تمر هذه الأيام الذكري الاولي لانعقاد القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية التي عقدت في الكويت في19 20 يناير2009, ويحق للمواطن العربي الذي تعلقت آماله بقرارات القمة, أن يقيم ما حققته القمة من إنجازات. وأن يتعرف علي مايتبقي من برامج تحت التنفيذ.ولقد اتخذت القمة مجموعة كبيرة من القرارات في مجالات حيوية. وسوف نتناول في هذا المقال ثلاثة مجالات هامة منها وهي قضايا تشجيع الاستثمار والتنمية, الأمن الغذائي, والنقل بين الدول العربية. وتضمن الاعلان النهائي للقمة التوجيه بتشجيع الاستثمارات العربية البينية, وتوفير المناخ الملائم والحماية اللازمة لها, وتسهيل حركة رؤوس الأموال العربية بين أقطار الوطن العربي, وتوسيع نطاق وآليات تنفيذ الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية وبرغم من عمومية هذا القرار, وما صاحب القمة من تراجع في الاستثمار بسبب الازمة المالية العالمية, فقد اتخذت القمة إجراء عمليا وهو إنشاء صندوق بغرض توفير التسهيلات الائتمانية للمشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر, بما يسهم في مواجهة التحديات الاجتماعية, واتخذت دولة الكويت خطوة محمودة بالتبرع بمبلغ500 مليون دولار كنواة لهذا الصندوق الذي عهد لادارته الي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. وكان من المفترض أن تساهم دول عربية أخري في هذا الصندوق الذي يستهدف قطاع الصناعات الصغيرة المحروم من التمويل المناسب بالرغم من قدرته الكبيرة علي توليد فرص العمل, وتحقيق اغراض مكافحة الفقر, والتنمية الاجتماعية. وأعلن مؤخرا تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ إضافي لهذا الغرض, مع ذلك مازالت هذه الأموال مجمدة حيث لم يبدأ الصندوق العربي في إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة بعد. وفي مجال الأمن الغذائي, اتخذت القمة العربية, إيمانا منها بقدرة المنطقة العربية علي الاعتماد علي الذات لإنتاج الجزء الاكبر من احتياجاتها الغذائية, قرارا بإطلاق البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي وطلبت القمة من المؤسسات والصناديق الإنمائية العربية والاقليمية والدولية المساهمة في توفير المتطلبات المالية اللازمة في تنفيذ البرنامج. وبرغم حسن هذه النوايا, إلا أن الفترة الماضية أوضحت أن الخطوات الفعلية المطلوبة تفوق هذه المطالب والتكليفات ذلك أن قضية الأمن الغذائي قضية حرجة وتحتاج الي عمل سريع يقفز فوق بطء إجراءات مؤسسات التمويل العربية, أو آليات اتخاذ القرار الحكومي. ومع وجود مؤسسات عربية للتنمية الزراعية, إلا أن ماقامت به هذه الهيئات في المجال الزراعي محدود برؤوس أموالها الضئيلة وبرامج عملها المتواضعة. ومن ناحية أخري فإن المعونات العربية الإنمائية تتجه أساسا لمشروعات الطاقة والبنية الأساسية, ومايوجه للقطاع الزراعي قليل. حيث بلغت المعونات التراكمية المقدمة لقطاع الزراعة حتي2006 من كافة صناديق المعونة العربية6223 مليون دولار من إجمالي قدره48125 مليون دولار, أي بنسبة14%. وقد يكون الحل في تغطية الفجوة الغذائية التي يعاني منها العالم العربي هو في خلق هيئة فوق القومية يكون لها صلاحيات بارزة في تنفيذ مشروعات الامن الغذائي في الدول الاعضاء. وهناك نماذج ناجحة لمثل هذه الجهود مثل اتحاد الفحم والصلب الذي كان نواة للسوق الاوروبية المشتركة. وفي مجال النقل أخذت القمة العربية قرارا بالموافقة علي مشروع الربط البري العربي بالسكك الحديدية, ووضع آلية لتمويل هذا المشروع علي أسس تجارية, تكون المساهمة فيها مفتوحة للقطاع الخاص ومؤسسات التمويل العربية والاقليمية والدولية مع تكليف وزراء النقل العرب بمتابعة تنفيذه ومؤخرا طرحت مناقصة لربط دول الخليج العربية بالخطوط السعودية المؤدية الي الحجاز, كذلك أعلن عن ربط مدينة حلب السورية بالسكك الحديدية التركية. ولم نسمع عن مشاريع مشابهة لربط مراكز النقل السكاني العربي في مصر بالسودان. ومن ناحية أخري, مازالت طرق النقل البري والجوي والبحري بين البلاد العربية قاصرة عن استيفاء احتياجات نقل الافراد والبضائع, ويعتبر هذا القصور من أهم معوقات انتقال العمالة والسياحة والتجارة العربية, ومع الزيادة الكبيرة في الاحتياطيات المالية التي نتجت عن ارتفاع أسعار الصادرات العربية وتحسن موقف موازين المدفوعات لم يعد هناك عائق مالي يمنع بناء سكك حديدية تربط الدول العربية أو تحسين اسطول النقل البحري, وإزالة التكدس في المواني والمطارات. وهكذا نري أن القمة الاقتصادية العربية قد اتخذت قرارات هامة في مجالات ذات تأثير حيوي علي رفاهية المواطن العربي, ومستقبل التنمية في المنطقة. مع ذلك فقد أحيلت بعض هذه القرارات الي الاجهزة البيروقراطية العربية التي لم يشتهر عنها العجلة في الأمور. ومن ناحية أخري يفتقد التعاون العربي في بعض المجالات الحيوية مثل تمويل مشروعات القطاع الخاص, وبالذات في مجالات الصناعات الصغيرة والمتوسطة, والأمن الغذائي, والنقل الي وجود هيئات تنفيذية علي المستوي القومي تتمتع بالخبرة والسرعة في العمل, مما يمكنها من تحقيق توجيهات القادة و طموحات المواطن. وأخيرا نقترح أن يكون هناك سكرتارية دائمة منوط بها الاعداد للقمم الاقتصادية العربية, ومتابعة قراراتها. وأن تكون هذه السكرتارية ممثلة ليس فقط لأساطين البيروقراطية الاقتصادية في العالم العربي, بل أن تشمل أيضا ممثلين للمجتمع المدني ورجال الأعمال. ذلك أن القطاع الأهلي معني ليس فقط بنتائج توجيهات القمة, ولكنه أيضا مسئول عن تحقيقها.