استمعوا أيها الأصدقاء الي هذه الحكاية إنها في الحقيقة تصفية لأحوالنا, كان هناك أحد الملوك قد جمع ملك الدنيا, وملك الدين, خرج في يوم للصيد ورأي جارية في طريقه فأخذ طائر روحه يتخبط في قفص جسده, دفع الملك المال واشتري تلك الجارية, وعندما اشتراها وقر عينا. شاء القدر أن تسقط تلك الجارية مريضة. لقد كان عند أحدهم إناء ولم يحصل علي الماء, ولما حصل علي الماء انكسر الإناء, جمع الملك الأطباء, وقال بالنسبة لروحي أنا فالأمر سهل, ولكنها روح روحي, خذوا الأموال والذهب وردوا لها العافية, قالوا نحن فاعلون ولم يقدموا المشيئة, فأتي كل دواء بعكس مفعوله, فالخل بالعسل زاد من الصفراء, وزيت اللوز زاد من الإمساك, بكي الملك وظل يبتهل في المحراب حتي وقع مغميا عليه, فجاءه هاتف بالبشري أن سوف يأتيه شيخ طبيب يشفي الجارية بإذن الله, وفعلا جاءه وطلب الانفراد بالمريضة, وقد أيقن أن المرض في القلب وليس في الجسد وراح يسألها عن صباها ورفقاء الصبا في سمرقند, ولما ذكرت الصائغ, السمرقندي أحمر وجهها وزاد نبضها, فقال لها اكتمي السر عن الملك وذهب إليه وأقنعه أن يرسل في طلب الصائغ فأمر الملك بذلك وجاء الحراس بالرجل فقال الحكيم هب الجارية له يا مولاي حتي تشفي, ففعل الملك عن طيب خاطر, وعاشت مع الصائغ ستة أشهر حتي استردت عافيتها تماما, ثم أعد له بعد ذلك شرابا يشربه ويذوب نحولا أمام الجارية, وعندما لم يبق له من المرض جمال, لم تبق روح الفتاة بين حبائله, وراح الصائغ كالمذبوح ينشد أنا الثعلب الصحراوي الذي قطعوا رأسه من أجل فرائه, وأنا الفيل الذي طعنوه من أجل العاج, لكن قاتلي لا يعلم أن اليوم علي وغدا عليه, وأن أفعالنا كالنداء يرتد إلينا صداها, انتهت القصة لكن مولانا جلال الدين الرومي يقول لك الحكمة وراء ذلك كبيرة وليست اشتهاء من الملك ولا رغبة في قتل الغريم, ولكن الذي قتل الصائغ هو هو نفسه, حين ترك زوجه وأولاده وجري وراء شهوة المال والجسد إن الأمر أشبه بقصة الخضر الذي قتل غلاما دون سبب ظاهر, بينما كانت هناك حكمة إلهية لا نعلمها, من أين أتي جلال الدين الرومي بهذه القصص وهذه التفسيرات؟ وهل كل مانقرأه للأقدمين شبه مقدس لا يجوز نقده, مع أن الروايات مدهشة حقا, والخيال عند جلال الدين الرومي جامح جدا, إلا أن الأمر يحتاج الي التعقل جدا جدا ونحن نقرأ في ابداعات المتصوفة, وهل التصوف أصلا ظاهرة مفيدة لهذه الأمة؟. أحيانا يكون الأمر كذلك في ظل طغيان المادية والبراجماتية, ولكن مايجعلك تستريب أحيانا هو ذلك الهوس الأكاديمي في الغرب قبل الاهتمام بالصوفية, وكأنه تحريض للمسلمين علي أن يكون تدينهم علي هذه الشاكلة, وكأن أمامهم خيارين فقط إسلام الجهاد أو إسلام التصوف فأين الاختيار الثالث إذن إسلام الحضارة والعمارة وليس إسلام التغييب, مع شديد الاحترام لتجليات الصوفية وروعة روحانيتها خاصة عندما تقول أنا من أهوي ومن أهوي أنا, تحت روحين حللنا بدنا, هذا التفاني في الذات الإلهية لا يعني أبدا الإغراق في التخلية, ثم التحلية إلا إذا كانت مقدمة لرفعة الإنسان ورفعة الأمة. [email protected]