تشهد غدا العاصمة البريطانية مؤتمرا دوليا يستغرق ساعات فقط حول الوضع في اليمن وكيفية مواجهة خطر التطرف المتصاعد واحتمال تمدد تنظيم القاعدة في هذا البلد وذلك بحضور دول الخليج والدول المانحة لمساعدات التنمية.. والجانب الآخر من الصورة هو طريقة تفاعل الولاياتالمتحدة مع مستجدات اليمن وحدود التحرك السياسي والعسكري الأمريكي لمواجهة استراتيجية القاعدة في استدراج الولاياتالمتحدة إلي ساحة جديدة.وقف صحفي أمريكي, في ندوة عن تنظيم القاعدة وتطورات الأوضاع في اليمن بمؤسسة بروكنجز منذ ايام مبديا ضيقه مما يسمعه من تخبط الولاياتالمتحدة في ساحة جديدة ضد القاعدة ثم قال' اعتقد أن من أبرع من يفهمون في علم الاستراتيجية الكبري هو أسامة بن لادن لانه يعرف اعداءه جيدا.. بينما نحن فشلنا في معرفة اعدائنا'. تشعر من حوارات واشنطن ونيويورك هذه الايام ان المجتمع السياسي الأمريكي يبدو كما لو كان قد فوجيء بالجبهة الجديدة التي يسحبه إليها سحبا ما يسمي تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بينما كان من المفترض ان تكون القوي العظمي هي التي تحدد ساحة وموعد النزال بعد تسع سنوات من حوادث سبتمبر الشهيرة. ودق جرس الانذار في واشنطن بعد اعتقال عمر فاروق الشاب النيجيري الذي حاول تفجير الطائرة الأمريكية التي كانت في طريقها إلي مدينة ديترويت في25 ديسمبر الماضي والذي اعترف بتلقيه تدريبا في معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة في اليمن, ومنذ أيام, زادت حيرة الأمريكيين بعد تقرير لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والذي تحدث عن مغادرة اكثر من30 مواطنا أمريكيا بلادهم إلي اليمن بعد تحولهم إلي الإسلام في السجون وهي القصة التي مازالت تخضع للتحليل في وسائل الاعلام الأمريكية بما في ذلك تحليلات عن دوافع امثال هؤلاء من مواطني الولاياتالمتحدة إلي اعتناق فكر القاعدة. وقد وضع المخططون الاستراتيجيون في واشنطن عددا من الخطوط الحمراء التي يجب ألا تتجاوزها الولاياتالمتحدة في ظل التطورات الجديدة في اليمن في مقدمتها عدم الوقوع في فخ القاعدة بنشر قوات علي الأرض, فهو ما يريده التنظيم بالفعل لتوسيع نطاق شبكة الخصوم المسلحين المناوئين للسياسات الأمريكية, ويقول بروس ريدل خبير شئون الأمن القومي ومحاربة الإرهاب ان عملية انتقال صوماليين من بلادهم إلي اليمن عبر خليج عدن يجب ان توضع تحت الملاحظة أكثر, نظرا لان ابناء الصومال يرون في اليمن ملاذا آمنا وأحوالا معيشية افضل مما هو في وطنهم, وهو ما لاترصده واشنطن بشكل جدي في ضوء انتشار عناصر القاعدة في الاراضي الصومالية وربما يحتاج الأمر لطريقة تعامل مختلفة. والأمر الثاني عدم التورط بأي شكل في الصراع القبلي في مناطق شمال اليمن والبعد عن الصدامات في الجنوب لتجنب كسب اعداء جدد, كما ان هناك اصواتا تدعو إلي ضرورة التدخل بشكل حاسم عبر طرف ثالث للمساعدة في اعادة بناء الدولة اليمنية المهددة باخطار كثيرة منها النزعة الانفصالية والتمرد الشيعي في مناطق الحدود مع السعودية والبطالة المستشرية التي تصل اليوم إلي قرابة40%. ونتيجة السمعة غير الجيدة للولايات المتحدة في تجارب اعادة بناء الدول بعد نتائج التدخل في العراق وافغانستان يقول خبراء مقربون من الإدارة الأمريكية ان مجلس دول التعاون الخليجي هو الطرف الثالث الذي يمكن ان يلعب دورا مهما في اعادة الاستقرار إلي اليمن باعتبار بلدانه هي التي ستتأثر بشكل مباشر من الأوضاع المرشحة لمزيد من التدهور, ويمكن ان تطلب الولاياتالمتحدة في القريب العاجل من دول مجلس التعاون الخليجي ضخ استثمارات ودعم برامج التنمية في اليمن من فوائضها المالية. وكانت السعودية قد بادرت من تلقاء نفسها بالاعلان عن تقديم1,25 مليار دولار مساعدات لليمن في الوقت الذي تعهدت واشنطن برفع مساعداتها الاقتصادية إلي63 مليون دولار في العام الجاري, وتشير المعلومات إلي عدم قدرة اليمن علي استيعاب اكثر من20% من اجمالي3,7 مليار دولار تعهدت دولة مجلس التعاون بتقديمها في عام2006 لبرامج التنمية وذلك بسبب ضعف البنية التكنولوجية والفنية اللازمة لتوظيف تلك الاموال في مشروعات حيوية. من جانب آخر, تبدو الحكومة الأمريكية غير مستعدة في ظل الوضع الأمني الحالي لارسال المزيد من الدبلوماسيين وموظفي برامج التنمية إلي صنعاء رغم ان هذا الامر يكلف واشنطن فقدان مصادر عديدة للمعلومات علي الأرض في الوقت الذي تعيش البعثات الدبلوماسية في حالة من القلق منذ تفجيرات نوفمبر2008. وقد دأبت الولاياتالمتحدة في السنوات الأخيرة علي ارسال دبلوماسيين حديثي السن إلي صنعاء لتجنب ارسال اصحاب الخبرات برفقة اسرهم مما يمكن ان يهدد حياة تلك الأسر وبالتالي لايقدم الدبلوماسي حديث العهد بالشرق الأوسط وتشابكات مجتمعاته صورة دقيقة في البلد, وثبت ان العالمين ببواطن السياسة والمجتمع اليمني هم حفنة قليلة من الخبراء, وكان المتعارف عليه ان اليمن هي قبلة مهمة لدراسي اللغة العربية من الباحثين في شئون الشرق الأوسط والدبلوماسيين الأمريكيين في العقود الأخيرة. وبرغم ما ذكره جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الادني امام لجنة استماع بمجلس الشيوخ, يوم الاربعاء الماضي, من ان إجراءات ملاحقة اليمن للقاعدة تحسنت في الاسابيع الأخيرة, إلا ان خبراء يشككون في قدرة ادارة باراك أوباما علي اقناع القيادة اليمنية بمنح عمليات محاربة القاعدة اولوية قصوي من زاوية ان ما يهدد امن الولاياتالمتحدة لا يهدد اليمن بالضرورة. ومن جانبه, قال الباحث جريجوري جونسون من جامعة برنيستون امام اللجنة نفسها, ان اليمن يمكن ان يشهد الولادة الثانية لتنظيم القاعدة وان الولاياتالمتحدة تخسر الحرب الدعائية امام تنظيم غير معروفة ملامحه, كما اقر دانيال بنجامين منسق مكافحة الإرهاب بالخارجية الأمريكية بوجود اخطاء في السياسة الحالية منها عدم تغليب الجانب الابتكاري, في الاستراتيجية علي حساب الجانب التكتيكي الذي يهدف فقط إلي تحقيق هدف بعينه. ما يخشاه المراقبون في الدوائر الأمريكية هو ان تصنع واشنطن لنفسها فخا جديدا في منطقة خليج عدن يخصم من قوتها ويضيف لرصيد التطرف.