خلال أقل من700 يوم من التغير التاريخي في البيت الأبيض بانتخاب الرئيس باراك أوباما تبدل المزاج العام الأمريكي من الحماس الشديد للرئيس الملون الأول. في تاريخ البلاد إلي إعلانية الشكوك. بشأن ديانته ومعتقداته السياسية وولائه لأمريكا من مجموعات أيديولوجية سياسية ودينية حولت برامج الشبكات الإخبارية المتبنية لأفكار اليمين إلي ساحة حرب. فقد هدأت موجة الليبراليين ورست علي شاطئ أوباما الذي اعتقدوا أنه سيقوم بكل الأدوار علي المسرح, وعندما تعثر في تحقيق برامجهم في جعل البلاد أكثر ليبرالية وقبولا للتنوع السياسي والديني, من موقعها العالمي القيادي, انفضوا عنه وراحوا يلومونه علي الإمساك بالعصا من المنتصف في مواجهة تيار شرس في اليمين الأمريكي خرجت من رحمه حركة تيار حفل الشاي التي تهدد بنقل المؤسسة المحافظة التقليدية خطوات نحو التشدد الذي سوف يسبب معضلة حقيقية للسياسة الأمريكية داخليا وخارجيا ويكسر تقاليد لم يغادرها الحزب الجمهوري الأمريكي لعقود طويلة تقوم علي توازن دقيق بين القيم المحافظة والمصلحة الوطنية الأمريكية. في الثاني من نوفمبر, يمكن أن نحكم علي نتائج لعبة بلا نهاية بين تيارين يقتسمان الساحة السياسية الأمريكية بعد أن يقول الناخبون كلمتهم في انتخابات جميع مقاعد مجلس النواب والتجديد النصفي لمجلس الشيوخ. تنامي تيار شديد في قلب المؤسسة المحافظة الأمريكية هو حسب تفسيرات خبراء الشأن الداخلي ردة فعل عنيفة لما سموه سرقة الرئاسة الأمريكية من رئيس مشكوك في ولائه للقيم الأمريكية. في أحد أعداد مجلة فوربس المعنية بشئون المال, قبل أسابيع, قدمت المجلة مقالا مثيرا للجدل نال اهتماما واسع النطاق يقول ان جذور كراهية الرئيس أوباما للرأسمالية حملها من والده الكيني الذي كان من المدرسة المناهضة للموجة الاستعمارية في القارتين الإفريقية والآسيوية وأن جينات كراهية الإمبريالية قد انتقلت إلي الابن ودعمتها الحياة الأممية غير المستقرة للأم التي تزوجت الأب الكيني ثم شدت الرحال إلي إندونيسيا لتتزوج أحد مواطنيها ثم تعود من جديد برفقة الابن إلي الولاياتالمتحدة, ومثل هذه التفسيرات تهدف إلي زعزعة ثقة الناخبين الأمريكيين في التصويت للرجل في انتخابات الرئاسة المقبلة وتوجيه رسالة إلي الناخبين المستقلين تحديدا أن تجربة أوباما يجب ألا تتكرر, وأن دعمهم له من جديد سيكون خطأ لا يغتفر في حق القيم الأمريكية ويمثل المستقلون40% من الناخبين حسب تصنيفات جداول الناخبين. المصادفة التي ظهر بها تيار حفل الشاي اليميني هي التي أخرجت المؤسسة المحافظة من تخبطها بعد الانتخابات الأخيرة وهي التي صنعت في وقت قياسي تيارا مضادا شرسا غير مسبوق. فقد ظهرت الفكرة في مدينة سياتل( ولاية واشنطن في أقصي الشمال الغربي) علي يد فتاة وجدت نفسها محبطة من السياسة الضريبية, فقامت بإرسال بالبريد الإلكتروني لأصدقائها ومعارفها ودعت إلي وقفة احتجاجية ثم انتقلت الفكرة بفضل الإنترنت من مدينة إلي أخري وبطرق مختلفة ولكن تبقي قوة بنيانها في خروجها من الطبقة الوسطي المحبطة من استمرار الأزمة المالية ومعدلات البطالة المرتفعة. لا أحد يتذكر الفتاة اليوم فيما اقتنص مذيع مثير للجدل علي قناة فوكس نيوز هو جلين بيك الفرصة ليتحول مع السياسية الصاعدة سارة بيلين مرشحة الرئاسة والقادمة إلي الأب والأم الروحيين للحركة الوليدة. ومع بداية الحركة وتنظيمها واستعراضها للعضلات في الانتخابات التمهيدية حدثت تحولات مهمة في المشهد وخلق الجدل المتواصل من تيار حفل الشاي ما لم يكن متصورا أن يحدث في عامين من صعود أوباما. ومن مناقشات عديدة مع أقطاب من اليمين التقليدي, يبدو أن الحركة تحقق تقدما علي صعيد بلورة موقف من القضايا الخارجية لمعالجة قصور غياب الشئون الدولية عن خطب واعلانات الحركة وتأكيد الرسالة للناخبين المستقلين مرة أخري أن اليمين يتعامل بجدية مع كل القضايا الملحة وأن التخبط في قضايا الداخل ينعكس علي مكانة أمريكا عالميا. والاستهداف النوعي لجماعات الناخبين هي الفكرة التي لعبت عليها حملة أوباما حيث سعي إلي استقطاب الليبراليين والمستقلين ضد التيار المحافظ واليوم انقض اليمين الأمريكي علي الفكرة مستهدفا الناخبين المستقلين إلي جانب تحفيز التيار الديني البروتستانتي والمحافظ إلي الخروج بأعداد حاسمة في الثاني من نوفمبر المقبل, وهي بالمناسبة الاستراتيجية التي كان السبق فيها ليس لرجال أوباما ولكن داهية الجمهوريين كارل روف المستشار السابق للرئيس جورج دبليو بوش في انتخابات عام2004, حيث حسم المعركة ضد الديمقراطيين بتحريك قواعد المحافظين في الولايات الجنوبية, وفي ولايات الغرب الأوسط. ما خرجت به مجلة فوربس يتسق مع تحريك مشاعر الخوف من جديد علي حاضر ومسقبل البلاد بين النخبة المثقفة في أوساط المستقلين واليمينيين, بينما تستخدم لغة مباشرة تماما مع العامة في الكتلتين المستقلة والمحافظة ممن تأثروا بشدة بالأزمة المالية وتوابعها المتواصلة, والجدير بالذكر هنا, أن دراسات الرأي العام والاستطلاعات تركز علي اتجاهات الناخبين المستقلين قبل انتخابات نوفمبر باعتبارهم سيمثلون عنصر الحسم أمام صناديق الاقتراع, من المؤكد أن فرصة تجديد السياسة الأمريكية علي يد باراك أوباما قد أصيبت بضربة موجعة بتأثير عاملين مهمين هما: استمرار الجدل الداخلي حول التهديدات الإهاربية وجنوح اليمين الأمريكي إلي إثارة مشاعر الخوف من الانفتاح علي المجتمعات الإسلامية التي ينتمي إليها الرئيس الأمريكي, ولو جزئيا, اعتمادا علي سيرته الذاتية. والأمر الثاني هو الوعد الاقتصادي الراكد الذي فشلت منشطات الخطابة وبث رسائل الثقة في انتشاله من كبوته في العامين الماضيين, وهو ماضيع فرصة غير عادية علي رئيسي مختلف, لم يعد أمام أوباما سوي انتظار معجزة الصندوق الانتخابي ليجدد الثقة في مشروعه للتغيير.