لم تفلح قمة العشرين في سول في إعادة المياه إلي مجاريها بين برلينوواشنطن فالخلاف بين البلدين حول الفائض التجاري الكبير لألمانيا من جهة و السياسة النقدية للولايات المتحدة من جهة أخري أكبر من أن تحله القمة . التي اصبحت وبشكل اكثر وضوحا منذ ان بدأ الإقتصاد العالمي في التعافي من الأزمة المالية والإقتصادية. مسرحا تدافع فيه كل دولة عن مصالحها الإقتصادية أكثر منه تجمعا يسعي لتحقيق المصلحة المشتركة لجميع اعضائه. بل أن مصادر قريبة من المستشارة الألمانية انجيلا ميركل شهدت' لقاء الصلح' بينها وبين الرئيس أوباما علي هامش قمة سول وصفت الأجواء بين الإثنين بأنها كانت باردة تمسكت خلالها ميركل بموقفها الرافض جملة وتفصيلا لمطلب واشنطن من المانيا والصين والدول ذات الفاض الكبير في ميزانها التجاري مع الولاياتالمتحدة تحجيم صادراتها و التركيز علي تشجيع الطلب الداخلي. واكدت ميركل أن هذا الطلب مرفوض سياسيا وغير مبرر إقتصاديا خاصة وأن زيادة الصادرات الالمانية كما تقول مرتبط بقدرةالمنتجات علي المنافسة في السوق العالمية وعلي الولاياتالمتحدة أن تحذو حذوها. ومن اللافت للنظر أن تصريحات ميركل الحادة سبقها سيل من الإنتقادات اللاذعة التي وجهها المسئولون الألمان للولايات المتحدةالأمريكية ولسياستها المالية قبل وأثناء وبعد قمة العشرين في سول فقد قوبل قرارواشنطن إنعاش إقتصادها من خلال إعادة شراء سندات خزانة طويلة الأجل بقيمة600 مليار دولار وإبقاء سعر الفائدة دون تغيير بإنتقادات المانية شديدة اللهجة بدرجة غير مسبوقة أو معتادة بين الحليفين الوثيقين بحيث إتهم وزير المالية شويبلة الإجراء الذي إتخذه البنك المركزي الأمريكي بأنه إنتهاك للإتفاقيات الدولية ويعني طباعة نقود غير مغطاة بأصول فعلية ما قد يسبب مشكلات جديدة للاسواق المالية العالمية ويؤدي إلي إختلال التوازن بين العملات وزيادة معدل التضخم الأمريكي وطالب شويبلة واشنطن حل مشكلاتها الإقتصادية بطرق اخري وإنعاش إقتصادها وخفض معدل البطالة. كما وصفت وسائل الإعلام الألمانية ميركل بأنها خرجت فائزة من قمة العشرين في حين خرج منها اوباما مهزوما بعدما فشل في إملاء السياسات الأمريكية علي المانيا وغيرها من الدول كما هو معتاد في السبق وكأن الحديث يدور هنا عن خصمين لدودين. وعلي النقيض تماما من هذا الهجوم الألماني علي واشنطن كان الثناء الشديد علي الصين وهو ما إعتبره المراقبون دليلا جديدا علي السياسة البراجماتية للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل والتي تضع مصلحة المانيا اولا. فقد اشادت ميركل بالصين ووصفتها بأنها شريك يعتمد عليه في إستقرار منطقة اليورو ودعم دول مثل اليونان والبرتغال مشيدة بإهتمام المسئولين الصينيين بزيارةهاتين الدولتين واشادت بالطبع بالنمو المزدهر في العلاقات التجارية بين بكينوبرلين في حين لم توجه ميركل الإنتقادات المعهودة لبكين وتطالبها بإعادة تقييم عملتها. ويبدو الموقف الألماني مفهوما نظرا للنمو المتسارع الذي تشهده العلاقات بين البلدين حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما المائة مليار يورو عام2010 كما أن المستشارة في زيارتها الأخيرة للصين تعاقدت علي صفقات بالمليارات كما تصدر المانيا من السيارات إلي الصين أكثر مما تبيع في سوقها المحلية. فالطلب الصيني ينعش الإقتصاد الألماني المعتمد كلية تقريبا علي التصدير مما ساعدالمانيا علي تحقيق فائض في صادراتها عام2010 يبلغ6% من إجمالي ناتجها المحلي. لذا ومن أجل عيون الصين تهاجم ميركل واشنطن وتدافع بشدة عن سياسة التصدير الألمانية بل وتدافع في قمة سول عن مصلحة المانيا اولا والمتمثلة في مساهمة اكبر للمصارف في تحمل تكاليف الأزمات المالية في المستقبل حتي لا تتعرض لضغوط داخلية عندما تقرر وضع برامج للتحفيز الإقتصادي يتحملها دافع الضرائب الألماني إضافة إلي تشديد الرقابة علي الأنشطة الإستثمارية عالية المخاطر للمصارف والرقابة علي وكالات التصنيف الإئتماني. إضافة إلي أهم مطلب وهو إنعاش الإقتصاد العالمي من خلال إزالة العوائق التجارية وفتح الاسواق بالطبع امام الصادرات الألمانية والتحذير من إتباع السياسات الحمائية في رسالة صريحة للولايات المتحدةالأمريكية غير ان الخبراء الإقتصاديين يحذرون المستشارة انجيلا ميركل وحكومتها من تجاهل الانتقادات الموجهة لطوفان الصادرات الألمانية وهي انتقادات خرجت ايضا من داخل منطقة اليورو ومن فرنسا علي وجه الخصوص وتطالب برلين ايضا بالإستجابة لمطالب العاملين والنقابات بزيادة الأجور وتحفيز الطلب الداخلي الألماني بدلا من التركيز علي التصدير وحده. ويري المنتقدون أن هذا الفائض الضخم في اموال التصدير الألمانية يهدد إستقرار الوحدة النقدية الأوروبية وقد يسهم بشكل غير مباشر في ازمة مالية جديدة لأنه بدأ يوجه بالفعل للإستثمار في الاسواق المالية وفي قطاع القروض الإئتمانية عالية المخاطر لتحقيق اعلي عائد وربما يساهم بذلك في فقاعة مالية جديدة.