الرصيد السياسي بلغة اهل المال الذي استند اليه نجوم الثورة البرتقالية في الوصول الي سدة الحكم في اوكرانيا يبدو اليوم وقد نفد, ليغدو اصحابه في وضع المفلس والمدين غير القادر علي الوفاء بديونه التي تراكمت خلال السنوات الخمس الماضية. في الوقت الذي ثمة من يقول فيه ان يوليا تيموشينكو اميرة الثورة البرتقالية' تلجأ الي السحر' وتبحث عن' اصحاب القدرات الخارقة فوق الحسية' للفوز في الانتخابات الرئاسية المرتقبة علي حد قول انا جيرمان نائبة رئيس' حزب الاقاليم' فيكتور يانوكوفيتش صاحب الفرصة الاوفر حظا في الفوز في هذه الانتخابات. وقالت جيرمان ان يانوكوفيتش رفض عرضا مماثلا للاستفادة بخدمات' أصحاب السحر الاسود' لكسب المزيد من الجماهيرية. كانت السنوات القليلة الماضية قد كشفت خيبة امل الناخبين في نجوم الثورة الذين انفرط عقدهم وراحوا يتبادلون الاتهامات بالخيانة والتفريط في حقوق وثروات الوطن علي وقع ضياع احلامهم في الانضمام الي الناتو والاتحاد الاوروبي. ووصل الشقاق بين الرفيقين الرئيس فيكتور يوشينكو ورئيسة حكومته يوليا تيموشينكو حد اتخاذ الاول لقرار التضحية ب' اميرة الثورة' التي كان عهد اليها برئاسة الحكومة واستبدالها بغريمه يانوكوفيتش زعيم' حزب الاقاليم' الذي حقق فوزا ساحقا في الانتخابات البرلمانية2006 واستطاع تشكيل تحالف الاغلبية في مجلس' الرادا' مع كتلتي الحزبين الاشتراكي والشيوعي. لكن تيموشينكو سرعان ما عادت ثانية الي موقعها السابق لتناصبه العداء وتعلن عن خوضها انتخابات الرئاسة في صدر قائمة منافسيه في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في يناير المقبل. ويقول المراقبون ان استمرار الصراع بين اقطاب الساحة السياسية, وانصرافهم نحو تصفية الحسابات الشخصية كان في مقدمة اسباب خيبة امل المواطنين وضياع حلم بناء الدولة الديمقراطية, وتحقيق الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, في الوقت الذي تفشت فيه ظواهر الثراء غير المشروع والفساد في ظل تدهور الاوضاع المعيشية. وقد اعترفت تيموشينكو بذلك في معرض اشارتها الي' وجود القوي التي تواصل سعيها من اجل اهانة واجهاض الثورة البرتقالية المجيدة والحط من سمعتها' علي حد قولها. وعزت رئيسة الحكومة الاوكرانية ذلك الي سوء اختيار الشعب لقياداته التي فشلت في تنفيذ ما سبق وطرحته من شعارات. وفي اطار' الغزل' الذي تواصله تجاه روسيا وقياداتها السياسية قالت تيموشينكو ب' ضرورة تأسيس علاقات جيدة مع الجار الكبير بشكل متناسق ومتوازن لا سيما بعد ان راحت البلدان الكبري تعيد اطلاق علاقاتها مع روسيا' علي حد تعبيرها في اشارة غير مباشرة الي الولاياتالمتحدةالامريكية وإن قالت بوجوب عدم التفريط في الاولويات القومية والافكار الوطنية. وكانت العلاقات الاوكرانية الروسية شهدت قدرا كبيرا من الشد والجذب عقب تصاعد' حرب الغاز' خلال الاعوام القليلة الماضية لتعود وتتسم بما هو اقرب الي العداء والخصومة مع اشتعال حرب القوقاز صيف العام الماضي التي اعلنت فيها اوكرانيا صراحة عن انضمامها الي جورجيا, وقامت بتزويدها بالاسلحة الحديثة ومنظومات الدفاع الجوي. ويذكر المراقبون رسالة ميدفيديف الي نظيره يوشينكو التي ادان فيها سياساته وحملاته المعادية التي تستهدف اجلاء اسطول البحر الاسود من قاعدته في سيفاستوبول ومشاهد النيل من مكانة اللغة الروسية في أنظمة التعليم والاعلام والثقافة, في نفس الوقت الذي تتواصل فيه محاولات القيادة السياسية للانضمام الي الناتو علي غير ارادة الغالبية من مواطني اوكرانيا, والاصرار علي تشويه التاريخ المشترك للشعبين خلال ما يزيد عن قرنين ونصف القرن من الزمان علي حد تعبيره. ولم يكتف ميدفيديف بمثل هذه الانتقادات المباشرة بل, اتخذ قراره بوقف ارسال السفير الروسي الجديد الي كييف الي ما بعد اجراء الانتخابات الرئاسية او بقول آخر الي ما بعد رحيل يوشينكو الذي تؤكد كل الاوساط السياسية واستطلاعات الرأي احتمالات عدم فوزه وهو الذي لا تزيد نسبة مؤيديه علي3%, في الوقت الذي يتقدم فيه غريمه ومنافسه في الانتخابات الماضية فيكتور يانوكوفيتش زعيم' حزب الاقاليم' قائمة المرشحين بنسبة35% تليه يوليا تيموشينكو رئيسة الحكومة بنسبة22%. وتشمل القائمة ايضا ارسيني ياتسينيوك الرئيس السابق للبرلمان وزعيم حركة التغيير الذي سجلت استطلاعات الرأي حصوله علي9% متقدما علي زعيم الحزب الشيوعي بيوتر سيمونينكو الذي حصل علي نسبة4% ويليه فيكتور ليتفينوف الرئيس الحالي للبرلمان بنسبة تزيد قليلا علي3%. وعلي الرغم من ان اجماعا يتبدي بين المراقبين حول ان الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون' الاكثر قذارة' علي حد قول وكالة انباء' انترفاكس' الروسية فانها تظل الاكثر ديمقراطية استنادا الي العدد الكبير من المرشحين الذين تقدموا بأوراق ترشيحهم للفوز بالمنصب. ومن اللافت بهذا الصدد ان هناك في اوكرانيا ما يزيد علي مائتي حزب وحركة سياسية مسجلة رسميا وتملك حق التقدم بمرشحيها في انتخابات الرئاسة المرتقبة. لكن اليد الطولي تظل بطبيعة الحال لمن يملك السيطرة علي الاجهزة الادارية للدولة, أو بقول آخر لرئيسة الحكومة تيموشينكو التي لن يحد من سطوتها سوي' حزب الاقاليم' الاوسع انتشارا والاكثر نفوذا لا سيما في جنوب وشرق اوكرانيا. وتشير الشواهد الي ان المعركة الحقيقية تحتدم بين قطبي مجلس' الرادا' يانوكوفيتش وتيموشينكو اللذين طالما شهدت السنوات الاخيرة احتكارهما للكثير من آليات القوة وانطلاقا من شعبية كل منهما وقدرته علي التحكم في ميول الشارع الاوكراني. ويقول المراقبون ان يانوكوفيتش ورغم اعتماده في حملته علي رجال الاعمال الذين يتحكمون في الكثير من مقاليد الاقتصاد الاوكراني يظل يرفع الشعارات التي تنادي بضرورة تلبية الاحتياجات الحقيقية لبسطاء المواطنين بعيدا عن جشع رجال الاعمال واحتكاراتهم واهمية الاهتمام بقطاع الاقتصاد والابتعاد به عن محاولات تسييسه, الي جانب ضرورة تحمل الدولة للكثير من اعباء المواطن المعيشية بما يبدو اقرب الي محاولة رفع نسبة الدعم الحكومي للكثير من قطاعات الحياة مثل الاسكان والصحة والتعليم. وكان يانوكوفيتش نفي ما تقوله تيموشينكو حول' تآمره' مع غريمه السابق يوشينكو وعقد اتفاق سري معه يعهد اليه بموجبه رئاسة الحكومة في حال فوزه في الانتخابات المرتقبة. وعلي الجانب الآخر تعود تيموشينكو الي طرح الكثير من شعارات الثورة البرتقالية مثل التكامل مع الاتحاد الاوروبي وإن حرصت علي الابتعاد عن شعارات المطالبة بالانضمام الي الناتو مثلما كان الحال خلال الحملات الانتخابية الماضية في عام2004 في الوقت الذي تظل فيه موسكو تقف علي مقربة تتابع ما يدور في اوكرانيا المجاورة, وإن تباينت مواقف ومشاعر ابرز رموز قيادتها السياسية تجاه كل من قطبي الانتخابات الرئاسية الاوكرانية. وكان عدد من الصحف الروسية كشف عن ان تيموشينكو تحظي في اغلب الظن بدعم فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الروسية الذي طالما ساندها بشكل غير مباشر في معركتها السياسية مع غريمها الرئيس يوشينكو, وهو ما دحضه بوتين في حواره التليفزيوني الاخير مع مواطنيه. قال بوتين انه لا يدعم ترشيح تيموشينكو, علي الرغم من اعترافه بالعمل المثمر معها في اطار التعاون بين الحكومتين الروسية والاوكرانية في الوقت الذي قال فيه الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف انه ليس لدي روسيا مرشحون في الانتخابات الرئاسية الاوكرانية.