اليوم يتوجه الناخبون الي صناديق الانتخابات ليقولوا كلمتهم ويختاروا مرشحهم ويتسابق المرشحون في حصد اكبر عدد من الأصوات بطرق شتي, فمنهم من يسعي الي شراء الأصوات بالمال والهدايا العينية. ومنهم من يحاول اقتحام عقل وقلب الناخبين بشرح برنامجه وخطة عمله في تحسين معيشتهم وتقديم يد العون والمساعدة علي قضاء حوائجهم ورفع المعاناة عنهم في حياتهم اليومية. ولكل من المرشح والناخب دوافعه النفسية المعلنة والمستترة فالمرشح يسعي نحو كرسي البرلمان الرفيع والتمتع بالحصانة الفولاذية. أما بالنسبة للناخب فهو يسعي نحو إشباع حاجته المادية أو إرضاء نزعته القبلية أو التطلع الي مشاركة المرشح بعد فوزه في جزء من المكاسب التي تتحقق له, سواء كانت جاها أو مالا أو سلطانا, وهناك نفر من الناخبين البسطاء العامة الذين يمشون وراء التيار فيدلون بأصواتهم لأحد المرشحين دون تمييز أو إدراك, فهم لا ناقة لهم ولا جمل في هذا العمل الديمقراطي ويرتضون بما يقدم إليهم من فتات يصلبون به طولهم ويسدون به رمقهم وهم لا حول لهم ولا قوة في كل الأحيان. ولاشك أن شخصية المرشح ودرجة ثقافته ومقدار إسهاماته في العمل العام وفهمه لديناميكية العملية الانتخابية هي التي تؤثر إيجابيا في كسب أصوات الناخبين, كذلك فإن وعي الناخب بقيمة صوته وقدرته علي الاختيار والتمييز بين مرشح وآخر وفهمه لطبيعة الأداء الديمقراطي ومحاولاته للتعرف علي السيرة الذاتية للمرشح هي التي تحدد نجاحه في الاختيار السليم. وهناك مرشحون يحاولون أن يعزفوا علي وتر حساس لدي الناخبين ألا وهو الضائقة المالية وظروف المعيشة الصعبة التي يمرون بها وهم بذلك يتجاهلون وعي ودهاء الناخب الذي يقبل الهدية المادية دون اقتناع بشخص المرشح ويتخلي عنه أمام صندوق الانتخاب ويعطي صوته لشخص آخر, والثابت هو أن الناخب يعتبر توزيع المال أو الهدية هو إشباع لحاجته المادية دون اقتناع موضوعي وعقلاني بالمرشح, ويتصور أنها نوع من الرشوة الرخيصة التي سرعان مايتناساها ليفكر في المرشح الآخر الذي يخاطب عقله ويحترم ثقافته ويقدم له البرنامج العملي لمستقبله هو ومن حوله من عائلته ومجتمعه. إن إشباع البطون شيء مؤقت وزائل, ولايمكن أن يقف أمام إقناع العقول مهما تكن درجة ثقافة الناخب ومستواه المعيشي فالمرشح الذكي هو القادر علي إثبات حسن النية والجدية في عرض برنامجه الانتخابي علي أسس موضوعية, وبناء علي تجاربه الشخصية وأدائه السابق في العمل العام وقدرته علي التواصل مع الجماهير. أرجو أن تكون لغة العقل وثقافة الحقوق والواجبات وديمقراطية الأداء السياسي هي مكسبنا في عملية الانتخابات المقبلة, حيث لم يعد أمامنا سوي هذا الباب من التنوير من أجل البناء الحضاري الذي طالما تطلعنا إليه, والذي يدفعنا للحاق بركب التطور والتنمية. د. يسري عبدالمحسن أستاذ الطب النفسي