أمين عام حزب الاتحاد: الحوار هو الحل الوحيد لأزمة الإيجار القديم    مصر تعيد استكشاف الفضاء وتطوير البنية التحتية للأقمار الصناعية    تعاون بين «البحيرة» و «الروتاري» لإقامة مدرسة تعليم فني صناعي    انطلاق مبادرة «التدريب من أجل التشغيل» بالإسماعيلية    البنك المركزي:1.27 تريليون جنيه حجم النقود المتداولة في السوق    مصير جثمان يحيي السنوار بعد احتجازه لدى إسرائيل    غارة إسرائيلية جديدة تستهدف الشويفات بالضاحية الجنوبية للبنان    جدل بشأن دخول كوريا الشمالية على خط الصراع الروسي الأوكراني.. وفرنسا تحذر    ملخص وأهداف مباراة توتنهام ضد وست هام في الدوري الإنجليزي    دبلوماسية أمريكية سابقة: استهداف منزل «نتنياهو» رسالة من حزب الله لإسرائيل    جدول مباريات سموحة في الدوري المصري الممتاز    تصنيف منتخب مصر الجديد في فيفا.. مفاجأة ل حسام حسن في الترتيب    براءة إمام عاشور من تهمة التعدي على فرد أمن في الشيخ زايد    حالة الطقس غدا.. «الأرصاد» تكشف عن سقوط أمطار غزيرة بهذه المناطق    «الداخلية»: ضبط لص متخصص في سرقة عدادات المياه بالقاهرة    تامر حسني بعد وقف حفله بالإسكندرية بسبب الإغماء: «واثق إنه غير مقصود»    آية سماحة تنشر صورة نادرة رفقة شقيقتها وتوجه لها رسالة في عيد ميلادها    خبير: لقاء الرئيس السيسى مع أعضاء مجلسى الكونجرس يوحد المواقف الإقليمية    جيش الاحتلال: مقتل جنديين وإصابة ضابطين بجروح خطيرة في معارك بشمال قطاع غزة    محمد أنور يكشف تفاصيل أخطر مشهد خلال تصوير مسلسل ديبو    أمين «البحوث الإسلامية»: شرف العمل الدعوي يتطلب الإخلاص    تكريم 300 طفل وطفلة.. مسيرة حاشدة لحفظة القرآن الكريم بالمنيا | صور    تقديم 125 مليون خدمة طبية بحملة 100 يوم صحة حتى الآن    نائباً عن السيسي.. وزير الأوقاف يصل إندونيسيا للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد    "الستات مايعرفوش يكدبوا" يرصد مواصلة حياة كريمة تقديم خدماتها للعام الخامس    استعدوا لتقلبات حادة في الطقس.. أمطار تضرب هذه المناطق خلال ساعات وتحذيرات عاجلة    رمضان عبد المعز: أعظم نعمة من ربنا على الإنسان الإيمان ثم العافية    المؤبد و المشدد 15 سنة لشخصين تاجرا في المواد المخدرة بالخانكة    في تصنيف QS Arab Region.."طنطا"تحتل المركز 78 من بين 246 جامعة مصنفة    وزير الشباب يضع حجر الأساس للمدرسة الرياضية الدولية بالمركز الدولي للتنمية بالغردقة    رئيس مركز باريس بالوادي الجديد يوجه بانشاء رامب لخدمة المرضى    وزير الكهرباء: من طلبوا تركيب العداد الكودي قبل شهر أغسطس ليسوا مخالفين    مدبولي: استثمارات العام المقبل موجهة ل«حياة كريمة»    حكم قضائي جديد ضد "سائق أوبر" في قضية "فتاة التجمع"    الاتحاد الأوروبي: اغتيال السنوار يزيد فرص وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    وزيرة التنمية المحلية: النهوض بموظفي المحليات ورفع مهاراتهم لجذب الاستثمارات    المشاط تلتقي المدير الإقليمي للبنك الدولي لمناقشة تطورات المشروعات والبرامج الجاري تنفيذها    رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي    "صناع الخير" تدعم صحة أطفال مدارس زفتى في حملة "إيد واحدة لمصر"    عميد طب الأزهر بأسيوط: الإخلاص والعمل بروح الفريق سر نجاحنا وتألقنا في المنظومة الصحية    جهاز العاشر من رمضان يطرح قطعة أرض ومحطة تموين سيارات في مزاد علني    فعاليات فنية عن تاريخ مصر الفرعوني والثقافي ببوليفيا    بيولي: حققنا الأهم أمام الشباب.. ولا نملك الوقت للراحة    مدبولي: تطوير مستشفيات المنيا قبل الانضمام لمنظومة التأمين الصحي الشامل    بقصد الاستثمار بالبورصة.. التحقيق مع موظف بالنصب على مواطن في الشيخ زايد    «آثار أبوسمبل» تستعد للاحتفال بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني    «الداخلية»: ضبط تشكيل عصابي تخصص في تقليد العملات وترويجها    تعرف على قيمة الجوائز المالية لبطولة كأس السوبر المصري للأبطال    التصرف الشرعي لمسافر أدرك صلاة الجماعة خلف إمام يصلي 4 ركعات    تشكيل اتحاد جدة المتوقع أمام القادسية.. بنزيما يقود الهجوم    لأول مرة.. فيرجسون يكشف سر رحيله عن مانشستر يونايتد    تطورات جديدة بشأن مستقبل جافي مع برشلونة    مات بطل| تعليق الإعلامي عمرو أديب على مشهد نهاية السنوار    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    جميل عفيفي: تطابق وجهات النظر المصرية والسعودية في كل قضايا المنطقة    تامر عاشور ومدحت صالح.. تفاصيل الليلة الثامنة من فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    أفضل 7 أدعية قبل النوم.. تغفر ذنوبك وتحميك من كل شر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توحش سطوة الاحتكارات‏..‏ومخاطر تخفيض الجنيه
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 10 - 2010

مع جنون الطماطم وأخواتها وأقاربها تفجرت عديد من القضايا الاقتصادية الساخنة والملتهبة قد يكون أهمها وأشدها خطورة جنون الممارسات الاحتكارية وانفلاتها. في غياب كل صور الردع والملاحقة الواجبة حيث أثبتت الأحداث القدرة اللامتناهية للاحتكارات في كل قطاعات الاقتصاد المصري لأن تصنع ما تشاء وقتما تشاء بمعني قدرتها الفائقة علي صناعة الأزمة وقدرتها علي تصعيدها وتأجيج نيرانها الحارقة‏,‏ وكأن القانون في إجازة طويلة وكأن الأجهزة والوزارات المسئولة والمختصة أصيبت بمرض عضال يشل قدرتها علي التفكير والحركة والمواجهة أو بالأصح كأن الاحتكارات قد توحشت واستفحلت شرورها حتي أصبحت تملك من النفوذ والسلطان ما يتيح لها أن تستقوي علي النظام العام إلي حدود أن يخرج رئيس شركة السويس للأسمنت وهي شركة وطنية سابقا تمت خصخصتها بالبيع لشركة أجنبية ليعلن أن الحكم القضائي الذي صدر ضد احتكارات الأسمنت هو حكم سياسي وليس جنائيا في تعليق له علي تأييد محكمة النقض التي هي أعلي سلطة قضائية لحكم الاستئناف الصادر بفرض‏10‏ ملايين جنيه غرامة علي المسئولين بشركات الأسمنت لثبوت الممارسة الاحتكارية الضارة عليهم ووصل مجموع الغرامات المالية إلي‏200‏ مليون جنيه تم سدادها ومازالت الممارسات الاحتكارية قائمة ومستمرة‏.‏
وترصد حيثيات حكم محكمة النقض بشاعة الممارسات الاحتكارية في صناعة الأسمنت وتعديها الفج علي حقوق المستهلك والمجتمع والوطن والتي تأكد معها للمحكمة أن العقوبة المالية فقط ليست رادعة مما دعاها لتنبيه المشرع بأن يفطن لذلك مما يستوجب التشديد ورفع عقوبة هذا الجرم إلي مرتبة الجنايات لكي تكون أكثر ردعا واصلاحا‏,‏ وهي حيثيات تكشف عن قصور قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بصورته القائمة حاليا وعدم قدرته علي مواجهة الاحتكارات العاتية وممارساتها الفاسدة وما تلحقه بالاقتصاد من أضرار فتاكة لا يصلحها غرامات مالية للمسئولين عنها بل يصلحها ويقومها أحكام رادعة بالسجن ويرجع ذلك إلي بشاعة ما تم ارتكابه بمعايير اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية القائم أساسا علي المنافسة الكاملة والقضاء البات علي الاحتكار لأضراره الفتاكة بحقوق ومصالح المستهلك والاقتصاد‏.‏
نموذج احتكارات الأسمنت وضرورة التأثيم الجنائي
وقد تضمنت حيثيات الحكم الأصلي ما يزعج ويقلق الدولة والنظام والحكومة والمجتمع مع إشارته بوضوح تام إلي ثبوت الاتفاق بين كبار المسئولين في شركات الأسمنت المتهمة علي رفع الأسعار بكل ما يعنيه من فرض السعر الأعلي بغض النظر عن التكلفة بهدف تحقيق الأرباح الكبيرة والوفيرة بغير سند أو أساس من حسابات الاقتصاد وتقديرات معاملاته وهوامش أرباحه الواجبة الاحترام‏,‏ حيث رصدت محكمة النقض أن تكلفة الطن لا تتجاوز‏150‏ جنيها‏,‏ ومع ذلك فإن شركات الأسمنت اتفقت فيما بينها علي بيعه بسعر يجاوز‏400‏ جنيه للطن‏,‏ ويثبت الواقع الفعلي وقت توجيه التهمة أن الاحتكارات تمكنت من رفع سعر طن الأسمنت لأكثر من‏700‏ جنيه وأنه كاد يلامس سقف ال‏800‏ جنيه في هجمة احتكارية شرسة تصل إلي حدود السرقة العلنية لحقوق المستهلكين هددت قطاع التشييد والبناء بالتوقف وفرضت موجة من المغالاة المروعة في أثمان العقارات جعلت من الحق في السكن حقا بعيد المنال‏.‏
كما رصدت حيثيات الحكم ضد محتكري الأسمنت ما يعد من التصرفات والسلوكيات شديدة الضرر باقتصادات السوق والحرية الاقتصادية بمفهوم أعتي الدول الرأسمالية‏,‏ حيث رصدت الاتفاق علي تقييد الحصص السوقية لكل شركة مما تسبب في ارتفاع سعر الأسمنت بالسوق ويعني ذلك الاتفاق علي تعطيش السوق بالتحكم في الكمية المعروضة من الأسمنت يصنع فجوة بين العرض والطلب ويتسبب في فرض السعر الأعلي علي السوق بغض النظر عن معقوليته أو عدم معقوليته‏,‏ وساعد علي ذلك بالقطع عدم توافر البدائل المستوردة وحتي عندما بدأ الاستيراد فإن المؤشرات تؤكد احتكار الشركات المنتجة لعمليات الاستيراد حتي تعظم من قدرتها علي التحكم في السوق ومعاملاته وأسعارها‏,‏ وأن تظل لها اليد العليا لتصنع ما تشاء وقتما تشاء‏,‏ وهي أمور لا تردعها غرامات مالية تمثل في النهاية ملاليم قياسا إلي الأرباح الاحتكارية المروعة التي تتحقق من التواطؤ الاحتكاري للمنتجين الذين بيعت لهم هذه الشركات بأبخس الأثمان بحجة عدم تحقيق أرباح أو تحقيق بعضها خسائر وهو ما تثبت الأحداث التالية للخصخصة أن كل ما كان يتم لابد أن يدخل تحت بند الفعل الفاعل للقوي الخفية والأيدي الباطشة التي تنفذ ما تريده بالطريقة التي ترضيها مهما كان ضارا مجحفا بحقوق المستهلك والمجتمع والأوضاع الاقتصادية العامة‏.‏
كما رصدت الحيثيات ثبوت تهمة تقسيم السوق فيما بين شركات الأسمنت بالاتفاق بينها لتكتمل ثلاثية الجريمة الاحتكارية كاملة في حق المسئولين عن هذه الشركات ومع ذلك يتجرأ أحد المتهمين الرئيسيين لوصف الحكم بأنه سياسي وليس جنائيا في تغافل عمدي عن عقوبة التعليق علي أحكام القضاء وفي تجاوز علي كل مراحل التقاضي بالجرأة علي اتهام القضاء المصري بعدم احترام القانون وخضوعه للضغوط وخطورة هذه الاتهامات أنها تأتي من رئيس شركة أجنبية عاملة علي الأرض المصرية يشكك في نزاهة القضاء وأحكامه مستغلا جنسيته المصرية للإساءة إلي بلده واقتصاده ومؤسساته الدستورية وهي سابقة لا يمكن أن تترك ولا يمكن السماح بمرورها مرور الكرام بحكم ما تعنيه من معان للنيل العلني من القضاء الذي هو قدس الأقداس ولو ضاعت هيبته ونفوذه لجاز لكل من هب ودب من المستثمرين الأجانب أن يلجأ للتحكيم الدولي بحجة قول أهوج تحدث عن تسييس الأحكام القضائية وترك دون أن يردع بالقانون حماية للنظام العام‏.‏
التوقيت الغريب لتخفيض سعر صرف الجنيه
ومن المفارقات الغريبة ما يحدث خلال الفترة الأخيرة في سوق أسعار الصرف للعملات الأجنبية وتأثيره المباشر علي جنون الأسعار وانفلات التضخم في دولة يؤمن الاستيراد أكثر من‏70%‏ من احتياجاتها الغذائية لجموع المواطنين ويؤمن الاستيراد احتياجاتها من الآلات والمعدات وقطع الغيار‏,‏ كما يؤمن السلع الوسيطة اللازمة للإنتاج النهائي بكل ما يعنيه ذلك من تأثير ضخم وواسع النطاق لأسعار صرف العملات الأجنبية علي تكلفة الحياة والمعيشة وتكلفة الانتاج وقدرة السلع الوطنية تامة الصنع علي المنافسة في الأسواق الخارجية وترتبط المشكلة بتوجهات البنك المركزي الفاعل الرئيسي في تحديد سعر صرف الجنيه لتخفيض سعر صرفه في لحظة ارتفعت فيها أسعار صرف العملات الدولية الرئيسية في مواجهة الدولار الذي هو العملة الوحيدة التي يرتبط بها سعر صرف الجنيه ارتفاعا وهبوطا في مواجهة باقي عملات العالم‏.‏
والمشهد الغريب والمستفز من البنك المركزي أنه بعد توالي ارتفاع صرف اليورو والاسترليني والفرنك السويسري والين الياباني في مواجهة الدولار وبالتالي في مواجهة الجنيه وما يعنيه واقعيا من ارتفاع سعر صرف اليورو لأكثر من جنيه مصري وهو عملة الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لمصر فإن البنك اختار هذه اللحظة الحرجة في أسواق العملات الدولية ليتخذ قرارا بتخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار ونتج عن ذلك رفع سعر صرف الدولار وينتج عن ذلك المزيد من التخفيض لسعر صرف الجنيه في مواجهة باقي أسعار صرف العملات الدولية الرئيسية بحكم ربطها بالدولار عند تقييم سعر صرف الجنيه في معادلة مقلوبة تتنافي مع أبسط القواعد النقدية المتعارف عليها عالميا‏.‏
ومع قرار البنك المركزي غير المعلن رسميا والمطبق عمليا عند تحديد أسعار الصرف اليومية يكتشف المراقب توجهات غريبة لتعديل أسعار الصرف للجنيه قائمة ومبنية علي استغلال فرص التقلب الشديد في أسعار الصرف الدولية وكأن المصالح الاقتصادية الوطنية العليا لا تحرك في الأول والآخر قرارات تحديد أسعار الصرف وكأن ترك تقدير سعر صرف الجنيه لدرجة عالية من الحرية والمرونة لا يعني أن هناك سعر صرف محددا يجب الدفاع عنه بصلابة واستماتة كما تفعل دول العالم وكما فعلت اليابان في الأزمة الأخيرة لأسعار الصرف حيث ارتفعت عملتها الين في مواجهة الدولار بدرجة رأت أنها تهدد الاقتصاد الياباني وتهدد تنافسية الصادرات اليابانية في السوق الأمريكية وغيرها من أسواق العالم‏.‏ وتدخل البنك المركزي لمنع المزيد من الارتفاع لسعر صرف الين مع الأخذ في الاعتبار أن أسعار صرف حولته علي امتداد السنوات العشر الماضية إلي ما يطلق عليه الين المسموم بحكم ارتفاعه الشديد في مواجهة العملات الدولية الرئيسية بضغوط أمريكية وأوروبية وهي سنوات عاني الاقتصاد الياباني كثيرا من تأثيراتها السلبية الحادة‏.‏
وفي المقابل هناك النموذج الصيني الذي يرفض بكل الشدة والعنف الضغوط الأمريكية المكثفة والحادة لرفع سعر صرف العملة الوطنية الصينية بالرغم من احتدام الصدام إلي حدود الاعلان عن دخول العالم إلي حرب العملات ويرجع الرفض الصيني إلي أن رفع سعر عملتها سيؤدي إلي تخفيض صادراتها مع رفع تكلفتها في أسواق العالم المختلفة وكل أحاديث الصين عن تخفيضات لعملتها لم تترجم منذ عام‏2005‏ وحتي الآن إلا في صورة تخفيض بمعدل‏15%‏ خلال خمس سنوات‏,‏ ومع ذلك لم يشكل المصدرون الذين تبلغ قيمة صادراتهم السنوية مئات المليارات من الدولارات قوي ضغط ونفوذ علي الحكومة الصينية والبنك المركزي لرفع سعر العملة الوطنية بل ساندوها في الحفاظ علي سعر صرفه في حين أن قيادات مجتمع الأعمال المصري وفي مقدمتهم رئيس اتحاد والصناعات جلال الزوربا المصدر الكبير لا يكف عن المطالبة بتخفيض سعر صرف الجنيه بما يؤدي لرفع اسعار العملات الاجنبية مقدمة بالجنيه ومطالبه الأخيرة دعت إلي تخفيض بنسبة‏15%‏ علي الأقل حتي تضاف لأرباح المصدرين هذه النسبة في سعر صرف الدولار اساسا الذي يتوالي انخفاضه وكان من الواجب ان ينخفض سعر صرفه أمام الجنيه طالما انه يشكل عملة التقويم الدولية لباقي اسعار الصرف للعملات الدولية‏.‏
وتحت ضغوط احتكارات المصدرين ونزولا علي رغبة لوبي رجال الأعمال الذي يملك مصادر ايرادات متجددة بالعملات الأجنبية وحتي ترتفع قيمة المقابل لها بالجنيه المصري فإن سعر صرف الجنيه المصري شهد منذ بداية العام الحالي تخفيضات متوالية ومتلاحقة حيث كان مع نهاية العام الماضي يبلغ سعر صرفه أمام الدولار نحو‏530‏ قرشا ومع ارتفاع حدة ضغوط احتكارات النقد الأجنبي توالي ارتفاعه ليصل في الوقت الراهن لنحو‏5.79‏ جنيه للبيع بزيادة مروعة تصل لنحو‏49‏ قرشا بمعدل تخفيض يبلغ نحو‏9.5%‏ وهو معدل لم يصل اليه الجنيه منذ يونيو‏2006‏ في الوقت الذي تراجع فيه سعر صرف الدولار أمام اليورو بمعدل‏17%‏ خلال الأشهر الثلاثة الماضية بما يعني المحصلة النهائية ارتفاع سعر اليورو بمعدل‏28,5%‏ وهو ما كان يستوجب علي الأقل تخفيض الدولار بمعدل‏10%‏ أمام الجنيه لامتصاص جانب من الأثار التضخمية الناجمة عن ارتفاع سعر صرف اليورو وواردات الاتحاد الأوروبي وكذلك الارتفاعات في سعر الاسترليني الذي اصبح سعر صرفه اعلي من الدولار والفرنك السويسري والين الياباني وعلي خلاف المنطق النقدي السليم والصحيح يخرج نائب محافظ البنك المركزي هشام رامز ليؤكد أن البنك لا يعتزم التدخل لدعم الجنيه وأن المستوي الحالي له مقبول جدا وغير مثير للقلق نافيا شراء البنك المركزي لأي كميات من الدولارات‏,‏ وكان غياب البنك المركزي عن دعم سعر صرف الجنيه أصبح فضيلة ليتباهي بها كبار المسئولين عنه وأن الإحجام عن الحساب الدقيق لمصالح الاقتصاد المصري قد أصبح خارج مسئوليات البنك المركزي طالما أن احتكارات النقد الأجنبي راضية ومرضية وطالما أن سعر جنون الطماطم أصبح مقياسا لسعر صرف الجنيه وأن مناخ الأزمة الضاغط أصبح مبررا للتغطية علي الكثير من القرارات وتمريرها داخل فقاعات الأزمات الطارئة والمستجدة‏.‏
غياب الاهتمام بأسواق التجزئة والبيع المباشر للمنتجين
وبعيدا عن الأزمات الكبري التي تظلل سماء الاقتصاد القومي مثل الاحتكارات وأسعار الصرف فإن جنون الاسعار وانفلات التضخم يصب في خانة أزمة كبري ترتبط بغياب التنظيم الجيد وغياب الإدارة العامة اليقظة للقضايا الملحة للتجارة الداخلية وتركها مجمل الأمور ليقع فريسة لاحتكارات تجارة الجملة في غياب البدائل والنظم الموازية القادرة علي تقليص وطأة قبضة الاحتكارات علي مجمل التجارة الخارجية والداخلية وهي مسئوليات تقع بالدرجة الأولي والأساس في دائرة اختصاص وزير التجارة والصناعة المهندس رشيد محمد رشيد وكبار المسئولين بوزارته الذين تضيع المصلحة العامة وسط ضباب الدخان الأزرق لتصريحاتهم الوردية البعيدة تماما عن متطلبات الواقع واحتياجاته حيث خلت تماما من الحديث عن اسواق البيع بالتجزئة للخضراوات والفاكهة علي مستوي القري ومستوي المدن وامتداداتها في الأحياء والتجمعات السكنية المختلفة لخدمة الغالبية العظمي من المواطنين البسطاء محدودي الدخل‏,‏ ولم تعلن الوزارة عن مشروع متكامل لتنظيم تجارة التجزئة في مستوياتها الأكثر انتشارا والمرتبطة بالباعة الجائلين وتجارة الأرصفة بهدف التنظيم والتقنين بما يصب في خانة تدعيم الاعتبارات البيئية والمتطلبات الصحية مع التيسير علي المواطنين للحصول علي احتياجاتهم بالسعر الأقل وهوامش الربح المعقولة بديلا عن تركهم عرضة لافتراس الأجهزة الحكومية والحملات البوليسية اليومية في غياب القواعد المنظمة لعملهم ونشاطهم بالرغم من أن تجارة التجزئة بهذا الشكل تمثل موردا لفرص عمل واسعة النطاق وتشكل مصدر الرزق لمئات الآلاف من العائلات المصرية رقيقة الحال الواجب حمايتها ورعايتها ودعمها‏.‏
وبحكم أن وزير التجارة والصناعة رجل أعمال فهو بالقطع لم تتح له الفرصة لرؤية الأسواق في المدن الكبري والصغري بالدول الأوروبية المتقدمة مثل المانيا علي سبيل المثال‏,‏ حيث يوجد بجوار بعض الميادين العامة وفي اماكن محددة أسواق للتجزئة تعتمد بالدرجة الأولي علي البيع المباشر من اصحاب المزارع للمستهلكين من انتاجهم من الخضر والفاكهة واسعارها تقل كثيرا عن اسعارها في السوبر ماركت والمحلات‏,‏ وكانت القري المصرية في السابق تملك أسواقا للتجزئة تعقد في أيام محددة أسبوعيا وتعتمد بالدرجة الأولي علي قيام صغار المنتجين يعرض انتاجهم مباشرة للبيع وكانت تخضع للتنظيم والاشراف من قبل أجهزة الدولة وكانت تحصل رسوم بسيطة من العارضين لزوم نفقات السوق وكانت تمثل منفذا رئيسيا للحصول علي احتياجات الأسرة بأسعار مخفضة بعيدا عن التجار ومحلاتهم وهوامش أرباحهم المرتفعة والأهم أنها كانت تشكل علاقة مباشرة بين صغار المنتجين والمستهلكين‏.‏
ويدلل علي العجز الفاضح لوزارة التجارة والصناعة الصور النكاهية لبعض السادة المحافظين وهم يقومون بعملية بيع الطماطم للمواطنين بأقل من نصف اسعارها في حلقات التداول العادية لأن ذلك يرجع لاتفاق المحافظة علي الشراء مباشرة من المنتجين وتجنيب المستهلك الحلقات الوسيطة وحلقة تجارة الجملة وهو ما يثبت أن الحلول البسيطة غائبة تماما عن اهتمام المسئولين بالوزارة‏,‏ وأن تطوير الواقع وتحسينه بالآليات المتعارف عليها لا يحصل علي الرعاية الواجبة حتي من الأجهزة المختصة وهناك مديريات للتموين والتجارة الداخلية يدعمها جهاز لمباحث التموين وكان الواجب أن تظهر صورهم في وقت اشتداد الأزمة وهم يشاركون في عمليات دعم جهود المحافظ وألا يقتصر الأمر علي السيد الوزير المحافظ وحده ولكنه تأكيد علي عجز الوزارة وغياب تعليمات الوزير وغياب الاهتمام بمصالح جمهور البسطاء من المواطنين‏.‏
‏***‏
لا بديل عن تفعيل اقتصاد حقيقي للسوق يقوم علي درجة عالية للغاية من المنافسة بحكم أنها الضمانة الأساسية لقيام اقتصاد للسوق يتسم بالرشاد ويتسم بالانضباط بعيدا عن مفاهيم الرأسمالية المتوحشة ويستلزم ذلك درجة عالية من التيقظ والانتباه من الأجهزة المسئولة عن مراقبة الاسواق بكل انواعها واشكالها لمواجهة قوي الاحتكار ونفوذه والحد من قدرتها علي التلاعب بما فيها سوق النقد الأجنبي وسوق صرف العملات بحكم تأثيرها الضخم علي مجمل الأسواق ومجمل الأوضاع الاقتصادية وتقديرات حجم نشاطها عالميا وبلوغ قيمته‏10‏ تريليونات دولار خلال الفترة القريبة القادمة وعودة الادراك بأن سعر صرف العملة الوطنية المعقول والملائم يشكل دائما صمام أمان حيوي للأمن الاقتصادي للدولة والمجتمع لا بديل عن صيانته ورعايته بكافة الأساليب والوسائل ويجب عدم تركه لاجتهادات الهواة أو ضغوط اصحاب المصلحة والهوي والغرض‏.‏
وقد حان الوقت والأوان لدراسة الأساليب الواقعية والعملية لعودة منظومة التجارة الداخلية والخارجية الي حظيرة المنافسة وللوقوع في نطاق سطوة القانون وسلطانه والخضوع لسطوة أجهزة يقظة ومسئولة تتحرك وفقا لسياسات عامة تخضع للمصلحة العامة ولا تفرط فيها ولا تتنازل عنها مع الاهتمام الشديد بتنفيذ خطوات عملية لتفكيك اوصال الاحتكار في الصناعة والتجارة وتعديل القوانين لفرض العقوبات الجنائية متضمنة الحبس للمخالفين لعدم كفاية الغرامات المالية كما أكدت محكمة النقض وكما تؤكد الشواهد والأحداث يوما بعد يوم؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.