زيارة البيت الحرام تثير في النفس المشاعر, وتحرك في القلب الخواطر, فها هي الجموع المحتشدة حول الكعبة المشرفة ما بين طائف وراكع وساجد, وما بين متعلق باستار الكعبة يناجي ربه ويبثه همومه واحزانه, ويرفع اليه شكواه ويسأله حسنة الدنيا والآخرة. هذه الجموع وقد توحدت مشاعرهم رغم اختلاف ألسنتهم وألوانهم, صورة مجسمة لقول الله تعالي:( ومن اياته خلق السماوات والارض واختلاف السنتكم وألوانكم)[ الروم: من الآية22], وبرغم هذا الاختلاف في اللون واللغة فان هذه الجموع قد جمعها رب العالمين في موقف واحد تعلن فيه ولائها لخالقها, وأن دعوة ابراهيم قد بلغت الافاق, وأن دين محمد صلي الله عليه وسلم قد انتشر بين الناس اجمعين فرحة غامرة تنهمر من فرطها الدموع, لكن سرعان ما نفيق من كل ذلك علي واقع المسلمين الأليم هذه الجموع التي تجمعها عقيدة واحدة, وعيادة واحدة, ويضمهم مكان واحد هو بيت الله الحرام, إذا بها تعيش في دنيا الناس مفككة الأوصال, ممزقة الروابط, فالمسلمون اليوم يعيشون في العالم لا يلتقون علي كلمة واحدة لكل وجهة, ولكل هدف, ولكل ثقافة, ولكل فكر لايشعر مسلم بألام أخيه المسلم, فالمسلمون الوان فيهم الذليل المستضعف الذي يلاقي الذل والهوان من اعداء الاسلام, ويشكو فلا يسمع أحد شكواه, وفيهم الفقير الجائع, الذي يغرفاه انتظارا للقمة يسد بها جوعته, وفيهم المترف الناعم الذي أصابته التخمة, كل هذا وأكثر قائم بين المسلمين, وما كان هذا ليكون لو ان المسلمين يعيشون إسلامهم واقعا في الحياة كما يعيشونه شعيرة وعبادة ونسكا حول البيت الحرام. لماذا لا تتوحد الكلمة والوجهة في دنيا السياسة عملا بقول الله:( إنما المؤمنون إخوة)[ الحجرات: من الاية10] كما كنا قبل ذلك نعيش ديننا واحدة في المشاعر وفي السلوك وفي الفكر والثقافة والسياسة, كما هو الشأن في المناسك والعبادات؟ إن توهين رابطة العقيدة بين المسلمين وحصرها في نطاق العبادة بدعوي ان الدين مجاله الشعائر والعبادات فحسب, وان مواجهة الحياة لها مطالبها ونظامها هو الذي فرق كلمتنا, وبعثر صفوفنا, وجعل مشاعرنا تتبلد فلا نعيش هموم غيرنا من إخواننا في العقيدة والدين, وما أجمل قول أمير الشعراء أحمد شوقي: إذا زرت بعد البيت قبر محمد وقبلت مثوي الاعظم العطرات فقل لرسول الله ياخير مرسل أبثك ما تدري من الحسرات شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات واشرق نور تحت كل تنية وضاع اريج تحت كل حصاة