بعد أيام تأتي ذكري ميلاد كاتبنا الكبير نجيب محفوظ, التي سيصاحبها احتفالات مكثفة بمناسبة مئويته حيث ولد اديبنا في11 ديسمبر عام1911 م, ويحضرني في هذه الذكري العديد من المواقف معه منها انه عند اختياري موضوع رسالتي في الدكتوراه عن معالجة الدراما لادب نجيب محفوظ وجدتني في اشد الاحتياج لمقابلة الاستاذ لانهل من رؤيته وخبرته حول هذه القضية, مما دفعني للذهاب الي منزله, وفوجئت امام شقة الاستاذ نجيب محفوظ, بوجود عسكري حراسة يجلس امام باب الشقة, وكانت مهمة هذا العسكري حماية حياة استاذنا محفوظ واسرته بعد الحادث الغادر. وكان الاستاذ نجيب يضحك في سخرية وتهكم من وجود العسكري علي باب شقته الذي لايتناسب مع رجل من رجال الفكر والادب, وكان في شبه اعتذار عن هذا الوضع غير المستساغ الذي يجلس فيه العسكري خلف باب صاحب الفكر, ولسان حال استاذنا يقول شاهدوا ما يحدث انه التطرف والعنف الذي صنع بنا ذلك.. فقد كان من داخله متحرجا من وجود هذا العسكري لانه كمفكر اصيل لايقبل ان يحرس العسكري المفكر, وبالتالي الفكر, بل كان رأيه ان ما يحمي الفكر هو الحوار والمناظرات الموضوعية التي تؤدي للوصول إلي الحقيقة, واستاذنا محفوظ فلسف هذا الموقف وجعل هذا العسكري جزءا من عائلته وفردا من اسرته, فمحفوظ لم يرفض شخصا طوال حياته حتي لو جاء هذا الشخص لحمايته دون اقتناعه فكريا, فجعل نجيب محفوظ علاقته بالعسكري علاقة انسانية, وتقبل وجوده مثلما تقبل الكثير من الاشياء في حياته برضا وفهم لطبائع الأمور.