حملت فضيحة استهداف بعض الجنود الأمريكيين للمدنيين في أفغانستان وقتلهم لمجرد التسلية والمتعة رسائل خطيرة تؤكد أن الأوضاع هناك تسير نحو ما هو أسوأ. وأن الأشهر القادمة سوف تشهد مزيدا من العنف لأن القوات الأمريكية حولت معركتها مع حركة طالبان إلي صراع ثأري مع كل الأفغان. اتهام القوات الأمريكية في أفغانستان بتعمد قتل المدنيين ليس الأول من نوعه, فمنذ بداية الغزو الأمريكي لأفغانستان عام2001 حدثت عشرات الغارات الجوية والهجمات علي الأهداف المدنية الأفغانية وسقطت أعداد كبيرة من الضحايا واتهم الأفغان بمن فيهم الرئيس حامد كرزاي الأمريكيين بتعمد قتل المدنيين لكن في كل مرة كان يتم اعتبار ما حدث مجرد خطأ نتيجة معلومات استخباراتية مغلوطة عن وجود عناصر من حركة طالبان في المكان المستهدف بالهجوم والقصف. ومن هنا تأتي خطورة الفضيحة الأمريكيةالجديدة في أفغانستان حيث لم تعد مجرد اتهامات أفغانية للقوات الأمريكية باستهداف المدنيين لكنها تحولت إلي حقائق تضمنتها وثائق عسكرية أمريكية وتجري بشأنها تحقيقات مع خمسة جنود أمريكيين بتهمة تشكيل' فريق قتل' ويواجه سبعة آخرون تهما عرقلة سير التحقيقات والتستر علي نشاط المجموعة. والدخول إلي تفاصيل جريمة الجنود الأمريكيين كما نشرتها صحيفة' واشنطن بوست' يؤكد مدي التسيب الذي تشهده القوات الأمريكية في أفغانستان فكيف استطاع هؤلاء الجنود قتل المدنيين منذ يناير الماضي دون أن يتم اكتشاف جرائمهم خصوصا أنهم لم يكتفوا بمجرد القتل في معظم الأحيان وقاموا بالتمثيل بجثث ضحاياهم وتصويرها بل واحتفظوا بأجزاء من تلك الجثث علي سبيل التذكار!. والأمر الأكثر إثارة في الفضيحة أن' فريق القتل' أو' فرقة الاغتيالات' تم تكوينها في ديسمبر2009 حسب الصحيفة الأمريكية بعد انضمام الرقيب كالفين جيبس الذي تزعم هذه العصابة وتذكر الوثائق أن جيبس أخبر زملاءه أنه لم يكن يلقي صعوبة في القيام بمثل هذه الأعمال خلال خدمته في العراق عام2004 وهو ما يعني أن مثل هذه الجرائم كانت تحدث في العراق دون أن يتم الكشف عنها. ويظل توقيت الكشف عن هذه الجريمة لغزا محيرا لكل المتابعين للشأن الأفغاني ويطرح عددا من الأسئلة الهامة حول الأبعاد السياسية لهذه الفضيحة الجديدة حيث يأتي ذلك الكشف قبل صدور نتائج الانتخابات البرلمانية الأفغانية التي تعول الإدارة الأمريكية عليها كثيرا لاستقرار الأوضاع في أفغانستان للبدء في انسحاب القوات الأمريكية في يوليو2011 طبقا للاستراتيجية الأمريكيةالجديدة التي أعلنها الرئيس باراك أوباما وهو ما يجعل البعض يعتقد أن تسريب المعلومات حول هذه الجريمة كان مقصودا لشحن الأجواء في أفغانستان وزيادة وتيرة العنف حتي تظل القوات الأمريكية هناك لأطول فترة ممكنة وليتم إرجاء موعد يوليو القادم خصوصا أن أوباما ربط بين الانسحاب واستقرار الأوضاع علي الأرض. وقد يكون تسريب المعلومات عن هذه الجريمة الآن جاء عن قصد من الإدارة الأمريكية أو مؤسستها العسكرية لمحاولة جذب انتباه الرأي العام الأمريكي بعيدا عن الأخبار السيئة الآتية من أفغانستان حيث وصل عدد قتلي القوات الدولية هناك إلي529 منهم منذ بداية العام الحالي وحتي شهر سبتمبر وهو ما يجعل2010 الأكثر دموية منذ غزو أفغانستان حسب الإحصاءات التي تظهر أن حصيلة قتلي القوات الدولية في أفغانستان كانت60 قتيلا عام2004 ارتفعت إلي131 في2005 وصعدت في2006 إلي191 ثم إلي232 في2007 وإلي295 في2008 ووصلت إلي521 قتيلا في2009 وتؤكد الأرقام أن معظم هؤلاء القتلي من الجنود الأمريكيين الذين وصل عددهم إلي350 قتيلا أمريكيا في أقل من تسعة أشهر هذا العام مقابل317 في العام الماضي كاملا. في حال صحة هذا الطرح بأن تسريب المعلومات حول الجريمة كان مقصودا من جانب بعض المسئولين الأمريكيين يصبح الأمر أشبه بمن يحاول اللعب بالنار فالقوات الأمريكية ومعها القوات الدولية تواجه ظروفا صعبة في أفغانستان تتمثل في تنامي قوة حركة طالبان وتصاعد حدة عملياتها واتساع نطاق سيطرتها إلي مناطق جديدة كل يوم وعادة ما كانت القوات الدولية تعول علي تعاون بعض الأفغان مع الأجهزة الاستخباراتية ومثل هذه الجريمة يجعل القوات الدولية في موقع العدو من كل الأفغان وليس حركة طالبان وحدها. وأيا كانت ظروف التسريب حول هذه الجريمة فإن حدوثها يثبت فشل القوات الدولية في أفغانستان ويضيف خطيئة جديدة إلي خطايا القوات الأمريكية في أفغانستان التي وصلت في وقت سابق إلي حد حرق جثث الأفغان بعد قتلهم وهو ما وسع من دائرة الكراهية للقوات الأجنبية العاملة في أفغانستان وجعل الجهاد ضدها فكرة متغلغلة داخل معظم الأفغان وأكسب حركة طالبان أتباعا جددا دون عناء منها.