هل يمكن أن يكون قرار اتخذته مارجريت تاتشر منذ عشرين عاما قبل خروجها من رئاسة الوزراء في بريطانيا سببا في إنقاذ الإقتصاد البريطاني في سنة2010 ؟ هذا السؤال يردده البعض الآن في بريطانيا في محاولة لرد الحق لهذه المرأة التي تآمر عليها أعضاء حزبها للإطاحة لها فقدمت استقالتها ورغم خروجها من المنصب الرسمي إلا أن حياتها السياسية لم تنته أو تتوقف. بل إستمرت وصارت عضوة في مجلس اللوردات وتحمل لقب البارونة تاتشرة أقيمت لها العديد من حفلات التكريم نظرا لتاريخها الطويل لدرجة أن هناك من يطالب بتكريمها كأحد الأبطال العظام في تاريخ بريطانيا. وفي سياق الاحتفاء بهذه السيدة التي كانت تلقب بالمرأة الحديدية نشرت صحيفة صنداي تليجراف البريطانية دراسة لأحد مساعدي تاتشر ويدعي أندرو روبرتس بعنوان' دموعي من أجل المرأة الحديدية' بدأها بأحداث اليوم الذي قدمت فيه تاتشر إستقالتها والتي جاءت بعد ثلاثة أسابيع من إستقالة وزير خارجيتها جيفري هاو بسبب خلافات سياسية بينهما وهو ما أحدث أزمة داخل الحكومة. ويقول روبرتس أنه عندما توجه إلي مقر رئاسة الوزراء في10 داوننج ستريت صباح يوم الإستقالة فوجيء بمظاهرة كبيرة من اليساريين خصوم المحافظين ورافضي سياسة تاتشر يوجهون إتهامات لرئيسة الوزراء ويغنون أغنية بعنوان' لقد ماتت الساحرة'. وكان وزير الخارجية في ذلك الوقت جيفري هاو قدم لها إستقالته بسبب رفضها تحديد جدول زمني لانضمام بريطانيا إلي النظام المالي للإتحاد الأوروبي واتباع بريطانيا نظام نفس العملة اليورو كبقية دول الإتحاد. ويضيف روبرتس ونحن نري اليوم الأزمات الإقتصادية التي تتوالي في أوروبا من اليونان إلي إيطاليا والبرتغال وأسبانيا وأخيرا أيرلندا يجب أن نشكر تاتشر لتضحيتها بمنصبها السياسي من أجل حماية المصالح الوطنية لإقتصاد بلادها من الأزمات التي تهدد الأنظمة الاقتصادية القوية في منطقة اليورو بينما كان إحتفاظ بريطانيا بعملتها الجنية الإسترليني هو الذي أبعدها عن التأثر بعواصف تلك الأزمات. وكان خطاب تاتشر الذي ألقته أمام مجلس العموم يوم9 أغسطس عام1990 والذي عارضت فيه السياسات الإقتصادية والمالية للاتحاد الأوروبي هو الذي حشد ضدها أنصار الإتحاد الأوروبي داخل حزبها مصممين علي القضاء علي وجودها علي رأس الحكومة البريطانية. ولو كانت بريطانيا قد إتبعت السياسات التي دافع عنها هاو ومجموعة من قيادات المحافظين لكانت بريطانيا قد دخلت منطقة اليورو, ويعد ظهور نتائج القرار الذي إتخذته تاتشر منذ عشرين عاما الأن أحد أسباب فوز المحافظين بالانتخابات الأخيرة وعودتهم للحكم بعد اقتناع البريطانيين بأن سياستهم كانت هي الصحيحة. ومن وجهة نظر روبرتس فإن الإصلاحات التي قامت بها تاتشر وهي رئيسة للوزراء هي التي جعلت حزب العمال محاطا بمناخ إقتصاديا آمن طوال فترة حكمه وهو ما إعترف به أيضا عدد كبير من رجال الأعمال الناجحين مؤكدين فضل تاتشر علي إيجادها مناخا إقتصادي ساعد علي إزدهارهم. وتعد تاتشر التي تعتبر أول سيدة تتولي رئاسة الوزراء في بريطانيا هي التي أنقذت بريطانيا من الأزمة الاقتصادية العالمية وكانت المرأة الحديدية قد إستمرت في الحكم أطول من أي رئيس وزراء أخر منذ عام1927. وكانت هناك مقولة للسياسي البريطاني أينوك باول وردت في مذكراته نقل فيها عن السياسي البريطاني القديم جوزيف شامبرلين حديثه عن أن حياة السياسيين تنتهي عادة بالفشل عندما يرغمون علي ترك مناصبهم لأن هذه هي طبيعة السياسة ولكن هذا لم يحدث مع مارجريت تاتشر التي إنتعشت حياتها السياسية بعد ترك المنصب وظلت تتمتع بسمعتها كشخصية قوية وناجحة ولها أياد بيضاء علي الحياة السياسية والإقتصادية في بلادها. ويطالب روبرتس في نهاية دراسته بضرورة إقامة جنازة رسمية لتاتشر عندما تتوفي مثلما حدث مع الأبطال العظام في التاريخ البريطاني مثل الجنرال نيلسون وجلادستون وسير ونستون تشرشل فهؤلاء كانوا قادة عظام في عصورهم وتاتشر قائد عظيم في هذا العصر.