في نبرة مفعمة بمرارة مكتومة أعلن سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية في تصريحاته ل الأهرام أن موسكو لم تتم دعوتها إلي المفاوضات المباشرة التي بدأت بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأنها لا تدري ماذا يدور وراء الأبواب المغلقة. وكان لافروف سبق وقال أنه لم يكن هناك ضرر لو دعيت الرباعية الدولية لدعم هذا الحوار, وإن أكد ضرورته وأهميته معربا عن الأمل في إبلاغ بلاده بالنتائج, ولذا فقد كان ما أضافه حول ضرورة الانتظار حتي26 سبتمبر الجاري الموعد الذي حدده نيتانياهو تاريخا لاستئناف بناء المستوطنات تعبيرا غير مباشر عن عدم تفاؤل بتحقيق نتائج ايجابية وهو ما قال صراحة انه لن يكون أمرا سهلا. وأكد لافروف تعليقا علي شروط نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي التي طرحها قبيل بدء المباحثات ومنها ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة العبرية ان موسكو وكل اطراف الرباعي الدولي وكذلك مجلس الامن الدولي اكدوا في كل الوثائق الصادرة عنهم ضرورة المباحثات بدون اية شروط مسبقة. واضاف انني استطيع ان اتحدث فقط حول موقف الرباعي الدولي والذي يتسق مع مواقف مجلس الامن وما نصت عليه الوثائق وكلها تحدد المهام المفروض مناقشتها خلال المباحثات المباشرة اي معايير الوضع النهائي وهي وبطبيعة الحال اقامة دولتين فلسطينية واسرائيلية تعيشان جنبا الي جنب في امن وتعاون ولم تحدد هذه الوثائق اية اوصاف اخري لهاتين الدولتين في اشارة غير مباشرة الي ما يطرحه نيتانياهو حول شرط يهودية الدولة العبرية, كما قال ان هذا يعني اهمية خاصة لا سيما انه يتسق مع ما سبق أن اعلنه نيتانياهو حول ضرورة المفاوضات دون اية شروط مسبقة. وفي نبرة مفعمة بالاسي المشوب بالامل قال لافروف ان المباحثات افضل من لامباحثات. وقد اعربنا عن تأييدنا لاجراء المفاوضات المباشرة, نحن لاندري ماذا يدور وراء الابواب المغلقة؟ فلم يبلغنا احد بتفاصيل ما يجري في اطار هذه العملية. وقد سبق واعلنت روسيا الاتحادية عن ضرورة انضمامها وكل اطراف الرباعية الدولية الي هذه العملية ونأمل في ابلاغنا بالنتائج, وقال في وقت سابق بضرورة ان يكون للرباعية دور وموقف اكثر فعالية في تنظيم هذه المفاوضات وانه لاضرر لو تم اشراك الرباعية الدولية بشكل مباشر في دعم هذا الحوار علي حد قوله. ولذا كان من الطبيعي ان يكشف لافروف ل الاهرام عن ان موسكو تظل تحتفظ بالكامل بفكرة عقد مؤتمرها للسلام في الشرق الاوسط وهي الفكرة التي لم تستطع تحقيقها منذ الاعلان عنها في اعقاب مؤتمر انابوليس في الولاياتالمتحدة. وفي هذا الاطار تظل موسكو متمسكة بما اعلنته حول ضرورة استئناف المباحثات علي كل المسارات وتأمل في احياء المفاوضات علي المسارين السوري واللبناني في وقت ترفض فيه قطع علاقاتها مع حماس أو وقف صادراتها من الاسلحة الي سوريا. وكان السفير اندريه نيتسيرينكو المتحدث الرسمي باسم الخارجية الروسية كشف في تصريحاته ل الاهرام ان موقف روسيا واعضاء الرباعية الدولية تجاه المفاوضات المباشرة بما في ذلك موضوع استئناف بناء المستوطنات سيتحدد علي ضوء نتائج الاجتماع المرتقب للرباعية علي هامش اعمال دورة الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك وإن اكد ضرورة عدم اتخاذ اية اجراءات او قرارات احادية الجانب. ومن هذا المنظور يجب الا ننسي ان لموسكو ثوابتها تجاه منطقة الشرق الاوسط واولها اعلاء مصالحها وبما لا يتعارض مع علاقاتها الثنائية مع اي من الاطراف المعنية في هذه المنطقة وفي مقدمتها اليوم ايضا علاقاتها مع اسرائيل. واذا كان التاريخ سجل تعرجات هذه السياسات بداية من الانحياز المطلق لبناء اول دولة اشتراكية في الشرق الاوسط والتي كان الزعيم السوفيتي الاسبق ستالين اول من اعترف بها في مايو1948 فانه سجل ايضا تحوله عنها بعد ان صار علي يقين من جنوحها نحوالتعاون مع الولاياتالمتحدة واصرارها علي تشجيع هجرة اليهود السوفيت الي اسرائيل. وليست ببعيدة سنوات الخمسينات والستينات التي اقتربت خلالها موسكو من البلدان العربية في اطار دعم وتأييد سياسات وحركات التحرر الوطني والتصدي للاستعمار والامبريالية حتي جاء الرئيس السادات وبدأت القطيعة مع موسكو الي ان بادر الرئيس مبارك باتخاذ قراره حول اعادة العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي في عام1984. وشاء القدر ان تكون اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مواكبة لمقدمات الاعلان عن سياسات البيريسترويكا والفكر الجديد في موسكو بعد وصول ميخائيل جورباتشوف الي سدة السلطة في الكرملين وما تبعها من تفكير في اعادة العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل قبيل انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في اكتوبر1991. غير ان رحيل جورباتشوف بعد اعلانه عن عودة العلاقات الحميمية مع اسرائيل لم يكن سوي البداية لمرحلة جديدة صال فيها اليهود وجالوا متسلحين بجوزات سفرهم الروسية والاسرائيلية في آن مما افقد روسيا دورها الحقيقي الفعال في الشرق الاوسط بعد سقوط موسكو في شرك الانحياز المطلق لاسرائيل مهما تكن محاولاتها لطمس هذه الحقيقة الثابتة تاريخيا. صحيح ان وزير الخارجية الاسبق يفجيني بريماكوف حاول استعادة وقار السياسة وموضوعية الموقف الا ان تغيرا جذريا لم يطرأ علي سياسات موسكو في المنطقة بسبب الهجوم الكاسح من قبل الدوائر الاسرائيلية التي كانت لها اليد العليا في صناعة القرار الروسي آنذاك في وقت انفردت فيه واشنطن بادارة الازمة بما يخدم مصالح الشريك الاعظم في الوقت الذي لم يستطع فيه العرب تطوير النجاح النسبي الذي تحقق في مدريد وما وقعه الفلسطينيون من وثائق في اوسلو بعد اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق رابين. غير ان موسكو سرعان ما استعادت بعض عافيتها ومكانتها في الساحة الدولية والاقليمية بعد وصول زعيمها فلاديمير بوتين في مطلع القرن الحالي فيما استطاع وزير خارجيتها ايجور ايفانوف تطوير ما وضعه سلفه بريماكوف من سياسات استهدفت كسر هيمنة القطب الواحد وبعد تشكيل آلية. لم تنفض موسكو يدها وظلت علي مقربة من خلال علاقات وطيدة مع عدد من بلدان المنطقة تطورت لتشمل حركة حماس التي باركت فوزها في الانتخابات ورفضت ادراجها ضمن المنظمات الارهابية, لكنها كانت علي علاقات تبدو حميمية مع اسرائيل التي حظيت وتحظي بمكانة خاصة وهي التي يقطنها ابناء الوطن علي حد تعبير بوتين فيما عقدت معها العديد من الاتفاقيات والتي كان آخرها اتفاقية التعاون العسكري بما يخدم المصالح المتبادلة لا سيما في مجال التكنولوجيا والصناعات الدقيقة. وهاهي دوريت جوليندر دروكر السفيرة الجديدة لاسرائيل وربيبة المتطرف ليبرمان الذي جاء بها من اوساط المهاجرين السوفيت الي هذا المنصب بعد سنوات من العمل الاعلامي في الاذاعة الموجهة تقول بأن الكثير يربط بلادها مع موسكو وفي مقدمتها الاقتصاد و الهاي تك والزراعة واشياء اخري كثيرة, ربما ايضا من خلال الجيش العرمرم من المهاجرين المتطرفين الذي يأبون العيش الا في المستوطنات التي يقيمونها في الارض التي تعترف موسكو بانها ارض محتلة. وفي الاستيطان تكمن المشكلة الحقيقية التي تحول دون تحقيق التسوية بعد ان صارت الارض متقدمة علي ما عداها من عناصر التسوية المنشودة وبعد ان اقتصر التفاوض علي محاولة استرداد اقل من20% من الاراضي الفلسطينية التي سبق أن حددها قرار التقسيم.