بسبب غياب المعلمين والنظافة.. إحالة مخالفات في مدرسة ببني سويف للتحقيق    "جبران": 6200 فرصة عمل في مشروع محطة الضبعة النووية    التعريف ب "علم مصر" في الحصة الأولى بمدارس كفر الشيخ - صور    بالصور- محافظ بورسعيد يوزع الأقلام على التلاميذ داخل الفصول    نتيجة تنسيق الثانوية الأزهرية 2024.. الرابط الرسمي للاستعلام (فور إعلانها)    استقرار نسبي في أسعار الدولار مقابل الجنيه المصري: تحليل ومقارنة في البنوك    «تنمية المشروعات»: برامج تدريبية لدعم رواد الأعمال بالمحافظات ضمن برنامج «بداية»    السبت 21 سبتمبر 2024.. نشرة أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة    السبت 21 سبتمبر 2024.. أسعار الحديد والأسمنت في المصانع المحلية اليوم    المشاط تبحث تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الوكالة الفرنسية للتنمية لدعم جهود التنمية الاقتصادية وتمكين القطاع الخاص    مجلس الأمن الدولي يحذر من التصعيد في لبنان    وزير خارجية إيران: إسرائيل ستنال الرد على هجماتها في لبنان    برلماني روسي يتوقع بدء المفاوضات بين موسكو وكييف في العام المقبل    أستاذ علوم سياسية: أمريكا أفعالها متناقضة مما يجعل إسرائيل تتمادي في إعتداءتها    تصرفات متهورة من إسرائيل.. برلماني: مصر حذرت مرارًا من عواقب التصعيد في المنطقة    مواعيد مباريات اليوم السبت في الدوري الفرنسي والقنوات الناقلة    تأهل علي فرج لاعب وادى دجلة لنهائي بطولة باريس للإسكواش    تشكيل الأهلي المتوقع أمام جورماهيا الكيني في دوري الأبطال.. ظهور يوسف أيمن    بدء العام الدراسي الجديد.. تخصيص الحصة الأولى بالمدارس للحديث عن المشروعات القومية    فيديو.. الأرصاد: مزيد من الانخفاض في درجات الحرارة الأيام المقبلة    "الحقونا إحنا بنموت": القصة الكاملة للمرض الغامض في أسوان    قتلت بنتها عشان علاج بالطاقة.. وصول المضيفة التونسية لمحكمة الجنايات    نائب وزير السياحة تشهد انطلاق حفل افتتاح الدورة الثامنة لملتقى «أولادنا»    بسمة بوسيل تنشر إطلالة جريئة لها.. وتغلق التعليقات (صور)    عمر عبد العزيز: "كريم عبد العزيز بيفكرني ب رشدي أباظة" (فيديو)    من هم الخلفاء الراشدين والتابعين الذين احتفلوا بالمولد النبوي؟.. الإفتاء توضح    «الرعاية الصحية» تطلق مبادرة «مرجعية» لتوحيد البروتوكولات الإكلينيكية للتشخيص والعلاج    زاهي حواس: حركة الأفروسنتريك تهدف إلى إثارة البلبلة لنشر معلومة زائفة وكاذبة    «بعد حبسه».. بلاغ جديد للنائب العام ضد الشيخ صلاح التيجاني يتهمه بازدراء الدين    حكاية بطولة استثنائية تجمع بين الأهلي والعين الإماراتي في «إنتركونتيننتال»    أسعار الأسماك اليوم السبت 21 سبتمبر في سوق العبور    انخفاض جديد في درجات الحرارة.. الأرصاد تزف بشرى سارة لمحبي الشتاء    الولاء والانتماء والمشروعات القومية.. أول حصة في العام الدراسي الجديد    ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز قبل الجولة الخامسة    بدء التصويت في الانتخابات الرئاسية في سريلانكا    بوتين يشكل لجنة لإمداد الجيش الروسي بالمتعاقدين    هاني فرحات وأنغام يبهران الجمهور البحريني في ليلة رومانسية رفعت شعار كامل العدد    بإجراءات جديدة.. المدارس تستقبل الطلاب في أول أيام العام الدراسي (تفاصيل)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    ما حكم تلف السلعة بعد تمام البيع وتركها أمانة عند البائع؟.. الإفتاء تجيب    أسعار الفاكهة في سوق العبور السبت 21 سبتمبر    بسبب سرقة «موبايل».. 3 أشخاص يستدرجون شابًا للمقابر ويقتلوه | تفاصيل    احتجزه في الحمام وضربه بالقلم.. القصة الكاملة لاعتداء نجل محمد رمضان على طفل    فلسطين.. شهيد وعدة إصابات جراء قصف الاحتلال لمنزل في خان يونس    رياضة ½ الليل| مواعيد الإنتركونتينتال.. فوز الزمالك.. تصنيف القطبين.. وإيهاب جلال الغائب الحاضر    هل يؤثر خفض الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب في مصر؟    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    وفاة والدة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية    عبد المنعم على دكة البدلاء| نيس يحقق فوزا كاسحًا على سانت إيتيان ب8 أهداف نظيفة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    تحرش بهما أثناء دروس دينية، أقوال ضحيتين جديدتين ل صلاح التيجاني أمام النيابة    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    ضائقة مادية.. توقعات برج الحمل اليوم 21 سبتمبر 2024    مستشفى قنا العام تسجل "صفر" فى قوائم انتظار القسطرة القلبية لأول مرة    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    جوميز: الأداء تحسن أمام الشرطة.. وأثق في لاعبي الزمالك قبل السوبر الأفريقي    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العجوز والهلس
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 01 - 2010

عندما تختلي بنفسك وخيال حبيبك تكتب عنه وله في السر حبا وعشقا وكلاما تعجز الشفاه عن قوله في لقاءات العيون‏..‏ تلك اللحظات الحميمية والعبارات المتأججة في اعترافات الرسائل السرية للمشاهير. يأتي عليها زمن كريه ولو بعد مئات السنين لدفع ضريبة الشهرة فتغدو ملطشة لكل من هب ودب‏..‏ تخرج خبيئة الحب لتعريها كل العيون في فضيحة المعرض العام الذي يعلو فيه صخب حب الاستطلاع‏,‏ وكان أصحابها في الخفاء يغمسون أقلامهم الواجفة في مسحوق الهمس تحت ذبذبات شموع المصابيح الراجفة‏..‏ أحدث ما تشاهده باريس هذه الأيام معرض للرسائل في حياة الكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو صاحب رواية‏'‏ البؤساء‏'..‏المعرض الذي أزاح الستار عن شخصية هوجو الحقيقية كزئر نساء حتي السنوات الأخيرة من حياته التي اكتوي فيها بحب عاصف عندما وقع وهو شيخ يقترب من الثمانين في غرام فتاة تحت العشرين‏.‏
وإزاء ماجاء في سطورالمعروضات وماأثارته من جديد من أقوال النقاد‏,‏ وما كتبه عنه آلان ديكو‏:‏ عضو الأكاديمية الفرنسية الذي تغلغل في حياة هوجو الشخصية‏,‏ أخذ الشك الآن يساورني في صحة نوايا‏'‏ جان فالجان‏'‏ بطل رواية البؤساء تجاه البنت اليتيمة الصغنونة‏'‏ كوليت‏'‏ التي ماتت أمها مصدورة فقام البطل العجوز حرامي الشمعدانات السابق بتربيتها في كنفه حتي غدت ثمرة ناضجة طالبة الأكال فوافق وهو علي فراش الموت علي تزويجها لشاب في مثل عمرها‏..‏ قرأنا‏'‏ البؤساء‏'‏ وقطعنا مناديلنا حسرة علي غلب الناس الفقراء‏,‏ وقسوة قلوب الناس الأغنياء‏,‏ وعشنا بؤس البؤساء موصوفا بالقلم العبقري في أنفاق باريس المظلمة‏,‏ وأضاف إلي حزننا أحزان قلم الأديب الراحل‏'‏ مصطفي لطفي المنفلوطي‏'‏ عندما قام بنقل الرواية إلي العربية بأسلوب الدراما السوداء المنيلة بستين نيلة‏,‏ وزاد الطين بلة عندما تحول جان إلي دم ولحم فشاهدنا ملحمته علي الشاشة ممثلة في أداء انطوني كوين المذهل‏,‏ ومن بعده فريد شوقي بالعربي‏..‏ البؤساء الرواية التي كتبها هوجو في منفاه في عام‏1861‏ وعرضت في أواخر التسعينيات علي مسرح برودواي في نيويورك علي مدي‏16‏ عاما قدمت في‏6680‏ عرضا كان الأخير في العام الماضي‏2009‏ العرض الذي حضره‏1400‏ مشاهد بعدما تم بيع التذاكر في مزاد علي شبكة الإنترنت فبلغ ثمن التذكرة في الصف الأول عشرين ألف دولار‏.‏
هوجو‏..‏ شيخ الثمانين وقع في غرام حسناء تحت العشرين‏..‏ الزوج الكهل كان عربيدا عتيا في الخفاء‏..‏ شاعر فرنسا الروائي المسرحي المناضل أحد ثوابت عصر التنوير الثقافي في أوروبا والذي كان عضوا في الأكاديمية الفرنسية وفي مجلس النواب كان يلعب بذيله خلف الكواليس‏..‏ الثوري الذي نفي لمدة‏14‏ عاما من‏1856‏ إلي‏1870‏ في جزيرة جرنس كان يكتب مذكراته بأسماء مستعارة حتي لا تفك الغلبانة زوجته طلاسمها‏..‏ الرجل الكبارة لم يعتق في طريقه الأخضر لولتيا الصغيرة الطازجة‏..‏ كان قلبه أخضر‏..‏ المظهر الوقور والإطلالة المهيبة والمشيبة المجيدة والصوت الأجش والنبرة الهادئة والقول الحكمة والخطوة المتئدة والتعليق المقتضب والحياء المفتعل والنظرة المختشية والشفافية المزعمة والسلام بإمالة الرأس وليس بحضن اليد‏..‏ كلها‏..‏ كلها‏..‏ من بعد ما رفع الستار أخيرا في معرض باريس طالعنا وجه العجوز والهلس‏.‏
يخرب عقلك يا فيكتور‏..‏ أبدا لم يخرب الغرام عقله‏,‏ وإنما كان نبعا وحافزا له لكتابة أشعار الخلود‏:‏ شرقيات وأوراق الخريف وأغاني العشق وملحمة الأجيال‏,‏ ويدون‏20‏ ألف رسالة كل منها قطعة أدبية تحكي وتحاكي‏,‏ هذا بالإضافة إلي رواياته الخالدة التي منها‏:‏ سيدة باريس ونابليون الصغير والبؤساء‏,‏ ورواية نوتردام دوباري التي ترجمت إلي العربية بعنوان أحدب نوتردام والتي تحولت إلي فيلم سينمائي بطولة جينا لولو بريجيدا في دور أزميرالدا الغجرية الحسناء‏,‏ ويرسم خمسين لوحة زيتية تعد من دعائم حركة النهضة التشكيلية في نهاية القرن التاسع عشر‏,‏ وأشهرها لوحة المدينة الميتة‏,‏ وكان يستعين في مزج ألوانه بعيدان الكبريت المحترقة‏,‏ وتنوة القهوة‏..‏ حكاية غرامه في السن المتقدمة بدايتها في مارس‏1872‏ عندما كانت الآلة الكاتبة في دائرة الوهم‏,‏ والطبع بالبالوظة كزيارة لسطح القمر‏..‏ لهذا كانت حاجة هوجو ملحة إلي سكرتيرة تقوم بنسخ أعماله الأدبية خاصة بعد إصابة زوجته إديل فوشيه رفيقة طفولته التي تزوجها عام‏1822‏ أم أبنائه الخمس التي قادت له صوابعها العشرة شمع وماحوقشي فيه بآلام العظام مما أقعدها عن العمل بجواره‏,‏ ودفعها للبحث بنفسها عن بديلة تقوم بمهمتها في مساعدة زوجها إلي أن تتماثل للشفاء‏..‏ بحثت واستقصت وأخيرا اطمأن قلبها إلي الزهرة البرية الصغيرة البريئة الآنسة ماري بلانش الابنة المتبناة لعائلة لانفان من أحد الملاجئ‏,‏ وكانت أوراقها تحمل عبارة مجهولة الأب والأم والنسب نفس وضع كوليت الصغيرة الشريدة في رواية البؤساء ولم تكن الغلبانة الوفية أم العيال تعلم وقتها أنها تزرع بيديها نبتة من اللبلاب التي ستقوض بأوراقها المتسلقة كما الإخطبوط صرح قلعة الحب التي شاركت زوجها في بنائها علي مدي خمسين عاما‏..‏ كانت في سخونية المرض وتصاعد معدل العطاء وإنكار الذات‏,‏ فلم تحسب حساباتها لخطر اقتراب النار من عود الكبريت وذلك عندما كتبت في رسالتها لزوجها المعروضة حاليا في باريس ما يفصح عن عبطها وحسن طويتها‏:‏ أتيحت لي فرصة لاختبار خط وإملاء الآنسة بلانش فتأكدت من أنها علي أهبة الاستعداد للنسخ‏,‏ وأنها قد تأهلت لمهمتها علي أفضل وجه‏,‏ إلا أنني لاحظت هزالها وحاجتها البالغة إلي المقويات وتجديد الهواء وتنظيم عملية التنفس‏..‏ نحن في حاجة ملحة إلي خدماتها فلم أعد قادرة إلا علي حبك‏..‏
وتلحق بلانش بقافلة هوجو في جزيرة جرنس ويتم اختيار غرفة البنت السكرتيرة الجديدة لصقا لغرفة مكتب فيكتور التي يقضي فيها غالبية ساعات نهاره وليله‏,‏ ويكتب المؤهل لاستنشاق العواطف حول واقعة قدوم الشابة الواعدة‏..‏ يكتب بحروف من نورونار في‏17‏ أغسطس‏1872:‏ أهلا ومرحبا بجارتي الحسناء مع بداية انقشاع قتامة ورتابة السحب المقيمة وإطلالة ضوء القمر‏..‏ ولم يتوان الدبور للبدء في الزن المدروس بعبارات لها مذاق الشهد الفرنساوي المعتق‏,‏ ويكتب مشاعره الفياضة بجسارة وقحة تتيحها له اللاتينية والإسبانية التي يجيدهما حتي لا تفهم الزوجة أم العيال‏,‏ ويطلق الداهية العجوز اسم ألبا كناية عن بلانش التي لم تستطع مقاومة الأستذة فسلمت طيعة مفاتيح قلبها‏,‏ ونظرا لأن التهور سمة المحبين تتوجس الزوجة مما يتم من تحت الترابيزة وذلك بتحليلها لبعض الجمل السريعة التي يدونها الطائش مثل‏:‏ خطأ لا إرادي‏..‏ خذ الحذر حتي لا تتألم صاحبة القلب الحنون والروح الطاهرة وألبا‏..‏ امضي ألبا إلي غرفتك حتي لا تلمحك العيون ولا أريد أن يصيبها مكروه وكفاها ما تعاني من آلام الجسد وألم تلاحظي معي بعد ظهر اليوم أن صاحبتنا مشغولة الخاطر ولا أريد لأي منهما عذابا‏..‏ لا هي ولا الأخري ولكن ماذا أفعل في احتراقي الداخلي‏..‏ ويأتي يوم‏25‏ ديسمبر‏1873‏ ليكتب هوجو بالإسبانية مضي عام كامل علي بداية الأمر‏,‏ واليوم يبدو أنه إلي انتهاء‏..‏ بدا الحصن في يناير وقد رفع الراية البيضاء‏,‏ واعترفت بلانش لهوجو الذي يكبرها بخمسين عاما بأنه فارس أيامها ولياليها‏,‏ هذا بينما الغلبانة العيانة أم العيال تمنعها نوبات القلب وهجمات الروماتيزم المتنقل من الحركة‏,‏ فتقبع في فراشها لا تستطيع مصاحبة الزوج الرياضي الأديب في نزهاته الخلوية المكوكية علي الشاطئ‏..‏ بلانش كانت المتأهبة دوما لغسل أقدامها في زبد البحر‏..‏ بلانش من تعلو معه فوق سطح الموج‏..‏ بلانش من تتفقد بجواره آثار منحنيات المد والجزر علي الرمال‏..‏ بلانش من ينصتا معا لوشوشه المحارة‏..‏ بلانش من تستلقي في صحبته لتلقي البنفسجية فوق المسام‏....‏ يتسابقان يتباطآن يتداخلان في كهوف الصخر وخمائل الزهر‏..‏ شابة عذبة عاشقة وعجوز بكامل عنفوان العشق كتب عنه الأديب الفرنسي ستافر في عام‏1867:‏ شباب دائم مذهل جسديا وعقليا‏....‏ فيكتور ظاهرة نضرة علي الدوام مثل زهرة مشرئبة تنتظر قطافها‏.‏
عنفوان فيكتور هوجو في تلك السن المتقدمة يذكرنا بمشهد تتبدي فيه قوة جان فالجان بطل رواية البؤساء الذي يرفع بكتفه عربة مثقلة بالبضائع عجزت الجياد المدربة عن زحزحتها قيد أنملة‏..‏ و‏..‏كانت الفضيحة‏..‏ الغلبانة العيانة الغيرانة أم العيال لم تكن آلامها تعوقها إلي حد العجز التام عن التنقيب المستمر في مكامن أسرار رجلها‏..‏ أبوالعيال الذي دوخها السبع دوخات مسبقا بحكاية غرامه بنجمة المسرح جولييت درويه بطلة مسرحيته لوكريس بورجيا والتي كتبت له‏16500‏ خطاب غرامي ظل هوجو محتفظا بها‏,‏ ومن بعدها فضيحته التي بلغت أسماع الشرطة مع الشقراء ليوني بيارد بين يديها تقع يومياته التي دون فيها دقائق مغامراته الأخيرة بلا تمويه بعد أن اطمأن إلي كمون الزوجة في مستطيل فراش المرض‏..‏ صراخ وانهيارات وانفجار براكين الغضب‏..‏ حاول الدفاع عن نفسه فأخرسته الثائرة بالشواهد والبراهين‏,‏ وأصرت علي ترحيل الخائنة التي عضت يد من أحسنت إليهاالآن وعلي الفور‏..‏ ينحني الجبن أمام العاصفة تاركا المغلوبة علي أمر حبه تواجه الثورة وحدها‏,‏ فتبكي طالبة الصفح والمغفرة‏,‏ وفي محاولة لتبرئة سيدها وإنقاذه في محنته‏:‏ سيدي يا مدام مالوش ذنب‏..‏ الأستاذ كان في حالة يملي وأنا أكتب‏..‏ أنا من تعديت حدودي‏..‏ وللأمانة يا مدام أنا من خنت الأمانة‏..‏ وعموما يا مدام أنا مخطوبة من زمان لشاب جارنا اسمه روشروي ولو ما صدقتيش اسألي مدام لانفان‏.‏
ويكتب هوجو في أول يوليو‏1873:‏ خرجت بلانش لتحل مكانها أخري اسمها هنريت ولا مجال للمقارنة‏..‏ ألبا سرقت قلبي ووضعته في حقيبة سفر تصحبها إلي باريس‏..‏ رحلت بلانش‏..‏ ومن نافذة حجرته راح هوجو يمعن النظر تجاه الميناء ليكتب عذاباته‏:‏ في الحادية عشرة اختفي خيط البخار تماما وتبدد في الأفق البعيد‏..‏ اختفت الإثارة ورحل نبع فورة الخلايا‏..‏ والمصيبة أن الأمر هنا لم ينته علي أرض الميناء ليفوق صاحبنا ويبطل شقاوة‏..‏ أبدا‏..‏ فقد كانا قبل رحيل بلانش قد وضعا معا خطة متهورة‏..‏ رحيلها لن يكون نهائيا‏.‏ ستعود إلي الجزيرة ثانية في الخفاء‏,‏ فقد استأجر لها هوجو مسبقا منزلا حرص علي إخفاء عنوانه حتي في يومياته فلم يذكر سوي رقم المنزل‏21..‏ وعادت بلانش وكتب من بلغ طول سطور مؤلفاته عشرة آلاف و‏768‏ كيلومترا و‏59‏سم‏..‏ كتب في اليوم الثاني عشر كلمة واحدة فقط لا غير لكنها تعني لديه حياة كاملة‏..‏ كتب‏:‏ وصلت‏...‏ وفي اليوم نفسه تسلل إليها ليعطيها مصروفا بلغ سبعمائة وعشرين فرنكا‏..‏ وكان هوجو عندما يخبر الغلبانة العيانة النايمة في العسل وفي بطنها بطيخة صيفي بأنه ذاهب في نزهته اليومية كان في الحقيقة يتجه رأسا إلي تنزيه روحه في المنزل رقم‏21‏ حيث يمكث من الواحدة والنصف حتي الرابعة والنصف غارقا في بحور العسل‏,‏ وفجأة أفاق عندما سمع اسمه ينادي عليه من الطريق أسفل شباك بلانش‏..‏ البلدة الصغيرة لا يخفي فيها خافية‏,‏ ويكتب من بلغ إنتاجه الشعري‏153‏ ألفا و‏837‏ بيتا من الشعر بما يبين من أنه كان يكتب‏2200‏ بيت من الشعر في السنة لمدة‏70‏ عاما في اليوم السادس عشر بما يعني أن النعيم لم يدم سوي أربعة أيام فقط‏..:‏ إنهم يعرفون اسمي واسمها‏..‏ لا سبيل أمامنا سوي أن ترحل بلانش ثانية‏..‏ وأبحرت بلانش من جديد‏,‏ وتبتعد السفينة ويكتب هوجو‏:‏ اختفي شراع حياتي‏..‏ ولأن الحياة لا تحلو بدونها يلحق بها تاركا وراءه الجزيرة القفر التي يخنقها الماء ويرهقها المد والجزر والقهر‏..‏ في الثلاثين من يوليو‏1873‏ في الساعة السابعة وخمسين دقيقة صباحا يغادر المدله الولهان جزيرة منفاه جرنس ليصل إلي باريس في اليوم التالي في الرابعة والنصف ليستأجر في التو بيتا صغيرا في أوتوي رقم‏5‏ شارع سيكومور‏,‏ وكانت الحبيبة قد استقرت في فندق عائلي في‏38‏ شارع لاموت بيكيه‏..‏ فجأة وجدته ماثلا أمامها يطالبها بجمع أشيائها علي عجل فأصابها الارتباك مما أثار غضبته العارمة فتركها محنقا ليكتب‏:‏ حان الفراق الحقيقي‏..‏ صدمة بالغة‏,‏ لكني لن أتركها بلا مساعدة‏,‏ وتهرع إليه تجثو علي قدميه باكية فيكتب‏:‏ ارتمت عند قدمي توضح أن سبب ارتباكها هو رؤيتي غير المنتظرة فغفرت لها‏..‏ إنها الآن من ترغب وأنا الذي يتمنع‏..‏ لقد بدت موديلا للوحة العاشقة التائبة‏..‏ في العاشر من أغسطس تعود الثقة بالنفس لسابق عهدها فيكتب‏:‏ هو وهي‏..‏ يكملان ملحمة جزيرة جرنس‏,‏ ويمضي يدندن بالكلمات ألحان الغرام‏:‏ هو من أجل هي وفي يوم يليه‏:‏ هو وهي في هما‏,‏ ويدون الشاعر المجدد‏:‏ رأيت هي في هي عندما ذاب هو في هو‏,‏ ويبلغ الأوج والمنتهي عندما يختزل بالتجريد كل الحكاية بكتابة هي فقط‏..‏ ووحدها من دار الحب حولها‏..‏ ونتعرف علي تعويذة العشق عند العاشق العجوز التي هز بها أوتار معشوقته الشابة‏..‏ قلت لها إنها قيثارة‏..‏ وقلت لها إنها جزيرة إثارة‏..‏ وقلت لها إنها قد غدت الهواء الذي يستنشق والماء الذي يروي الظمأ‏..‏ سألتني كيف تريدني؟ فقلت لها لم تكن المرأة قط أكثر جمالا إلا وهي ثمرة مقشرة‏..‏ معها بدأنا ياسمين وانتهينا حالمين‏..‏ عشتار هبطت من عليائها‏..‏ إيزيس نجمة فوق الجبين‏..‏ آه‏..‏ لو تدوم أيام الربيع العابرة‏..‏
الزوجة الغلبانة العيانة الناضورجي عرفت بالخبر‏..‏ كان عمرها وقتها سبعة وستين عاما لكن قلبها مازال شابا‏..‏ كتبت للزوج المتجذر في الخداع رسالة وداع‏:‏ راحلة إلي الأبد‏..‏ إن فجرك الصافي يجب أن يتبعه غروب مقدس جليل‏,‏ لا هروب مكلل بالعار‏..‏ وتختفي الزوجة ويشعر العجوز بالغرق‏:‏ ذهبت روحي عن جسدي‏..‏ لا تعذيب يضاهي ما أنا فيه‏..‏ أتظاهر بالسعادة وقلبي ممزق‏..‏ الناس يموتون الآن فوباء الكوليرا يعم باريس‏,‏ وأنا هائم علي وجهي في كل مكان أريد الموت أيضا‏..‏ لن أترك رماد جسدي لبلادي بل أترك قطعة مني تصلح لتكون أفضل بفتيك‏,‏ فإذا أكلتن منها أيتها النساء فسترين أنني طري وسهل الهضم‏..‏ ظلام لأنها لم تعد هنا‏..‏ ثلاثة أيام لا أقرب الماء والطعام‏..‏ ويأتي خطابها من بيرو فيكتب‏:‏ هي ترفض العودة‏..‏ سأكتب لها‏..‏ تعرف صدق كلماتي ويبتهج القلم‏:‏ وصلتني برقية من بيرو‏..‏ عائدة‏..‏ حمدا لملائكة السماء‏..‏ ويقسم هوجو أبدا ومحال أن يري منافستها مرة أخري في حياته‏..‏ ولا يمضي علي القسم سوي يومين فقط راح بعدهما لبلانش التي غير اسمها مموها في يومياته إلي توريوس‏,‏ ويصطنع لنفسه شفرة خاصة مفاتيحها أن توريس الفرنا تعني شارع لاتوردا‏,‏ وكاليدا مونس تعني البنت واحشاني‏,‏ وأرسطو تعني مرض بلانش الشهري‏,‏ ولا يسلي هوجو في غيابه عن بلانش سوي الأحفاد الذين بلغوا التسعة ولايزالون علي قيد الحياة ويتزعمهم بيير هوجو‏62‏ عاما وكان حفيده جورج قد كتب عن ذكرياته مع جده‏:‏ كانت وجبة جدي المفضلة التي يدعونا لمشاركته فيها هي‏(‏ المخلوطة‏)‏ وكانت من اختراعه ويقوم بإعدادها أمامنا فوق المائدة مكونة من خلطبيطة البيض واللحم والخضروات والمقليات والصلصة‏..‏ وأذكره عندما كانوا يأتون بالكابوريا إلي المائدة فينتزع أقدامها ليدغدغها بأسنانه الصلبة ويبتلعها كلها بقشرها ولحمها‏,‏ وذلك كان أيضا مذهبه في أكل البرتقال الذي يضع فيه البرتقالة كلها علي بعضها في فمه دون نزع قشرها المر ليبدو لعيوننا المحملقة مثل الغول‏..‏ كان جدي يشعر كلما مرت عليه السنون أنه يصغر في السن‏,‏ لأنه علي حد تعبيره لنا‏:‏ تحت شعري الأبيض يعيش ربيع الحياة الذي لا يعرف الشيخوخة الدهن في العتاقي كان من الجبابرة في الاحتمال الجسدي والعقلي‏,‏ فهو يستيقظ مع الفجر مندفعا إلي البحر‏..‏ ثم بعدها أمام باب غرفة مكتبه‏,‏ وبعد الظهر مع ألوانه وفرشاته‏,‏ ثم يسير في نزهة طويلة علي الشاطئ لا يستخدم فيها عصا يستعين بها للقفز فوق الصخر‏,‏ ولا مظلة تقيه من المطر‏..‏ جدي لم يكن يخشي الحر ولا البرد‏..‏ ويتذكر جورج أن جده كان يتشاءم من رقم‏13‏ فكان يحرص علي ألا يحيط بمائدة الطعام سوي اثني عشر أو أربعة عشر شخصا فقط‏..‏ وكان جدي عندما يتكلم ينصت الجميع في خشوع مقدس‏,‏ لكن حفيدته جان الصغيرة كانت هي الوحيدة التي تستطيع كسر القاعدة بتهتهة يعشقها فيحملها إلي صدره ليهبط علي وجنتيها تقبيلا‏..‏ وعن صوت هوجو الرخيم المميز كتب الرسام جونكور‏:‏ صوت يلهو بالكلمات ويحتضنها ويربت حانيا علي ظهرها‏..‏ يتحدث وعيناه نصف مغلقتين وعلي وجهه يتبدي تعبير القطط عندما تتظاهر بالموات أو بالامتنان‏,‏ وحين ينتعش بالكلام يعلو شعره الفضي ويهبط بغرة الجبين في مظهر مثير خلاب‏..‏ وتستغيث الزوجة من هرجلة الزوج‏:‏ أرجو أن تخبرني بضيوفك مسبقا فلا تفاجئني بقدومك قبل الغداء بدقائق مصطحبا معك خمسة أو ستة أشخاص يصحبهم خمسة أو ستة من الخدم ومطلوب مني أن أطعم الجميع‏..‏ إنك لا تقدر ما أبذله من جهد خارق رغم ارتفاع أسعار كل شيء لكي يبدو بيتك جديرا باسمك‏..‏ وأبدا لا يصاب هوجو في حياته بعسر هضم ولا يفهم كيف يصاب به الآخرون‏..‏ كانت صحته حديد لدرجة أنه عندما تعدي السادسة والسبعين وطلبت الزوجة من الطبيب جرماسيه فحصه كنوع من الاطمئنان قال لها بعدها‏:‏ لو لم أكن أعرف جيدا صاحب الشخصية التي أفحصها ووضعوني معها في حجرة مظلمة لأكدت بجميع البراهين القاطعة بأن الجسد المستلقي أمامي في العتمة ما هو سوي جسد رجل لم يبلغ الأربعين بعد‏..‏
فيكتور المفتري الذي يري أن يوما من السعادة أفضل من حياة مأساوية طويلة كان يطوي درجات أربعة طوابق دفعة واحدة دون لهاث‏,‏ وفي المرة التي شعر فيها بنقر ألم في ضرسه وقف متعجبا في المرآة قائلا لمن حوله‏:‏ هذا الملعون الذي في فمي ما هذا البغض الذي أحسه تجاهه‏..‏ ولا يثنيه ضرس ولا سن ولا كونه جد عن أن يظل يهرع كل عصر إلي بلانش‏..‏ بل إلي غيرها أيضا‏,‏ وإذا ما كانت الزوجة الغلبانة تعتقد أن بلانش راحت وراحت أيامها فقد ظلت تعاني من نظرات هوجو المصوبة إلي كل امرأة عابرة‏..‏ النساء من حوله مثل فراشات يجذبها النور بلا مقاومة‏..‏ كتبت إحداهن في مذكراتها أن اللقاء معه يمثل مجدا قوميا‏,‏ وقالت الأخري‏:‏ إن من تجعل مثل هذا الرجل سعيدا ولو لبضع دقائق فإن جرمها مغفور له‏..‏ وتصف الزوجة نساء زوجها بقولها‏:‏ إن وجهه ليبدو بائسا منزعجا وسط تلك الدجاجات ذات الريش الملون‏..‏ عليه التخلص منهن فكلهن سواء إذا ما أطفئ النور‏....‏ وتدخل نجمة المسرح الفرنسي سارة برنار في تلك الفترة في سلك حريم فيكتور هوجو‏,‏ وبالذات عقب عرض مسرحيته إيرناني وبقوة اشتعال المغامرة القصيرة كان الخمود السريع‏,‏ وكتب هوجو‏:‏ لم يكن لنا من القدر حظ لأن ننجب طفلا‏,‏ ويا لها من خسارة فادحة‏..‏ تخيلوا طفلا أمه سارة برنار وأبوه فيكتور هوجو‏..‏ ولأن الأوج لابد له من انحدار فقد حدث أول ملمح للخسوف في‏30‏ من يونيو‏1875‏ الذي كتب عنه‏:‏ اليوم حدثت لي ظاهرة علي جانب كبير من الشذوذ‏..‏ قطع ذهني مفاجئ أظلم ذاكرتي نحو ساعتين‏..‏ لم يكاشف هوجو أحدا بما حدث‏,‏ وتناسي هو نفسه ما حدث وانكفأ يضخ أدبا يكتبه بريشة الأوز علي الأوراق أبياتا ونثرا ورسائل قالت عنها الزوجة‏:‏ تتساقط هنا وهناك مثلما يتساقط البرد‏,‏ وفي‏28‏ يونيو‏1878‏ ذهب كعادته يوميا إلي بلانش وعاد للعشاء لتشتبك مشاجرة علي المائدة بينه وبين أحد الأصدقاء التي يدافع فيها عن فولتير‏,‏ وما أن يغادر الضيف حتي تبدأ الكلمات تتعثر علي لسانه وتثقل حركته ويأوي إلي الفراش ليستيقظ متعافيا فتقترح الزوجة جولة بالسيارة لاستنشاق الهواء لكنه يعود منها متعبا لتهمس لكونسلتو الأطباء الذين استدعتهم بأنه رغم سنه الكبير يندفع في علاقات مع فتيات صغيرات ومن المؤكد أن ذلك سبب معاناته‏,‏ فيهز الأطباء رؤوسهم عجبا‏,‏ وينحني أحدهم علي الفراش يحذر صاحبه بلهجة وقور بأنه من عدم الحكمة أن يمارس المرء وهو في السادسة والسبعين ما تعود علي ممارسته في العشرين‏..‏ ويجيب هوجو في صلف‏:‏ ألا تعلم يا دكتور أن الطبيعة إذا أرادت كان عليها أن تحذرني من قبل‏..‏ وهي لم تحذرني‏..‏ و‏..‏ينادي العجوز زوجته خطأ في حديثه معها بقوله‏:‏ عزيزتي بلانش‏..‏ هنا لم تعد الزوجة الغلبانة العيانة أم العيال بل النمرة الكاسرة التي تري في هوجو زوجها مريضا لا رجاء في شفائه فتنقض علي رأس الأفعي بضربة قاضية وذلك بجعل لوكروي زوج ابنته رقيبا عليه يمنعه من زيارة بلانش بملاحقته علي السلم بكلمات مهينة مثل كفاك طيشا‏..‏ أتظن أنك تعيش في ماخور‏..‏الخ‏..‏ فإذا ما حاول هوجو المقاومة هدده لوكروي بقبضة يده متعديا جميع حدود اللياقة مقسما بأنه سيمنع عنه رؤية حفيدته‏,‏ وكان هوجو يبكي فلا تحنو عليه الابنة الخاضعة لسطوة زوجها الذي أعطته حماته الضوء الأخضر‏..‏ ويذهب لوكروي إلي بلانش يهددها من أن شاعرها قد يموت فجأة بين ذراعيها‏,‏ ويبلغ اليأس مداه في قلب بلانش‏,‏ ويرسل هوجو في أول أكتوبر بعدما أسلم مقاديره واستسلم لحكم القوي إلي بلانش رسالة في الخفاء تضم خمسمائة فرنك‏,‏ وفي السابع عشر من ديسمبر‏1879‏ يكتب‏:‏ زواج بلانش‏..‏ علمت بالخبر الحزين‏..‏ بلانش اليائسة من عودة حميدة لعجوزها تزوجت من جارها الشاب روشروي لتنجب منه طفلين‏,‏ لكنها أبدا لا تنسي سيدها هوجو‏..‏ الساحر الذي يطوي خمسين عاما فارق العمر بينهما في لحظة يهمس لها فيها بصوت يلهو حول كلمات يصوغها قلادة لآلئ تحيط بعنق الحبيبة وتضوي قرطا في أذنيها‏..‏ بلانش في الظل تظل واقفة بائسة علي الرصيف البعيد ساعات أمام منزل فيكتور تنتظر لحظة خروجه لتلمحه ولو من بعيد‏.‏
فيكتور هوجو الذي أوصي بأن يمنح البؤساء‏50‏ ألف فرنك‏,‏ وأن يحمل جثمانه في عربة البؤساء رافضا الصلوات عليه في الكنائس معلنا إيمانه بالله مشيعا بمليوني فرنسي ساروا خلف نعشه تحت قوس النصر الذي اكتسي بالحرير الأسود وأضيئت جنباته بمائتي شعلة تلقي أنوارها علي عناوين مؤلفاته الخالدة التي تغني فيها بحضارة مصر وآثارها ونيلها في مجموعته الشعرية الشرقيات التي تضم‏22‏ قصيدة منها‏:‏ ضوء القمر ووداع الفاتنة العربية وفي قصيدته نار السماء قال‏:‏
مصر الشقراء بسنابلها المتوهجة تحت الشمس
حقولها المبرقشة ممتدة كأنها الطنافس الثمينة
سهول تلي سهولا حتي نهايات الأفق
يتنازعها من الشمال الغزو البارد
ومن الجنوب الرمال المحرقة
ومصر لاتزال تبتسم‏..‏
فأبوالهول يقوم علي حراستها
وآلهة من رخام أخضر لا تغمض عنها جفونها
ونيلها الحياة شريان يجري مطرز بالجزر
كأنه جلد نمر عند حلول المساء وسطوع القمر

المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.