لأن الفارق الاقتصادي والاجتماعي بين المواطنين في شطري المانيا قبل الوحدة التي جرت في مثل هذه الأيام من عام1990 كان هائلا فقد تعهدت المانياالغربية بزعامة المستشار هيلموت كول بمحاولة تضييق تلك الفجوة من خلال القيام بخطط تنمية عملاقة في الولايات التي كانت تمثل ماكان يعرف بأسم المانياالشرقية والتي كانت تضم18 مليون نسمة تقريبا وقد بلغت تكاليف الوحدة حتي الان ما يزيد عن1500 مليار يورو, انفقت معظمها في مشاريع البنية التحتية وفي انظمة الرعاية الصحية والتقاعد ومازالت خزينة الولاياتالغربية تدفع ثمن تلك الوحدة. وفي مقال له في صحيفة فرانكفورتر الجماينة تسايتونج كتب مدير مركزجامعة برلين الحرة للابحاث المتخصصة في شئون المانياالشرقية كلاوس شرودر يقول:' لقد حاولت جميع الحكومات الالمانية عدم الكشف بأمانة عن التكاليف المترتبة علي الوحدة الالمانية تفاديا لنشوء مظاهر الحسد والتذمر تجاه الالمان الشرقيين'. وما زال الالمان الشرقيون يتذكرون شعارات هيلموت كول في اول انتخابات جمعت بين شطري البلاد عام1990 عندما وعد بتحقيق' معجزة اقتصادية' في الشطر الشرقي علي غرار تلك التي تحققت في المانياالغربية عقب الحرب العالمية الثانية. ولكن يبدو ان تجاوز آثار40 عاما من الاداء الاقتصادي السييء لحكومات المانياالشرقية لن يتم بين ليلة وضحاها, كما ان التحول من نظام الاقتصاد الموجه الي اقتصاد السوق لن يكون بالسهولة التي توقعها الساسة الالمان, فانتأجية الشركات والمصانع هناك لا تعادل نصف مثيلاتها في المانياالغربية كما ان تلك المصانع قديمة وغير قادرة علي انتاج ماركات قادرة علي المنافسة في اسواق اوروبا الغربية لدرجة تجعل نسبة لا تقل عن20% من الالمان الشرقيين يتمنون لو أنw الوحدة لم تحدث ويقولون إن حياتهم لم تتغير للأفضل. ويعود ذلك جزئيا إلي أن العديد من المصانع في المانياالشرقية لم تتمكن من مواجهة منافسة نظيراتها في المانياالغربية وبالتالي اضطرت لاغلاق ابوابها في فترة وجيزة جدا, الامر الذي ادي الي ارتفاع حاد في اعداد العاطلين عن العمل هناك وهي المشكلة التي تحاول الحكومة الالمانية ايجاد حل لها منذ سنوات. وهناك ظاهرة اجتماعية اخري تركت آثارا سلبية في المجتمع الشرقي وهي هجرة الشباب الشرقيين الي الشطر الغربي بحثا عن فرص افضل للعمل. وقد درج القول ان الزائر لمدن المانياالشرقية لا يجد امامه سوي العجزة واطلال النظام السابق, مما دفع الحكومة الالمانية للعمل جاهدة من اجل الحد من هذه الظاهرة وذلك من خلال انشاء بنية تحتية اقتصادية واجتماعية جيدة. وقد قامت الحكومة في هذا السياق بتقديم تسهيلات ضريبية للشركات الكبري للاستثمار في الشطر الشرقي أملا منها في انقاذ البنية الاجتماعية والحد من البطالة وقوة التيار النازي المتننامي بين الشباب هناك. وحسب تقديرات. المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في مدينة هاله فأن تكاليف الوحدة تقدر ب ب1.3 تريليون يورو أنفقت بين عامي1991 و.2009 والجزء الأعظم من هذه الأموال المخصصة لإعمار ولايات شرق ألمانيا دخل بصورة مباشرة إلي ميزانيات هذه الولايات, باستثناء تلك المخصصة لتأهيل طرق المواصلات وبناء الجديد منها تم استثمارها من قبل الحكومة الاتحادية بصورة مباشرة. ويعتقد الباحثون في المعهد أن ثلثي تكاليف الوحدة المقدرة ب1.3 تريليون يورو حسب تقديراته أنفقت علي الخدمات الاجتماعية. وحتي يومنا هذا ما زالت معدلات البطالة في شرق ألمانيا أكبر من شطرها الغربي. مما لا شك فيه فإن هذا الأمر لم يكن مخططا له حين دخل المارك الألماني الغربي إلي جمهورية ألمانيا الديمقراطية في الأول من يوليو1990 في إطار الاتحاد الاقتصادي والنقدي والاجتماعي بين الألمانيتين الغربيةوالشرقية. ونال هذا الاتحاد ترحاب مواطني جمهورية ألمانياالشرقية, إلا أنه خلف آثارا مدمرة علي اقتصادها. إذ إن رواتب المتقاعدين والمدخرات إلي حد أقصاه6000 مارك شرقي كان يتم استبدالها بالمارك الغربي بنسبة واحد إلي واحد, وحتي أجور العاملين في المصانع كانت يجب أن تدفع بالمارك الغربي. وحتي في ألمانيا الموحدة فقد بقيت القوة الاقتصادية غير متكافئة, إذ علي الرغم من أن مصانع ألمانياالغربية كانت تبيع منتجاتها في شرق ألمانيا, فإنها استمرت في إنتاجها في الغرب. وبصورة بطيئة فقط نشأت في ولايات ألمانياالشرقية أماكن عمل في القطاع الصناعي. وحتي يومنا هذا ما زالت القدرة الاقتصادية في شرق ألمانيا لكل شخص تعادل71 في المائة من مثيلاتها في الغرب. كذلك فإن إجمالي الناتج المحلي في القطاع الخاص لكل شخص, يبلغ66 في المائة فقط مما ينتج في الغرب.