انجرت العادة علي اعتبار وظيفة الجامعة مقصدا نبيلا تقع في قلب دعائم المجتمع, والمجتمع بدوره يتوقع من الجامعة أن تنهض بالعديد من الوظائف الأساسية التي لاغني عنها لتطوير حركة المجتمع وتحقيق تقدمه في كافة الأصعدة. ولعل من أبرز وأهم وظائف الجامعة التي أكدتها الأدبيات التربوية المعاصرة مايلي: تساعد الجامعة علي الابتكار والتقدم واستقاء وتوزيع المعرفة من خلال البحث العلمي والتدريس, أما الأهم من ذلك, فلقد استقر في الأذهان أن الجامعات هي راعية الفكر والتجديد والتطوير وتتحول تدريجيا الي مستودعات للمعرفة. كما تساعد الجامعة في بناء الاقتصاد الوطني بسرعة كبيرة, إذ إنها توفر القوي البشرية ذات المهارات المحترفة, والمهارات الفنية والإدارية, أما في ظروفنا الحالية التي تتحول فيها المجتمعات الي كيانات للمعرفة, فإن الجامعة لاتوفر العمالة المثقفة فحسب, ولكنها توفر أيضا العمالة ذات المعرفة التي تلزم النمو السريع لاقتصاديات المعرفة, كما تقوم الجامعة أيضا علي المساعدة علي جني ثمار العولمة. وتعتبر الجامعات, مؤسسات تساعد في بناء شخصية وأخلاق الأفراد وتكسبهم القيم المعنوية والأخلاقية والعادات المحترمة, وتكوين توجهاتهم وتفسح المجال للتغيرات النفسية الضرورية لإدماج الأفراد في المجتمع, وتحديث التحول الشامل في المجتمعات عن طريق حماية وتعزيز القيم المجتمعية. ويأتي دور الجامعة في بناء الأمة كواحد من أهم وظائفها من وجهة نظر الكثيرين.. والأهم من ذلك أن الجامعة تسهم في تنمية وتحسين التعليم عامة علي كل المستويات, وتتيح للناس أن يتمتعوا بقدرات عقلية متميزة, وتتيح للقطاع الأكبر من المجتمع كلا من الفوائد والمكتسبات الثقافية والسياسية. ولأن كل هذه الآليات تقع في مجال الصالح العام, فإن الجامعة تخدم الصالح العام وبسبب نبل الغاية التي تكمن في الأدوار المتعددة لها ومنها. الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, فإن الجامعة تعتبر أيضا مصلحة عامة سامية ونبيلة وتعتبر الجامعة أيضا محاريب للتعلم والمعرفة. كما أن الجامعة قادرة علي: تفجير الطاقات الكامنة علي جميع مستويات المجتمع ومساعدة الأشخاص الموهوبين علي الحصول علي تدريب متقدم مهما كانت وضعيتهم الاجتماعية وتشكيل منظومة من الأفراد ذوي التدريب العالي القادر علي المساهمة في تطوير وتقدم الأمة والمجتمع. والسؤال: أين جامعاتنا من تلك الوظائف التي استقرت في الأذهان وأجمعت عليها الأدبيات التربوية في العالم المتقدم والمتخلف علي حد سواء, الأكيد أن جامعاتنا أبعد ما تكون عن تلك الوظائف النبيلة, لقد انحصر دور وظيفة الجامعة في ظل تردي الاحوال التعليمية والاجتماعية والسياسية الي وظيفة تلقين المعلومات وحفظها, وهي معلومات لا قيمة لها ولا علاقة لها بالواقع المعيش والمشكلات التي يعاني منها المجتمع ولا علاقة لها أيضا بالتطورات والمستجدات العلمية والتكنولوجية التي يعج بها العالم شماله وجنوبه, معرفة قديمة ومتقادمة, ولا تقدم في حياة الطلاب كثيرا, من هنا تتحول الجامعة الي مدرسة كبيرة تمارس فيها نفس الممارسات التي تمارس بالمدرسة من تلقين وحفظ وتذكر ودروس خصوصية وغياب كامل لدور الجامعة في بناء أجيال المستقبل علي قيم العلم والمعرفة. وعلي المهارات الأساسية التي لايمكن للإنسان المعاصر أن يعيش بدونها أو أن يتفاعل مع واقعة بغيرها. والمدهش في الأمر أن كل جهود الإصلاح التعليمي والتطوير تتم بعيدا عن تلك الوظائف ولاتنشغل إلا بشكليات في الأداء الجامعي بعيدا عن جوهر مشكلاته الحقيقية والتي تعوق تطور وتقدم المجتمع والأفراد علي حد سواء وعلي الرغم مما يعلن يوميا عن جهود للإصلاح التعليمي في الجامعة فإننا نجد أن الجامعة والتعليم عامة, ليس علي أولويات الحكومة وسياستها التعليمية, ولعل الدليل علي صدق هذا القول الإنفاق العام علي التعليم عامة والتعليم الجامعي علي وجه الخصوص, فلقد بلغت جملة الإنفاق علي التعليم العالي من إجمالي الدخل القومي عام2007/2006 نحو1.17%, ثم تراجع الي نحو1.03% عام2009/2008, وانخفض الإنفاق علي التعليم من جملة الإنفاق العام من3.76% لعام2007/2006 الي نحو2.71% لعام2009/2008. وتلك هي البيانات الرسمية والتي ليست في حاجة الي دليل علي تواضع الإنفاق علي التعليم والذي يعني في التحليل الأخير تراجع الاهتمام بالتعليم الجامعي وتراجع دوره ووظيفته مما يؤدي الي فقدانه لقدرته علي تحقيق الوظائف والغايات المناط به تحقيقها لكي ينهض بالأمة والمجتمع ويحقق تقدمها ورقيها.