إذا كان المجلس القومي للأجور قرر اعتماد مبلغ400 جنيه كحد أدني للأجور ورفضه اتحاد العمال مطالبا بأن يكون الحد الأدني للعامل بدون مؤهل500 جنيه. والعامل بمؤهل متوسط700 جنيه والعامل بمؤهل عال1000 جنيه, كما طالب إتحاد المستثمرين المجلس الأعلي للأجور. بضرورة رفع الحد الأدني للأجور إلي600 جنيه للعامل في بداية التعيين في مؤسسات وشركات القطاع الخاص والحكومة وقطاع الأعمال لأن هذا الرقم يمثل الحد الأدني الذي يجب أن يبدأ به العامل منذ دخوله سوق العمل, في حين أن محمد فريد خميس رئيس اتحاد المستثمرين أوضح أن رفع الحد الأدني للأجور للعامل المصري سيكون بمثابة خطوة في سبيل تقوية التماسك الاجتماعي.. و قد اجتمع عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية مع عائشة عبدالهادي وزيرة القوي العاملة وحسين مجاور رئيس اتحاد عمال مصر في مقر اتحاد عمال مصر لمناقشة اعتراض العمال المصريين علي قرار المجلس القومي للأجور بتحديد400 جنيه كحد أدني للأجر. وهذا الجدل الواسع الذي أثارته هذه القضية الحياتية المهمة التي تمس25 مليون عامل في مصر استلزم استطلاع أراء خبراء الإقتصاد عن الحد الأدني للأجور الذي يضمن للمواطن علي جميع مستوياته حياة كريمة. في البداية يوضح د.حماد عبد الله حماد عضو اللجنة الإقتصادية بأمانة السياسات أن هناك إختلافات في وجهات النظر بين الحكومة والمستثمرين يتمثل في أن المجلس الأعلي للأجور حدد الحد الأدني للأجور ب400 جنية علي أساس قيمة السلعة وهذا بالنسبة لمن يدخل سوق العمل لأول مرة, في حين أن إتحاد المستثمرين رأي أنه لا يوجد عامل يحصل علي400 جنيه في الشهر, فعلي سبيل المثال إذا نزلنا للشارع وطلبنا من أي عامل بناء أن يأتي ليرفع بعض مواد البناء أو مخلفاته يطلب اكثر من30 جنيها يوميا أي900 جنيه في الشهر علي الاقل, والمقصود بهذا أنه يجب أن يكون هناك حد أدني لأجر العامل المصري يحفظ له كرامته فلا يمكن ان يكون هناك شخص تخرج من أحد المعاهد المتوسطة يمكنه العيش بأقل من800 أو1000 جنيه. وجاء الخلاف بين وزيرة القوي العاملة ووزير التنمية الإقتصادية نتيجة أن المجلس الأعلي للأجور حينما قرر تحديد الحد الأدني إتخذ هذا في غياب أطرافه والتي تتمثل في العامل وصاحب العمل والحكومة, فإذا إجتمع المجلس الأعلي للأجور بدون وجود القوي العاملة يكون الأمر ناقصا وغير متكامل, ولكن رئيس الجمهمورية أمر بأن يترك هذا الأمر إلي ما بعد الإنتخابات وأن يناقش في المؤتمر السابع بعد الإنتخابات في25 ديسمبر القادم. د.يمن الحماقي رئيس قسم الإقتصاد كلية التجارة جامعة عين شمس ووكيل اللجنة الإقتصادية بمجلس الشوري تري أن وضع حد أدني للأجور له أبعاد متداخلة سواء إقتصادية أوإجتماعية, يجب أن يراعي فيه متطلبات هذا الحد الأدني والتحديات التي يجب مواجهتها فإذا تم وضع حد أدني للأجور أعلي من إنتاجية العامل فلن يحدث توظيف في المجتمع مما يزيد معدل البطالة, هذا تحد لابد من مواجهته فيجب أن تكون إنتاجية العامل أعلي من الأجر, أما التحدي الثاني فيظهر في توفير مستوي المعيشة اللائق للعامل وفقا لتوجهات منظمة العمل الدولية. فالبعد الإقتصادي يتطلب بشكل كبير تحقيق التوازن بين الأجور والإنتاجية وإذا لم يتم هذا التوازن فسوف ترتفع معدلات البطالة ويزيد التضخم, فهناك علاقة توازن يجب أن تتم ما بين الأجور والإنتاجية فإذا لم نحقق هذا التوازن بينهما تنتج مخاطر إقتصادية عدة منها عدم التوظيف' البطالة', و'التضخم' نتيجة تزايد النقود دون زيادة في الإنتاج, وينعكس هذا علي إرتفاع الأسعار, وتجدر الإشارة إلي أن90 مليار جنيه خرجت هذا العام من الموازنة للأجور وأمام هذا المبلغ الكبير لا توجد الإنتاجية التي تعادله. أما البعد الإجتماعي فهو أن تتحقق للعامل حياة لائقة ولابد أن تتكاتف الجهود لتحقيق هذا, ولا يقف الأمر علي الجهود التي تقوم بها الحكومة فقط مثل تحسين التعليم خاصة التعليم الفني بالإضافة إلي جهود نقابات العمال التي لابد أن تهتم بتوجيه وتوعية وتدريب العمال, ولا تكتفي فقط بالمطالبة بإرتفاع الحد الأدني للأجور, صحيح أن المناداة بحقوق العمال حق أصيل لها لكن أمام ذلك نجد أن النقابات التي نجحت في دول العالم هي النقابات التي حققت التوازن بين مصلحة العمال ومصلحة أصحاب الأعمال والأموال. في حين أن أصحاب الأعمال في مصر لديهم فرص عمل متوافرة ولكنهم لايجدون العمال المناسبين لها, والعكس صحيح فهناك عمال لا يجدون فرص عمل في حدود مهاراتهم وإمكانياتهم, ولذا فقد ظهر نوع من الخلل بين العرض والطلب, وأصبح من الضروري والمحتم رفع مهارة العامل بما يتناسب مع فرص العمل المطروحة وهذا يستدعي تطويرمراكز التدريب المتوفرة في جميع المحافظات, كما أن سوق العمل في حاجة إلي جهات وسيطة توجه العاطلين إلي فرص العمل المتاحة وتتولي تدريبهم عليها وهذا يتطلب التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. وتشير د.يمن الحماقي إلي التجربة الآسيوية في التنمية التي حققت ما يشبه المعجزة الإقتصادية في التنمية من خلال التوازن بين مصلحة العمال وأصحاب الأعمال, وتضيف أنه يجب أن تكون هناك تلك الحركة التي تدافع عن حقوق العمال داخل كل منشأة بإستمرار بحيث تكون هناك مناقشات بين تحقيق المصلحتين وتشجيع العامل الذي يسعي إلي زيادة إنتاجيته سوف يحصل علي عديد من المزايا سواء في رفع الأجر أو فرص لأبنائه أو مساعدته في حياته وغيرها, فالمصالح التي يحصل عليها العامل مرتبطة بأن إنتاجه يزيد حتي يتحقق التوازن بينهما وتحقيق مصلحة الطرفين لتجنب التضخم والبطالة كذلك من الممارسات الإدارية للنقابات العمالية الواعية علي مستوي العالم أنه هناك توافقا دائما بين جميع الأطراف في مواجهة الأحداث والأزمات حيث تلعب النقابات دورا مهما فيها, فمثلا إذا أراد النظام الرأسمالي أن يقلل تكلفة العمال يقوم الإستغناء عن بعضهم وهنا تتدخل النقابة لمساندتهم والدفاع عنهم وتنصحهم بالمرونة والقبول بتخفيض الأجور حتي تمر الأزمة ويتم تعويضهم وهكذا, هناك ثقة بين الطرفين, ولكن المشكلة لدينا أننا نتعامل في صراعات ومعارك وهذا الأسلوب لا يصل بنا إلي التنمية, بل أن كل قضايا المجتمع تتحول إلي صراعات ضد مصلحة المجتمع ولا تحقق الأهداف المرجوة وإذا عقدنا مقارنة بين بريطانيا وفرنسا في الأزمة المالية نجد أن بريطانيا أخذت مبكرا إتجاه التوافق والتقشف حتي تخرج من عنق الزجاجة, أما فرنسا فقد خسرت مليارات اليورو نتيجة رفع المعاشات والإضرابات التي حدثت, ونتج هذا بسبب عدم وجود خطة لمواجهة الأزمات وكان من المصلحة وضع سياسات حازمة تصل بها إلي إدارة الأزمة بشكل أكثر نجاحا, وبالنسبة لمصر فالأمر يتطلب أن يصل بنا الحوار إلي نقطة التوافق, ومناقشة كيف يمكن رفع كفاءة العامل بحيث يحصل علي أكثر من400 جنيه. ويشير د.سمير مكاري أستاذ الإقتصاد بالجامعة الأمريكية إلي أنه كلما زاد الأجر بدون أن يقابله زيادة في الإنتاج يؤدي هذا إلي إرتفاع في الأسعار وبالتالي كل زيادة في الدخل لن تؤدي إلي إرتفاع مستوي المعيشة, وكل المحاولات التي تمت في أي دولة من دول العالم عندما رفعت الأجور دون رفع الإنتاج أدي هذا إلي التضخم. ووضع الحد الأدني للأجور سيظل محل خلاف بإستمرار لأنه قد يخاطب حد الفقر أو المستوي المتوسط للمعيشة, ومن الممكن أن يكون الحد الأدني أعلي من خط الفقر ويدخل فيه جوانب إجتماعية والدعم لكن هناك من يعارض أن يحصل العمال علي400 جنيه و200 جنيه أخري من خلال الدعم لذا لابد أن يرتبط الحد الأدني للأجر بحدود خط الفقر التي تعكس مستوي المعيشة للمجتمع ووفقا لتعريف البنك الدولي لخط الفقر بأن يكون أجر المواطن دولارا واحدا في اليوم أي ما يعادل خمسة جنيهات ونصف في اليوم, أما تعريف وزارة التنمية الإقتصادية فهو أن يحصل المواطن علي جنيهين فقط في اليوم أي720 جنيها في السنة للفرد, وذلك علي أساس أن تعريف البنك الدولي تم وضعه وفقا لتكلفة المعيشة والأسعار العالمية, ويري أن الحد الأدني للأجور يجب ألا يقل عن800 جنيه في الشهر لكن مع ربطه بزيادة الإنتاج حتي تتحقق الأهداف المرجوة من رفع مستوي معيشة العامل المصري.