علي مدي العقود الستة الماضية وبالتحديد ابتداء من عام1964 ظلت الولاياتالمتحدةالأمريكية وفية لالتزاماتها وتعهداتها بضمان التفوق العسكري الإسرائيلي النوعي علي كل الدول العربية مجتمعة. وقد أجادت الولاياتالمتحدة في أدائها لهذه المهمة عبر أربعة أدوار. الدور الأول, هو منع وعرقلة أي محاولة عربية لتصنيع أسلحة متطورة, تجربة مصر عام1965 بالنسبة لرفض واشنطن برنامج صناعة الصواريخ مثال بارز علي ذلك. والدور الثاني هو التضييق علي مساعي العرب للحصول علي أسلحة متطورة من أي مصادر أخري, المثال البارز الآن هو الضغوط الأمريكية علي روسيا لعدم بيع دول عربية صواريخ اس300 الدفاعية المتطورة. أما الدور الثالث, فهو بيع العرب أسلحة لا تصلح لمحاربة إسرائيل, أي أسلحة أدني في كفاءتها من الأسلحة التي تعطيها لإسرائيل. يأتي الدور الرابع, وهو الأهم ويتمثل في التدخل المباشر لدعم الترسانة العسكرية الإسرائيلية بأفضل وأحدث الأسلحة الأمريكية ودعم ومساندة وتمويل الصناعة العسكرية الإسرائيلية. استمرار الالتزام الأمريكي بهذه الأدوار من شأنه أن يحافظ علي تمكين إسرائيل من التفوق العسكري النوعي الكامل علي العرب, والإبقاء علي تمكين الولاياتالمتحدة من إدارة معادلات الأمن والاستقرار والتقدم في المنطقة من خلال تحكمها في إدارة مسيرتي الحرب والسلام, ما يعني أن قبول العرب واستسلامهم لهذه الأدوار الأمريكية وافتقادهم العزيمة والإصرار علي فرض معادلات بديلة قادرة علي إحداث انقلابات في موازين القوي والأدوار لن يكون له غير معني واحد هو بقاؤهم خارج معادلة الحرب والسلام. وإذا كانت الولاياتالمتحدة قد استطاعت أن تصل إلي هذا المستوي من التمكين في شئون العرب, من خلال تلك الأدوار الأربعة الخاصة بالحفاظ علي التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي علي كل الدول العربية فإن الدور الأمريكي الجديد الداعم لتفرد إسرائيل, بامتلاك السلاح النووي في الشرق الأوسط, وتحديها لدعوة دول عربية بجعل الشرق الأوسط خاليا من أسلحة الدمار الشامل خاصة الأسلحة النووية, من شأنه أن يفرض علي العرب واقعا جديدا غير مسبوق في علاقاتهم مع أمريكا وإسرائيل, وهو الواقع الذي بدأت معالمه تتأكد في الزيارة الفاشلة التي قام بها يوكيا أمانو المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلي إسرائيل يومي23 و24 أغسطس الفائت. فقد زار أمانو إسرائيل استجابة للقرار الصادر عن مؤتمر عام الوكالة في دورته53 بتاريخ18 سبتمبر2009 الذي دعا إسرائيل إلي الانضمام إلي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وإخضاع منشآتها النووية إلي مواثيق الضمانات الشاملة للوكالة وفتح منشآتها النووية أمام المفتشين التابعين للوكالة وتكليف الأمين العام بالتقصي عن قدرات إسرائيل النووية وتقديم تقرير بذلك إلي مؤتمر مجلس محافظي الوكالة من تامقرر أن يكون قد بدأ اعماله أمس الاثنين تمهيدا لمناقشة الموضوع في مؤتمر عام الوكالة يوم الاثنين المقبل. وجاءت توصيات مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي عقد في مقر الأممالمتحدة( نيويورك3 28 مايو2010) لتضاعف من حوافز مهمة المدير العام للوكالة الدولية الخاصة بالتقصي عن القدرات النووية العسكرية لإسرائيل الذي عاد إلي فيينا بعد أسبوع تقريبا من مشاركته في أعمال ذلك المؤتمر ليعلن يوم6 يونيو الماضي أنه وجه خطابات إلي جميع الدول الأعضاء في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتقصي حقائق القدرات النووية الإسرائيلية, ولكنه كان حريصا علي أن يوضح أن الوسائل التي سوف يلجأ إليها للقيام بهذه المهمة تقتصر علي الاتصال بالعديد من الدول والاستعانة بخبراء الوكالة, فضلا عن بعض الخبراء الدوليين, دون أي إشارة إلي الوسيلة الأهم وهي أن يصل خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلي المنشآت النووية الإسرائيلية بأنفسهم لتقصي الحقائق من داخل هذه المنشآت, مبررا هذا القصور بأن إسرائيل غير موقعة علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. أمانو عندما قال ذلك في مؤتمره الصحفي يوم6 يونيو الماضي كان يتحدث وهو يأخذ في اعتباره حتما الهجوم الإسرائيلي الضاري علي الوثيقة الختامية الصادرة عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والجهود المضنية التي بذلتها واشنطن لعرقلة صدور أي قرارات ضد إسرائيل, لكنه عندما زار إسرائيل يومي23 و24 اغسطس الماضي كان يأخذ أيضا في اعتباره, وهذا هو الأهم الوعود التي قدمها الرئيس الأمريكي باراك أوباماالرئيس الحكومة بنيامين نيتانياهو في لقائهما بواشنطن( يوليو الماضي). فقد نجح نيتانياهو في أن يحقق هدفين في لقائه مع أوباما إضافة إلي هدف المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين. الأول هو تبني أوباما الرؤية الإسرائيلية بشأن استراتيجية الغموض النووي الإسرائيلي التي تعني الحفاظ علي قدرات إسرائيل النووية وعدم توقيعها علي معاهدة حظر الانتشار النووي, وإفشال مؤتمر الشرق الأوسط النووي المقرر انعقاده عام2012. والثاني تعهد أوباما بدعم القدرات النووية الإسرائيلية علي نحو التعامل الأمريكي مع الهند أي مساواة إسرائيل بالهند في هذا المجال بما يعني موافقة واشنطن علي التعامل مع إسرائيل باعتبارها دولة مسئولة يمكن الاعتماد عليها في مجال التكنولوجيا النووية دون توقيعها علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, وهو مايعني أمرين: قبول امريكا التعامل مع إسرائيل باعتبارها دولة واقع نووية من ناحية, ودعم قدراتها النووية المدنية بالتكنولوجيا النووية المتقدمة من ناحية أخري. من هنا جاء وصف صحيفة هاآرتس الإسرائيلية لزيارة نيتانياهو لواشنطن تلك بأنها كشفت سلسلة تفاهمات امريكية إسرائيلية بشأن الغموض النووي كانت تعتبر بالغة السرية في الماضي, وقالت ان في مركز هذه التفاهمات التزام امريكي بإحباط كل قرار يلزم إسرائيل في الشأن النووي, واستعداد غير مسبوق للتعاون الأمريكي مع إسرائيل في المجال النووي المدني, ولذلك وصف عوزي آراد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي وعود الرئيس الأمريكي باراك أوباما النووية لنيتانياهو بأنها بوليصة تأمين لإسرائيل. لذلك تعامل الإسرائيليون بتجاهل وفتور مع زيارة يوكيا أمانو لتل ابيب وتهربوا من لقائه خاصة رئيس الحكومة بنيامين نيتايناهو ولم يسمحوا له بزيارة أي من المنشآت النووية العسكرية ولم يحصل علي أكثر من مضمون الرسالة التي سبق أن تلقاها من وزير الخارجية الإسرائيلي افيجدور ليبرمان ويقول فيها: الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليست المحفل الملائم لمناقشة هذه المواضيع وان علي إسرائيل النظر في إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي بعد إحلال السلام الدائم والشامل أما أمانو نفسه فلم يكن متحمسا بما فيه الكفاية, لذلك جاءت زيارته لإسرائيل معدومة النتائج وهو ما انعكس علي تقريره الذي من المفترض أن يكون قدمه أمس الاثنين لاجتماع مجلس محافظي الوكالة, وهو التقدير الذي تضمن عبارة تقول: إنه نظرا إلي كون إسرائيل لديها اتفاق ضمانات جزئي فقط وليس شاملا مع الوكالة فإن الوكالة لاتستطيع أن تقدم قائمة بالمنشآت النووية الإسرائيلية ومقرا بأن الوكالة لا تستطيع أن تقدم أكثر من المعلومات التي تمتلكها بموجب اتفاق ضمانات جزئي فقط وليس شاملا مع الوكالة اعتراف صريح بالقصور والعجز من شأنه أن يحفز الأمريكيين والإسرائيليين ليس فقط علي تجاوز كل الضغوط والتحديات التي تواجه القدرات النووية الإسرائيلية الآن بل وفرض إسرائيل دولة أمر واقع نووية. دون أي اعتبار لمطالب الدول العربية الصديقة بجعل الشرق الأوسط خاليا من أسلحة الدمار الشامل وتحريم الانتشار النووي.