بمناسبة المسلسلات الكثيرة التي ازدحمت بها القنوات الأرضية والفضائية في رمضان الماضي نستطيع أن نقول إن هناك فرقا بينها وبين الافلام, هو ان المسلسلات لا تخضع لمطالب السوق بنفس الحدة والقوة التي يخضع لها الفيلم السينمائي, فلا ضرورة لنجم الشباك الذي يضمن استمرار العرض كما يضمن عقود التوزيع وتقديم السلف من شركات التوزيع. واذا كان هناك اعتبار تراعيه شركات الانتاج التلفزية يتصل بالاعلان والمعلنين والتسويق للقنوات الأخري, فهو عملية لا تخضع لنفس الحسابات والمعايير, ويمكن تقديم مسلسل بلا نجوم اعتمادا علي قوة القصة وقوة الاخراج وغير ذلك من مؤهلات النجاح التي لا تنطبق علي الأفلام( فمثلا كان يمكن تسويق المسلسل علي اسم الراحل اسامة أنور عكاشة في حين لم يكن هذا واردا مع سوق الأفلام) وهذه مجرد تقدمة لموضوع يتصل بعبارة رائجة في مجال الانتاج الفني والأدبي تتلخص في التعبير الشهير وهو الجمهور عايز كده, ولا اعتقد ان هناك أكذوبة اكتسبت من الرواج وخدعت الناس منتجين وفنانين وجمهورا مثل هذا التعبير الذي يندرج في قائمة ما نسميه خدعوك فقالوا هذا ما يريده الجمهور, ونحن نعرف جميعا باعتبارنا جمهورا انه لا وجود لشيء محدد نريده أولا نريده, سواء في مجالات الأفلام أو القصص أو غير ذلك مما يسمي منتج ثقافي يباع في الأسواق, ويعتمد في رواجه وانتاجه علي طلب السوق, واقبال المشاهدين والمستمعين والقراء, نعم, هناك فيلم يسقط تجاريا وينجح أدبيا, وهناك العكس أي ينجح تجاريا ويسقط أدبيا, وهناك فيلم يسقط في الاثنين, وآخر ينجح في الاثنين, أما الكتب فلأن لها جمهورا أكثر محدودية, وينحصر في دائرة القادرين علي المطالعة ومحبيها, فمعرفة ما يريده الجمهور أكثر صعوبة, واذا أخذنا مجال الرواية فهناك علي مستوي السوق العالمية روايات الإثارة التي تدخل قوائم الكتب الأكثر توزيعا ربما قبل الروايات الأدبية التي يكتبها اساطين الأدب وهو مقياس لا ينطبق دائما علي السوق المحلية فقد سألت زملاء يكتبون القصة البوليسية وقصة الجوسسة وقصة الجريمة فقالوا إن التوزيع في السوق العربية, لا يرتفع كثيرا عن القصص الأدبية, فما الذي يريده الجمهور حقا؟ وأعود إلي القول إنه ليس للجمهور شئ محدد يريده, وقد ينخدع منتجو الافلام عندما يرون ان هناك ولعا بقصص الانتصارات التي تحققها أجهزة الأمن السرية, حين تدس جاسوسا علي العدو, كما حدث مع مسلسل رأفت الهجان, فيتجهون إلي انتاج افلام من هذا النوع, وفعلا نري ان هناك موجة من الحماس تسوق الجمهور لمشاهدة هذه الأفلام, ثم ما تلبث الموجة أن تنكسر وتصاب هذه الافلام بعد فترة بالبوار والكساد, ويتوقف المنتجون عن انتاج هذا النوع بحثا عن موجة أخري كما حدث مع موجة من افلام المطاردات البوليسية لعصابات الحشيش, أو صراع الصيادين مع أهل الاحتكار والرأسمالية, ولكن لا أحد يقول إن هناك شيئا محددا يريده الجمهور, فقد نجحت افلام هلس ورقص وفرفشة كما نجحت افلام عظيمة كتبها نجيب محفوظ وأخرجها صلاح أبوسيف أو توفيق صالح, ونجحت افلام مثلها محمد سعد من أهل الكوميديا السوقية, وأخري مثلها الراحل محمود مرسي من أهل الالتزام والجدية, وإذ أردنا ان نستفيد من بعض تجارب وخبرات السينما العالمية وأنموذجها الأعلي سينما هوليوود, فان للنجم فيها دائما الاعتبار الأول والأكبر, ففيلم يقوم ببطولته مارلون براندو علي أيامه ليس كفيلم يقوم به ممثل ناشئ اسمه جون سميث, وحتي هذا الناشئ اذا كان لابد منه فلابد أن يدخل مصنع النجوم الذي يقوم بتصنيع القصص عنه والتروج لعبقريته كما حدث عندما رأينا جون ترافولتا في حمي ليلة السبت وقبله جيمس دين يقدم في متمرد بلا قضية, وغيرهما وبعد النجم العريق أو النجم الذي تم تصنيعه وتزويقه تأتي قصة الفيلم كما هو الحال مع قصص ملحمية مثل الوصايا العشر أو كليوباترا أو بن هور أو سبارتاكوس أو تايتانيك أو غاندي, فهذه افلام وصل فيها الورق كما يقول أهل السينما الي أرقي مستوياته وسخرت لكتاباتها أقوي المواهب وأهل الصنعة, ثم تأتي مسألة ثالثة تدخل في صناعة نجاح الفيلم هي الميزانية الكبيرة التي صارت تصل هذه الأيام إلي أرقام فلكية إذن فالنجوم الكبار وكتاب السينما الكبار والميزانيات الكبيرة هي ما يريده الجمهور, بغض النظر عن الموضوع, واعتقد أن كلمة مايريده الجمهور عربيا, كانت تستخدم في الترويج لنوع من الافلام وهي افلام المقاولات أو بعبارة قديمة جديدة افلام الميزانيات الصغيرة, فهناك طبعا يسأل المنتج عما يمكن ان يضعه في الفيلم لكي يضمن ربحا يأتيه عن طريق ميزانيته الصغيرة فكان يقال له ضع رقصة في الفيلم وضع أغنية وضع ممثلا فكاهيا يسند البطل, وضع معركة تتكسر فيها بعض الكراسي فوق الرءوس وهنا يضمن المنتج متفرجين يملأون قاعات الدرجة الثالثة أو الترسو كما كانوا يقولون. ولكن طبعا ليس بمثل هذه الوصفات تصنع السينما أو تتحقق النهضة الفنية أو يزدهر الابداع وترقي صناعة السينما.