في ليلة16/15 سبتمبر الماضي, تم اختطاف سبعة أشخاص يعملون في النيجر من بينهم خمسة فرنسيين وشخص من توجو وآخر من مدغشقر, الأشخاص السبعة كانوا يعملون في مدينة أرليت في شمال النيجر في موقع لاستخراج اليورانيوم تابع لشركة اريفا الفرنسية أكبر الشركات العاملة في هذا المجال. , وأعلن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي المنتشر في هذه المنطقة, والذي يتخذ ملاذا له في منطقة صحراء مالي, أعلن مسئوليته عن عملية الاختطاف, محددا أنه سيحدد فيما بعد طلباته المشروعة من فرنسا. وقررت فرنسا فتح باب التفاوض مع هذا التنظيم, فأعلن أرفيه موران وزير دفاع فرنسا السابق, أولا أن لديه كل الأسباب للاعتقاد بأن الرهائن الفرنسيين المحتجزين من جانب القاعدة في المغرب الإسلامي, في منطقة الساحل هم علي قيد الحياة, وان لم يكن هناك دليل رسمي علي ذلك, وبرر ارفيه موران هذا الاعتقاد بأن الإعلان الصادر عن التنظيم بالمسئولية عن الاختطاف يشير الي أننا سوف نتلقي طلبات محددة خلال بضعة أيام, وأكد موران أنه يفتح الباب أمام نوع من التفاوض بإعلانه أن فرنسا تأمل أن تتمكن من الدخول في اتصال مع القاعدة. التنظيم من جانبه, وجه انذارا الي فرنسا من أية عملية ترمي الي تحرير الرهائن المحتجزين, وفي هذا المجال ذكر ارفيه موران بالسابقة المأساوية لميشيل جيرمانو.. الرهينة الفرنسي 78 سنة الذي كان يعمل في مجال العمل الانساني في النيجر, والذي تم اختطافه في19 ابريل الماضي, في شمال النيجر, ثم تم إعدامه في يوليو. الوزير الفرنسي السابق, أشار الي أنه من المحتمل جدا أن يكون الرهائن اليوم في شمال مالي, مضيفا أنها منطقة شاسعة جبلية صحراوية من الصعب جدا تحديد مكانهم فيها؟!. وردا علي سؤال حول عمل العسكريين الفرنسيين المنتشرين في الساحل, أكد الوزير الالتزام المطلق بالسرية والحرص, إزاء هذا الموضوع, مضيفا أننا بالطبع معبأون من أجل تحرير الرهائن, خاصة عن طريق وسائل المراقبة والاستخبارات التي تتيح لنا معرفة المزيد!! التجربة التي مرت بها فرنسا بشأن الرهينة السابق ميشيل جيرمانو, والمحاولة العسكرية الفاشلة لانقاذه, التي قامت بها القوات الموريتانية بدعم ومساعدة قوية من جانب فرنسا, تجعلها أولا تفكر مرتين قبل الدخول مرة أخري في مثل هذه المغامرة, وثانيا تتوخي منتهي الحرص والحذر في تحركاتها وفي تصريحاتها, وثالثا ربما تشعر بالتشاؤم أو بعدم التفاؤل إزاء مصير هؤلاء الرهائن الخمسة. في حالة ميشيل جيرمانو, كانت موريتانيا هي المبادرة بالإعلان عن عملية كوماندو عسكرية تستهدف تحييد الفرع المغربي لتنظيم القاعدة. وبعد أن تحفظت باريس في البداية, رجعت وزارة الدفاع واعترفت بأن الوسائل العسكرية الفرنسية قد قدمت دعما فنيا ولوجستيا للعملية الموريتانية. بيان الدفاع أعلن أن مجموعة الكوماندو الموريتانية استهدفت مجموعة ارهابية كانت قد قامت بإعدام الرهينة البريطاني ادوين داير قبل عام. ولكن البيان الفرنسي لم يؤكد ما ورد في بعض الشهادات التي نشرت عن وجود قوات فرنسية ضمن مجموعة الكوماندو في عمليتها الفاشلة التي أثارت الكثير من الانتقادات, وكان من نتيجتها إعلان تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي عن انه قد قام بإعدام الرهينة الفرنسي ميشيل جيرمانو في24 يوليو انتقاما لاخواننا الستة الذين قتلوا خلال العملية الفرنسية. والواقع أن المختطفين من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي معروفون بغموض مطالبهم, وعندما يخاطبون باريس أو لندن في حالة الرهينة سالف الذكر, تكون مطالبهم غير واضحة أو محددة بحيث يصعب أو بالأحري يستحيل حتي مجرد التناقش معهم. كما حدث أخيرا مع فرنسا, فلأول مرة يخرج زعيم تنظيم القاعدة, أسامة بن لادن يخص فيها فرنسا بالتحذير والانذار, ويطالبها من ناحية بإلغاء قانون حظر النقاب؟! ومن ناحية أخري, بسحب قواتها من أفغانستان؟! مطلبان يخرجان عن نطاق المقبول أو المعقول!! بن لادن برر أيضا في رسالته عملية اختطاف الفرنسيين الخمسة العاملين في أريفا وفي فينسي في النيجر, بسبب الظلم الذي ترتكبه فرنسا في حق الأمة الإسلامية خاصة من خلال المساعدة العسكرية التي تقدمها ضد تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي. هذه الظروف جعلت الرئيس نيكولا ساركوزي في لقائه التليفزيوني الأخير في17 نوفمبر يعلن أنه يشعر بقلق خاص إزاء الرهائن الفرنسيين في مالي. وان كان وزير دفاعه الجديد آلان جوييه قد أعلن أن لديه كل الأسباب للاعتقاد بأن الرهائن الفرنسيين المحتجزين في مالي أحياء وبصحة طيبة, ويؤكد أنه توجد اتصالات مع المختطفين, دون أن يعطي أية تحديدات أخري. فرنسا سبق أن أعلنت أنها طلبت من واشنطن المساعدة بما لديها من امكانات أقمار صناعية وطائرات بدون طيارين من أجل تحديد مكان أو أماكن المختطفين, وهي علي اتصال بكل الدول المحيطة بالمنطقة الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر لتبادل المعلومات حول أماكن الرهائن أو حول سبل وامكانات الوسطاء المحتملين للدخول في اتصالات مع المختطفين. كل ذلك قبل أن تنفجر القنبلة, التي ربما نسفت كل هذه الآمال والاحتمالات, بعد أن خرج زعيم التنظيم عبدالملك روكديل يعلن قبل أيام ان أي مفاوضات حول موضوع الرهائن في المستقبل لن تتم ادارتها إلا مع شيخنا أسامة بن لادن.. ووفقا لشروطه. وزيرة الخارجية ميشيل اليو ماري قالت إن فرنسا تعمل كل ما في وسعها من أجل أن يتم تحرير كل الرهائن أينما كانوا سالمين معافين, وأن فرنسا لا يمكن أن تقبل أن تملي عليها سياستها من جانب أي من كان!!. الرئيس ساركوزي خرج في مؤتمره الصحفي الذي أعقب قمة لشبونة الأطلسية, متشائما للغاية, فأكد أن فرنسا لن تسمح بأن تملي عليها سياستها الدولية أو الداخلية من جانب أي شخص كان!! ويضيف إننا نبذل كل جهودنا لكي نعيد الرهائن الي ديارهم الذين هم ضحايا مدنيون, لا علاقة لهم بالأمر, يتم احتجازهم في ظل ظروف أحيانا بالغة الصعوبة. ويضيف ساركوزي, هناك ملايين الأشخاص في فرنسا, ماتوا من أجل ضمان استقلال بلدنا, فرنسا عبر تاريخها ارادت هذا الاستقلال, ولن تتغير اليوم. نوع من تأهيل الرأي العام, الي احتمال مواجهة الأصعب والأشد, اذا ما فشلت فرنسا في تحقيق اطلاق سراح هؤلاء الرهائن بالتفاوض أو بالطرق العسكرية. خاصة أن رئيس مالي أمادو توماني توري خرج في حديث نشرته صحيفة لوباريزيان يكاد يتحدث فيه عن أنه من شبه المستحيل, تحرير الرهائن من خلال عملية عسكرية, أو من خلال مفاوضات مع المختطفين.. الرئيس المالي يقول إنه برغم العمليات الاستخبارية الدقيقة فإننا لم نتوصل أبدا الي أن نعرف بالتحديد أين يوجد الرهائن, كما أن الظروف غير متوفرة للقيام بعملية عسكرية لتحريرهم, لأن العملية العسكرية, تتطلب معلومات دقيقة فعلا, من الصعب جدا الحصول عليها, كما تتطلب سيطرة علي المنطقة, وهو أمر مستحيل. ناهيك عن أن من المؤكد أن المختطفين قد وزعوا الرهائن علي مجموعات عديدة, وهم يغيرون مكانهم بسرعة, ومن ثم فإن القيام بعملية تدخل من جانب القوات الخاصة, تخاطر بأن تعرض حياة الرهائن للخطر. حيرة كبيرة, وموقف لا تحسد عليه فرنسا ولا ساركوزي, وطبعا وزيرا الخارجية ميشيل اليو ماري والدفاع آلان جوييه اللذان يستهلان مسئولياتهما بهذه المهمة العصيبة, إن لم تكن المستحيلة.