منذ أيام, وتحديدا يوم الاثنين الماضي8 نوفمبر نشر موقع لوس أنجلوس تايمز موضوعا لمراسل الجريدة عمرو حسن بعنوان مصر: العدوي الفيروسية الكبدية سي تصل لأرقام تنذر بالخطر. وقد اعتمد المراسل في قسم كبير من الموضوع علي تصريحات باحث أمريكي افترض مؤخرا في دراسة له أن معدل الإصابة السنوية لفيروس سي في مصر يتعدي نصف مليون حالة سنويا.. الدراسة التي نشرها الدكتور دي ولف ميلر أستاذ علم الأوبئة والصحة العامة بمستشفي جون برنز التعليمي بجامعة هاواي في منتصف أغسطس الماضي بمجلة الأكاديمية الأمريكية للعلومPNAS هي بمثابة تحليل وتجميع لأبحاث مصرية نشرت منذ التسعينات حتي اليوم عن عدوي فيروس سي في مصر, إلا أنها لم تشر من قريب أو بعيد لمعدل الإصابة الذي افترضه ميلر, حيث لاتتجاوز تقديراتها100 ألف حالة سنويا.. ومن المنطقي بعد قراءة هذا الموضوع اعتبار الأمر قضية محلية تم رصدها دوليا عبر تصريحات باحث أمريكي تصدر اسمه القسم الأهم من الموضوع, خاصة أن ما توصل إليه ميلر يثير الكثير من الجدل والتحفظ بين العلماء, إلا أن ما لفت انتباهي, تعليق الدكتور ميلر الإضافي والذي شارك به هذه المرة كقارئ لموضوع لوس أنجلوس تايمز, حيث ذكر أن العدوي الفيروسية في مصر والتي تعد الأعلي انتشارا بين دول العالم, والي احتمالية تحول العدوي لوباء, والي أهمية الحد من العدوي خاصة في ظل عدم توافر تطعيم ضد فيروس سي.. ثم كتب بالنص: أصدقائي وزملائي بمصر يقومون بعمل جليل لعلاج مرضي الفيروسات الكبدية والحد من العدوي. ورغم ذلك, مصر في حاجة للمزيد من الموارد للحد من انتشار العدوي الفيروسية, وهذه مهمتي. ميلر والأهرام الدكتور ميلر يقدم نفسه إعلاميا علي موقع لوس أنجلوس تايمز علي أنه سيتولي دعم الموارد للحد من العدوي الفيروسية في مصر.. هذا الأمر في ظاهره مبادرة كريمة من باحث أمريكي يجب علي مصر الاستفادة منها, لكن هذا الأمر سجلنا عليه ملاحظات في صفحة طب وعلوم في2 نوفمبر الماضي, بعنوان باحث أمريكي يجمع التبرعات علي الإنترنت لمكافحة فيروس سي في مصر دون علم وزارة الصحة.. وأثار ذلك الموضوع قدرا من الاستياء وردود الفعل المتباينة من قبل الدكتور ميلر وبعض أصدقائه في مصر.. فللباحث الأمريكي موقع علي الإنترنت تابع لجامعة هاواي يعلن من خلاله عن حملة لجمع التبرعات لدعم مشروعه للحد من العدوي الفيروسية في مصر. كما يستشهد ميلر أن مشروعه قد تم مراجعته والموافقة عليه من قبل وزارة الصحة المصرية.. تلك كانت النقطة المحورية التي أردت التحقق منها من قبل وزارة الصحة واللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية, وكانت المفاجأة تأكيد الدكتور نصر السيد وكيل وزارة الصحة أن الوزارة لم تتعاون مع دكتور ميلر ولم يعرض عليها أي مشروعات, بل علي العكس طالبت وزارة الصحة واللجنة القومية جامعة هاواي بإغلاق موقع التبرعات الذي يرعاه الدكتور ميلر وبأنها ستلاحقه قانونيا إذا لم يكف عن هذا العمل. رسائل بلا وثائق في مساء2 نوفمبر, تلقيت مكالمة هاتفية من الدكتور ميلر من الولاياتالمتحدة, عاتبني فيها علي ما نشر بالأهرام ثم حكي أنه مضطهد من بعض أساتذة الكبد لأنه يقول الحقيقة ويحاول مساعدة المصريين.. بعد دقائق من الاستماع له, تبين لي أن الباحث الأمريكي لم يقرأ ما كتبت فقد ادعي أنني أهاجمه, في حين اننا لم نشكك أبدا في قدراته العلمية, وكل ما قمنا به هو نقل ردود الجهات الرسمية علي ما ينشره علي الإنترنت, مع التحفظ علي أرقام الإصابة بالفيروس سنويا في مصر.. والتزاما بحق الرد, طلبنا منه الاستعانة بأصدقائه كي يترجموا له الموضوع وأن يرد بالوثائق والمستندات علي النقاط الخلافية التي ذكرت ومنها: - هل فعلا قدم مشروعه لوزارة الصحة المصرية التي راجعته واعتمدته كما يدعي علي الإنترنت؟ - هل وزارة الصحة تدعم أو حتي علي علم بحملة التبرعات التي يجمعها باسم مصر؟ من أين استقي فرضيته أن معدل الإصابة السنوية بفيروس سي يقدر بنحو نصف مليون حالة سنويا, علما أنه في دراسته يعتمد في الأصل علي تحليل بيانات أبحاث مصرية سابقة لم تضع أي منها هذه الفرضية؟ انتهت المكالمة بيننا, وفي صباح اليوم التالي تلقيت رسالة الكترونية من دكتور ميلر لا تحمل أي وثائق أو معلومات قيمة, حيث زج بأسماء الكثير من الشخصيات العامة في مجالي السياحة والطب, وطالبني بالاتصال بهم كي يذكروا الخدمات الجليلة التي يقوم بها ميلر لمصر!!, كما ذكر بعض الحكايات عن حصوله علي موافقة شفهية علي مشروعه خلال عشاء مع بعض الشخصيات العامة. وفيما يتعلق بدراسته أخذ يؤكد أن المجلة التي نشرت دراسته تعد من المجلات الدولية التي تنشر الدراسات القيمة. لم تشفع إجاباته بشكل شاف في الرد علي السؤالين الأساسيين في موضوعنا, فأكدت له مرة أخري أن تكون إجاباته مدعمة بالوثائق, لكن انتظرت يومين دون رد, وفي يوم4 نوفمبر راسلته مرة ثانية, فلم أتلق منه حتي الآن أي رد. خطابات هاواي خلال هذه الأيام, حصلت علي مجموعة من الرسائل المتبادلة بين جامعة هاواي واللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية والتي تطالب جامعة هاواي بضرورة إغلاق الموقع, وإلا سيتم ملاحقة الدكتور ميلر قانونيا لقيامه بجمع التبرعات باسم مصر دون الرجوع للجهات الرسمية, والدكتور ميلر تراجع وأزال حملات التبرع من الموقع في بادئ الأمر, حين وجد الهجوم ينصب عليه من كل جهة, ثم أعادها بعد فترة, إلا أن اللجنة القومية عادت من جديد أواخر أغسطس الماضي وطالبت الجامعة بإغلاق الموقع. لماذا ميلر تحديدا؟ قد يتبادر للذهن أن ميلر مضطهد كونه باحثا أجنبيا يريد العمل في مصر, لكن هناك الكثير من الباحثين الأجانب الذين يعملون في مصر, حتي ميلر نفسه عمل من منتصف السبعينات حتي أواخر الثمانينات في أبحاث البلهارسيا, وهذه الأيام مثلا بدأت المشروعات البحثية الدولية للحد من عدوي الالتهاب الكبدي سي في مصر, من خلال مشروعين ممولين من قبل الاتحاد الأوروبي بقيمة6 ملايين يورو لهذا الغرض حتي عام2013 ويشارك بهما علماء من21 مركز بحثيا عالميا في مجال أمراض الكبد مثل معهد انسيرم و معهد باستير بفرنسا, والذان يعدان من أهم الجهات الدولية التي تتعاون مع مصر في مجال أبحاث الفيروسات الكبدية طوال السنوات الثماني الأخيرة, وقد سألت الدكتور أرنود فونتاني مدير الأبحاث بمعهد باستير عن رأيه في دراسة دكتور ميلر التي نشرها مؤخرا, فأكد أن معدل الإصابة السنوي لفيروس سي في مصر الذي افترضه دكتور ميلر مبالغ فيه بشكل كبير يصل لثلاثة أو أربعة أضعاف الواقع. الي جانب ذلك, هناك مشاركات بحثية مع علماء من جامعتي امبريال وبرمنجهام بانجلترا وجامعتي كولن وميونخ بألمانيا وجامعتي لوزان وجنيف بسويسرا وعدة جامعات ومراكز دولية مرموقة كلها تتعاون مع علماء من الجامعات والمراكز البحثية المصرية ووزارة الصحة للوصول لنتائج بحثية مهمة تحد من العدوي الكبدية. أضف الي ذلك, المشروعات البحثية التي يمولها صندوق العلوم والتكنولوجيا التابع لمجلس الوزراء في مجال الفيروسات الكبدية والمشاريع البحثية لوحدة أبحاث الكبد بوزارة الصحة التي تعاونت مع جهات بحثية عالمية لتأسيس معمل تحاليل مرجعي للفيروسات الكبدية وتحديد سلالات الفيروسات الكبدية المختلفة وتشخيصها ورصد ارتباطها بمضاعفات المرض وسبل الاستجابة للعلاج وأبحاث الجامعة الأمريكية بمصر والتي توصل علماؤها لابتكار وسيلة تشخيصية سريعة وعملية للكشف عن فيروس سي في الدم, ونشاط اللجنة القومية للحد من العدوي الفيروسية الكبدية والتي تتعاون مع هيئات دولية عديدة لنشر الوعي بالمرض وسبل انتقال العدوي.. من بين كل هذه المشروعات التي تتشابك بها الجهات التنفيذية والجامعات والمراكز البحثية المحلية والدولية لماذا يمكن اضطهاد دكتور ميلر بالتحديد خاصة إذا كان لديه مساهمات علمية تنقذ مصر من العدوي الكبدية الفيروسية؟؟ كما أنني لا أفهم ما فعله دكتور ميلر, ففي الوقت الذي سعي أصدقاؤه بمصر لتحسين صورته, تجنب هو الرد علي الأهرام أو إرسال أي وثائق تدعم موقفه أمام المجتمع المصري وظهر علي الفضاء الإلكتروني لصحيفة لوس أنجلوس تايمز يدعو لمهمته بدعم الموارد لمصر للحد من العدوي الفيروسية الكبدية؟.