وسط ضغوط عالمية شديدة تراجع القس المتطرف تيري جونز عن دعوته العنصرية البغيضة لإحراق نسخ من المصحف الشريف, وعاد بعد ساعات ليعلن أنه يفكر في تجديد دعوته بحجة عدم التوصل الي اتفاق حول بناء مسجد نيويورك. لن يجرؤ هذا القس الأحمق علي تنفيذ جريمته الشنيعة, ويقدم علي حرق نسخ من أحد كتب الله المقدسة القرآن الكريم, وهو يعلم أن مليارا ونصف مليار مسلم في العالم يؤمنون به, ولا يسمحون بالمساس به, بل ويأمرهم دينهم بالدفاع عنه واحترام الأديان الأخري وكتبها المقدسة وأنبياء الله. ومع ذلك لا يجب اعتبار دعوة هذا القس حالة أمريكية أو غربية عامة تجاه العرب والمسلمين والدين الإسلامي, فجونز هذا يشرف علي كنيسة صغيرة منشقة عن الكنيسة البروتستانتية وليس له أتباع سوي300 شخص أو أقل قليلا, ومعروف عنه تشدده وتعصبه, واستغل الرجل جرائم بعض المحسوبين علي الإسلام خصوصا أحداث سبتمبر, ليشن حملته العنصرية علي الإسلام والمسلمين, ويصفه كثير من الأمريكيين بأنه باحث عن الشهرة, ويحاول إخراج كنيسته الصغيرة من عزلتها, حيث تقاطعها كل الكنائس حتي البروتستانتية منها, وهو أمر جعل كنيسته دون أتباع ودون تأثير وتعاني من أزمة مالية خانقة بسبب عدم دعم الكنيسة الانجيلية لها, وقلة تبرعات أعضائها, ويعتبر جونز أحد رموز تيار اليمين الديني المحافظ, وهو تيار متطرف, أقرب إلي الحركات الفاشية العنصرية,ويعتبر هذا التيار امتدادا للجماعة العنصرية البيضاء كلو كلاكس كلان, المعروفة اختصارا بحرف الكاف الأول من اسمها الثلاثي ك.ك.ك. وهي حركة مسيحية متعصبة شكلت عصابات مسلحة في بدايات القرن الماضي لمطاردة الزنوج وحرقهم علنا وتدمير منازلهم, واغتيال المتعاطفين معهم, حتي ولو كانوا من البيض, وعارضت هذه المنظمة بشدة وقاومت جميع القوانين الاتحادية الداعية للمساواة والحريات المدنية, ورغم اختفاء نشاط هذه المنظمة وتراجع عملياتها, فإن بعض أفكارها لاتزال مختبئة داخل عدد من المنظمات وتيارات دينية داخل المجتمع الأمريكي, وبعضها أضاف كراهية الغرباء والمهاجرين إلي سجل عدائهم للسود, لإيمانهم بتفوق العرق الأبيض. لم تجد دعوة جونز أي صدي لها داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية, ورفضتها جميع المؤسسات الرسمية والدينية والمدنية الأمريكية وأدانتها بشدة, وكان ملفتا صدور بيان من رجال دين أمريكيين ينتمون للأديان السماوية الثلاثة( اليهودية والمسيحية والاسلامية) ينددون فيه بالأعمال المعادية للمسلمين, ويرفضون التعصب ويطالبون بعدم الخروج عن القيم والتقاليد الأمريكية في احترام الأديان والمعتقدات, في المقابل أدان زعماء العالم وقادة دينيون هذه الدعوة باعتبارها منافية لحق الايمان والتعايش بين الأديان والشعوب, وتزيد الكراهية بين أتباع الاديان بدلا من التفاهم والحوار. وعلي المستوي الوطني, كم أسعدني موقف مصر بكل مؤسساتها والمصريين علي مختلف مواقفهم وانتماءاتهم السياسية والدينية من هذه القضية, فقد كان تصريح الرئيس حسني مبارك وتحذيره من مغبة هذا العمل قويا وواضحا, ويعبر عن موقف كل المصريين باعتبار هذه الدعوة عملا عنصريا معاديا للإسلام والمسلمين يمكن أن يزيد من دعوات العنف والإرهاب في العالم, وهو موقف يتسق مع دعوات مصر الدائمة لاحترام الاديان وحرصها علي الحوار والتفاهم بين الشعوب والحضارات ونبذ العنف والإرهاب تحت أي مسمي سواء أكان سياسيا أو دينيا. ولقد أدرك المصريون أن هذه الدعوة هدفها التفريق بين أبناء الديانات وتصدير أفكار التعصب والعنصرية إلي المجتمعات الأخري لهذا جاء موقف المصريين وفي مقدمتهم اشقاء الوطن من الاقباط موقفا وطنيا ودينيا يستحق التقدير والاحترام, وجاء وصف البابا شنودة لهذا القس ودعوته وصفا صحيحا حيث قال إنه ليس له علاقة بالمسيح ولا بالمسيحية وأنه يتصرف بجهل وحماقة وان أفعاله طائشة, مؤكدا أن المسيحية لاتقل جرح شعور الناس خاصة في دينهم,وهي لاتقبل العداوة والكراهية وقطعت تظاهرة أقباط مصر أمام دار القضاء العالي الطريق علي من يحاول الربط بين أبناء مصر من الأقباط ودعوة هذا القس الأحمق, لقد وصف أقباط مصر دعوته بأنه عمل إجرامي يتنافي مع جميع الشرائع والعقائد, وأدانوا بشدة الاعتداء علي الإسلام والمسلمين. لهذا فقد فوت المسلمون والمصريون بشكل خاص بموقفهم العاقل والمدرك لسماحة الأديان, هدف هذا القس الذي كان يحاول بإساءته للمسلمين وكتابهم المقدس إشعال نيران الحروب الدينية والمذهبية بين أتباع الديانات داخل الولاياتالمتحدة ثم تصدريرها إلي بقية أنحاء العالم وبالاخص إلي عالمنا العربي والإسلامي. فسيناريو هذا المخبول كان يستهدف حرق كتاب الله في ولاية فلوريدا, ويكرر الأمر نفسه في ولايات أخري, ويعقب ذلك تعقب أبناء الجالية المسلمة من أمريكيين ومقيمين والمطالبة بطردهم, وبالطبع سيتصدي هؤلاء لهذه الهجمة, تم تنتشر عدوي الحرق والعنف المتبادل إلي بقية العالم بما فيها الدول العربية والاسلامية, وسينتهز المتطرفون والمتعصبون داخل عالمنا, فرصة دعوة هذا القس المسيحي, بإعتباره يمثل المسيحية, ويقومون بالرد عليه بحرق الإنجيل والكنائس سواء في أمريكا أو أوروبا أو في العالم الاسلامي, وبذلك يحقق هذا المتعصب هدفه العنصري, وينسي العالم مشهد حرق المصاحف ويبدأ في الحديث عن همجية المسلمين ويبدأ حربا مقدسة ضدهم!! لقد فوت عقلاء العالم من مسلمين ومسيحيين الفرصة علي هذا المخرب, وعلينا أن ننتبه إلي أن هدف هذه الدعوات, هو جر العالم العربي والاسلامي إلي حروب اطائفية ودينية, ومنعنا من إظهار دور الاسلام والمسلمين في المشاركة في بناء الحضارة العالمية, والتأكيد علي أن الاسلام, دين تسامح وسلام وعدل وتعايش. ان دعوة جونز التخريبية لن تكون الاخيرة وعلينا أن نواجه مثل هذه الدعوات بمزيد من اليقظة وندرك أن جونز وتياره هو النموذج الأمريكي لتيار طالبان في افغانستان والصومال, وعلينا إذا اردنا الدفاع عن مقدساتنا, أن نتصدي لمصدري الجهل والتعصب هنا وهناك. المزيد من مقالات مجدي الدقاق