هو الشعر, نعم الشعر ديوان العرب وسجل أيامهم وحكمتهم, الشعر الذي ينبغي أن نحافظ عليه وندعمه لا أن نهدمه ونقوضه لأنه يميز ثقافتنا عن غيرها من الثقافات.. كذلك تردد الحديث عن النظريات الأدبية والنقدية الأجنبية التي تجاوزها أصحابها, لكننا مازلنا مصممين علي استخدامها مع أنها لا ترسي أصولا, ولا تنشئ إبداعا, ولا تقيم فكرا.. كما تردد أيضا: هل العالمية تتحقق بالترجمة أم أنها تتحقق بالعمل الخلاق المحلي غير المسبوق كما كانت روايات نجيب محفوظ وحكايات ألف ليلة, وكلتاهما أوصلت أدبنا العربي للعالمية والسبب استغراقها في المحلية.. وغير ذلك من التساؤلات التي لا تقلل من قيمة هذا الملتقي, بل علي العكس ترفع من شأنه وتزيده ثراء, مؤكدة أن ثقافتنا العربية مازالت شابة عفية بأفكار أبنائها.. ولعل ذلك كله يدعونا الي تحية القائمين علي أمر هذا الملتقي وفي مقدمتهم الصديق الدكتور عماد أبوغازي أمين عام المجلس الأعلي للثقافة ومعه هذا الحشد ممن قاموا بالتفكير والتنظيم.