غيب الموت أمس الكاتب النوبي إدريس علي عن عمر ناهز70 عاما بعد حياة درامية حافة بالمفارقات, فقد بدأ نشأته في أسرة بسيطة ولم تمكنه الظروف المعيشية من تلقي تعليم نظامي . لذلك عمل في مهن عديدة قبل ان يصل الي وظيفة صغيرة في إحدي شركات المقاولات وخاض ادريس في حياته عدة تجارب انعكست في كتاباته خاصة تجربة التحاقه كمجند في حرب اليمن وعمله في ليبيا أواخر السبعينيات, حتي انه كان يقول دائما لولا الكتابة لأصبحت من الخارجين علي القانون. وقد بدأت عملية تكريس إدريس ككاتب نوبي متميز مع صدور روايته دنقلة التي ترجمت إلي الانجليزية, ونالت جائزة جامعة اركنسو الامريكية عام1999 ومعها بدأ الحديث عن تيار جديد في الأدب المصري سماه بعض النقاد الادب النوبي. وهي تسمية رفضها إدريس واعتبرها تعبيرا عن كسل نقدي ومحاولة لعزل الادب الذي يكتبه كتاب النوبة عن المجري العام للأدب المصري, لذلك انخرط في خصومات مع كتاب نوبيين أخرين ارتاحوا لهذا التصنيف, لكن النقلة الحقيقية في مسيرته الابداعية جاءت مع صدور روايته: انفجار جمجمة عام1999 والتي كانت ثمرة لأول منحة تفرغ حصل عليها وقد نالت الرواية جائزة الدولة التشجيعية ووجدت حماسا من الكاتب الراحل الكبير فتحي غانم الذي كتب مدافعا عنها وعن لغتها شأنه في ذلك شأن الناقد جابر عصفور وقد صدرت الرواية في طبعتين, وكان من المقرر صدور طبعة ثالثة منها خلال أيام. وجانب كبير من شهرة إدريس جاء من المعارك التي كان يخلقها حول كتاباته, ومحاولته المتكررة للانتحار, الي جانب إثارة معارك حول حقه في التفرغ أو أعمال تعرضت للمصادرة وأخرها روايته الزعيم يحلق شعره التي تتناول تجربة المصريين في العمل في ليبيا نهاية السبعينيات. فضلا عن تبنيه لتصريحات مثيرة عن رغبته في السفر لإسرائيل وهي تصريحات كانت دائما لا تعبر عن رغبة حقيقية قدرما كانت تعبر عن احباط شخصي ومأزق موهبة كبيرة سعت الي إيجاد صورة عن نوبة أخري تغاير صورة النوبي القابع في كارت بوستال فهي نوبة المعاناة والتهميش التي تجلت في اعماله اللعب فوق جبال النوبة, النوبي, وتحت خط الفقر التي يمكن ان تقرأ كسيرة ذاتية لصاحبها.