يختلط الفن هنا مع السياسة والفكر والاحداث المتوهجة التي شهدتها مصر خلال مائة عام. تمتزج ألوان وخطوط اللوحات الفنية مع نبض المجتمع المصري. وترسم الفرشاة تاريخ ووجدان الوطن. اللوحات الفنية... الجداريات.. التماثيل.. المباني المعمارية.. الصور الفرتوغرافية كي معها حكاية رحلة تنوير عاشتها مصر المحروسة خلال قرن من الزمان. في12 مايو1908 ولاول مرة في تاريخ مصر, تم افتتاح مدرسة اهلية للفنون الجميلة في بيت من املاك دائرة الامير يوسف كمال والذي حمل وحده هذه المبادرة الفريدة وتحمل اعباء انشاء أول مدرسة للفنون الجميلة في الشرق العربي مستهدفا ان ينقل بها البلاد نقلة حضارية تواكب بها العصر الحديث وهو من اغني امراء الاسرة المالكة ابن الامير أحمد كمال ومن احفاد ابراهيم باشا بن محمد علي, وقد عاش حياة نشيطة حافلة بالاهتمامات في المجالات المتنوعة خاصة في مجالات الثقافة والفنون الرفيعة. وتولي نظارة هذه المدرسة المثال الفرنسي غاليوم لابلان حتي عام1918 واختيرت لها نخبة من اساتذة الفنون الأوروبيين وفي مقدمتهم هنري بيرون المعماري وهنري رابين المصور وباولو فورشيلا عضو اكادمية نابولي وجيمس كولون المزخرف. ولم تمض ثلاث سنوات علي بدء الدراسة حتي اقيم أول معرض فني اسهم فيه طلاب قسم التصوير مع زملائهم بقسمي النحت والعمارة وذلك في يناير عام1911 بنادي السيارات الاتوموبيل كلوب بشارع المدابغ, فعرضت ولأول مرة لوحات التصوير والزخرفة بجانب التماثيل والرسوم المعمارية, وكان من بين العارضين النحات محمود مختار وانطوان حجار ومحمد حسن والمصوران يوسف كامل وراغب عياد. وفي نفس العام وضعت المدرسة تحت اشراف وزارة المعارف العمومية بناء علي رغبة منشئها, حيث ادخلت عليها اصلاحات عديدة ونقحت لائحتها العامة والداخلية. واصبح الفنان محمد ناجي عام1937 أول مدير مصري لمدرسة الفنون الجميلة وتوالت بعده الاسماء محمد حسن, شفيق زاهر, عبدالمنعم هيكل, يوسف كامل.. إلي اخر الاسماء التي تولت إدارة مدرسة الفنون والتي صارت عام1950 الكلية الملكية للفنون الجميلة. وتتشعب التخصصات.. وتتعدد الاقسام بمرور السنوات( قسم الديكور التصوير الجرافيك النحت). وفي عام1975 انضمت الكلية إلي جامعة حلوان. يلتقي هنا القاريء مع الاساتذة والرواد1908 1928 محمود مختار ومحمد حسن ويوسف كامل وراغب عياد واحمد صبري واحمد لطفي وغيرهم. ومع الجيل الأول(1929 1948) مصطفي متولي, حسين بيكار, رمسيس يونان, صلاح طاهر, عبدالسلام الشريف, جما السجيني, كامل مصطفي وغيرهم, كاومع الجيل الثاني1949 1968 ماهر رائف, وعبدالهادي الجزار, وحامد ندا, وعبدالغني أبوالعينين, وصبري راغب, آدم حنين, وجورج البهجوري وشادي عبدالسلام, وسامي رافع, وزينب السجيني وحلمي التوني, وناجي شاكر وغيرهم. ومع الجيل الثالث1969 2008 طلعت الدالي, ومني أبوالنصر وسلمي عبدالعزيز وفاروق بسيوني وجمال البنا, ومحمد الناصر وغيرهم. وتاريخ كلية الفنون الجميلة يعكس معه مسيرة التنوير التي عاشتها بلادنا بفضل دعم طلائع التنوير مثل الزعيم مصطفي كامل وقاسم امين فضلا عن فتاوي الامام محمد عبده شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية, تلك الفتاوي المستنيرة التي وقفت إلي جوار الفن وحرية الابداع والفكر. ربما تجيء هذه السطور متأخرة قليلا... لكنها واجبة في زمن يتراجع فيه الجمال ويسود القبح ملامحه. صدر الكتاب عن مؤسسة فارسي لرعاية الفنون والثقافة.