لن يخسر الحزب الوطني كثيرا إذا فاز حزب الوفد بخمسين مقعدا, وفازت بمثلها أحزاب المعارضة الأخري والمستقلون, ليصل إجمالي نواب المعارضة والمستقلين إلي مائة نائب أو أكثر قليلا وبنسبة20 % تقريبا من الأعضاء.. هذا الرقم ليس بكثير, ولا يسهم في عرقلة أي مشاريع قوانين, لكنه كان سيسهم في دعم كل أحزاب المعارضة الشرعية, وملء الفراغ في الشارع السياسي, وامتصاص أعداد كبيرة من الطيور الشاردة التي تلجأ إلي الحركات الاحتجاجية والجماعات غير الشرعية, تمهيدا لكي تحتل الأحزاب مكانها الطبيعي في أي انتخابات مقبلة. للأسف.. الأحزاب الشرعية ضعيفة جدا في الشارع السياسي, وما حدث في الانتخابات الأخيرة يسهم في زيادة الضعف لها, لتتسع المساحة أمام الحركات والتجمعات والجماعات غير الشرعية, ولن يستطيع الحزب الوطني وحده ملء الفراغ في الشارع السياسي مهما تكن قوته وقدرته التنظيمية في ظل عصر السماوات المفتوحة, وانطلاق حرية الإعلام وانتشار القنوات الفضائية والصحف الخاصة والحزبية. لقد خاض الحزب الوطني نفسه هذه الانتخابات برؤية مختلفة, حيث دفع بأكثر من مرشح علي المقعد نفسه في عدد كبير من الدوائر بلغ نحو70% من إجمالي الدوائر, وكان الهدف من وراء ذلك كما قيل هو إتاحة الفرصة أمام الناخبين للاختيار والمفاضلة بين مرشحي الحزب, وفي الوقت الذي أكدت فيه الأمانة العامة للحزب, وكل القيادات المركزية, خاصة الأمين العام, وكذلك أمين التنظيم, الالتزام بالحيادية بين مرشحي الحزب, وأنهم جميعهم سواسية, وأن الفرصة متاحة أمامهم بشكل متكافئ, غير أن التطبيق جاء عكس ذلك, نتيجة وانحياز بعض أمناء المحافظات وأمناء المراكز والأقسام كما حدث في القليوبية لبعض المرشحين علي حساب المرشحين الآخرين نتيجة معايير ومصالح ورؤي شخصية, ضاربين التوجهات الحزبية عرض الحائط, مما أشاع حالة من الارتباك والحرج داخل صفوف التنظيم الحزبي الواحد, وحتي في جولة الإعادة استمر الانحياز والتدخل لمصلحة بعض المرشحين علي حساب الآخرين, وهناك شكاوي رسمية من بعض المرشحين أوضحت ذلك الخلل, غير أن أحدا لم يتحرك لتدارك الأمر بعد أن دارت عجلة الانتخابات وتداخلت الأصوات وغابت الرؤية, لكنه وفي كل الأحوال لابد من مراجعة هذا الأمر والاستفادة منه مستقبلا ومحاسبة هؤلاء الذين أجهضوا فكرة جيدة كان يمكن أن تنجح بقدر من الحياد والموضوعية لأن عدم نجاح هذه الفكرة يجعل الكثيرين من مرشحي الحزب الوطني يراجعون موقفهم في جدوي الاعتماد علي ترشيح الحزب الوطني مستقبلا, بعد أن شعروا أن التطبيق أكد وجود انحياز للبعض علي حساب الآخرين, وأن الحديث عن الحياد ذهب أدراج الرياح مع بعض أمناء المحافظات, إلا إذا أعاد الحزب تقويم التجربة برمتها, وتقويم أساليب تطبيقها, واتخاذ مواقف واضحة من الذين أجهضوا الفكرة نتيجة انحيازهم غير المبرر. تبقي بعد ذلك تجربة الانتخابات الأخيرة, وما حدث فيها من تزاوج بين المال والبلطجة في العديد من الدوائر, خاصة في دائرة شبرا الخيمة شرق بالقليوبية, واستغلال المال لشراء الأصوات, وجلب العديد من البلطجية لإرهاب الناخبين والمنافسين علي السواء, مما أخل بتكافؤ الفرص, وجعل من المنافسة الانتخابية معركة حربية حقيقية ارتكبت فيها المخالفات جهارا نهارا حتي بين أبناء الحزب الواحد, دون آلية محددة لمحاسبة المخالفين, ووقف المخالفات فورا وإزالة أسبابها. أعتقد أنه آن الأوان للبحث عن نظام انتخابي جديد يضمن ترسيخ قواعد المنافسة الشريفة بين المتنافسين أيا كانت انتماءاتهم بعيدا عن سطوة المال والبلطجة, ويسهم في تقوية الحياة الحزبية بما فيها الحزب الوطني وأحزاب المعارضة, لأن المعارضة هي الجناح الثاني للنظام السياسي لنضمن السير نحو المستقبل بخطي واضحة تصل بنا إلي الإصلاح السياسي المنشود.