كتب : سامي فريد كانت هزيمة عام67 هي الحد الفاصل بين مرحلتين في حياة الرواية العربية, فمع الهزيمة سقطت قيم كثيرة, إذ كانت الهزيمة تعبيرا حادا وصارخا عن تفسخ الايديولوجية السائدة, وعن هزيمة الأبنية الحزبية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وغيرها, وقد أحدثت الهزيمة خلخلة في كل هذه الأبنية, وفي منظومة القيم السائدة ومنها بالطبع القيم الفنية والمعايير الجمالية, كما هزت الشخصية المحلية من جذورها. وفي كتابه المهم أنماط الرواية العربية الجديدة يرصد الدكتور شكري عزيز الماضي ومراحل تطور بنية السرد الروائي من الرواية التقليدية الي الحديثة ثم الجديدة, التي تهيأ لها المناخ الملائم عقب الهزيمة للتمرد علي الجماليات الروائية المألوفة وإبداع شكل روائي جديد بعناصره وبنائه وتفاعلاته الذاتية والموضوعية وفلسفته وقيمه الفنية التي يسعي الي تجسيدها, والي مفهوم جديد للرواية والفن عموما ولجماليات التلقي وللعلاقة بين المتخيل والواقعي, وبين الأدب والواقع, جاءت الرواية الجديدة إذن تعبيرا فنيا عن حدة الأزمات المصيرية التي تواجه الإنسان, فالذات المبدعة تحس غموضا يعتري حركة الواقع ومجراها وتشعر أن الذات الإنسانية مهددة بالذوبان أو التلاشي, وفي ظل تفتت القيم واهتزاز الثوابت وتمزق المبادئ وتشتت الذات الجماعية وحيرة الذات الفردية وغموض الزمن الراهن, بل والآتي أيضا, وتشظي المنطق المألوف والمعتاد, في ظل هذا كله تصبح الرواية الحديثة التي سبقتها عاجزة عن تفسير الواقع وتحليله وفهمه بل عاجزة أيضا عن التعبير عنه, لهذا جاءت الرواية الجديدة لتؤسس لذائقة جديدة ووعي جمالي جديد وتبحث عن قيم فنية جديدة ودالة, وكنتيجة حتمية لتشظي الأبنية المجتمعية وفقدان الإنسان لوحدته مع ذاته كان لابد من الاستناد الي جماليات التفكك بديلا عن جماليات الوحدة والتناغم, وفي ظل هذا التفتت والتعثر والتناثر كان لابد أيضا من تفجير منطق الحبكة القائمة علي التسلسل والترابط أو البداية والذروة والنهاية, وإذا كانت الرواية الحديثة قد كابدت من أجل اختفاء الكاتب لتقديم المادة الروائية بموضوعية, فإن الروائي الجديد يتدخل في روايته الجديدة بصورة مباشرة وغير مباشرة بل إنه يتعمد مخاطبة القارئ ومحاورته, كما يتعمد التعليق والشرح من أجل تحطيم مبدأ الإيهام بالواقعية فظهرت في الرواية الجديدة الانحرافات السردية المتكررة والمتعمدة كالانتقال من حدث الي حدث ومن مكان الي آخر ومن شخصية الي شخصية, فانكسر التسلسل الزمني وفقد أهم خصائصه وهي التتابع وتداخلت الأزمنة أو اختفت واختفي المكان ولم يعد موضوع الرواية يتصف بالوحدة أو التناغم والتحديد وباتت الشخصيات مجرد أطياف أو أسماء أو حروف لا معني لها, واختفي بطل الرواية وحلت محله بعض الضمائر أو الأصوات والرموز وتعددت لغة الرواية فأصبحت مستويات متعددة صاحبها التمرد علي اللغة المألوفة وتراكيبها وقواعدها..