عند قراءة الصحف المستقلة والمعارضة في مصر حاليا نقف أمام ظاهرة مستحدثة في الصحافة المصرية, وهي التوسع في الاستعانة بالتقارير الأجنبية حول الأوضاع في مصر. ورغم أن معظم هذه التقارير تكون غالبا مسيسة وتقصد الإضرار بسمعة الوطن تنفيذا لمخططات جهات معادية لنا إلا أن الصحف المعارضة والمستقلة عندنا نجدها مادة للاستقواء علي النظام في مصر وخدمة أغراضها في الهجوم علي الأوضاع مستغلة في ذلك مناخ حرية الصحافة الذي نعيشه حاليا, والذي لم يتوافر في أي عهد مضي. كما نجد أن هذه اللعبة الخطرة تنسجم مع الخط المعادي لبعض الجهات الخارجية التي تعمل علي نشر حالة من الفوضي الخلاقة عندنا, بالإضافة إلي التمشي مع السياسات التحريرية المنحازة ضد مصر, التي تتبعها بعض الصحف الأجنبية مثل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز في أمريكا, وهآراتس ويديعوت أحرونوت في إسرائيل. والدليل علي ذلك هو نوعية التقارير الاجنبية التي تحرص الصحف المستقلة والمعارضة في مصر علي نشرها والاستفادة منها في الهجوم علي النظام وبانتقائية شديدة رغم أن الغالبية العظمي من تلك التقارير تؤخذ مادتها من صحف أو منظمات مصرية, وتتعرض للكثير من التشويش والاختزال لانها تستند إلي مصادر مجهولة. استغلال الحرية وحول هذه الظاهرة يقول الكاتب والصحفي الكبير الدكتور السيد يسين بمركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام: في تقديري أن ظاهرة التوسع في الاستدلال أو الاستعانة بتقارير المنظمات والهيئات الدولية والأجنبية ناتجة عن مناخ حرية الصحافة الذي تعيشه مصر حاليا, كما أن نشر هذه التقارير يجب أن تكون متعلقة بتقدير سياسة التحرير في الجريدة أو القناة الفضائية, خاصة ونحن نشهد حاليا عصرا متعدد الأبعاد بعد ثورة الاتصالات التي أندلعت خلال السنوات الأخيرة وتحديدا في أواخر القرن الماضي. وأضاف أنه لا يمكن أخفاء الحقائق أو البيانات عن القراء لانها حق أصيل من حقوقهم, ولذلك نجد بعض الصحف المستقلة حاليا في مصر مثل الشروق تهتم بالترجمة عن الصحف الأجنبية, وهذا شيء مهم لانه لابد أن يعرف القارئ المصري التناول الأجنبي لشئون مصر في ظل حرية الصحافة التي تعيشها, والتي تعد حالة مضيئة في تاريخها الحديث. ولفت الدكتور السيد يسين النظر إلي ضرورة التنبه إلي محاولة البعض رسم صورة مشوهة لمصر في الخارج, وأن نعرف المصادر الأجنبية المتحيزة ضد مصر, والتي تضخم المشكلات والسلبيات التي تواجهها, خاصة أن الخطاب الإعلامي المصري حاليا خطاب غوغائي لا يجيد قواعد اللعبة الإعلامية في عدم الاقتصار علي السلبيات والمشكلات فقط, وأن يكون موضوعيا في رصد الانجازات أيضا, فهناك مشروعات ضخمة أنجزت في مصر أخيرا مثل المطار الجديد والطريق الدولي الجديد بين الصعيد والبحر الأحمر. ويضيف أنه يوجد حاليا في مصر نقد اجتماعي وسياسي ملتزم, وهناك شرفاء في مصر علي أعلي مستوي, وهناك جيل من الشباب الواعد الذي يبدع في كل المجالات مثل الكمبيوتر والبرمجيات, ومن هنا, يجب ألا تكون الصورة دائما سوداء خاصة مع خطورة تبني نظرة مشوهة دائما ضد الآخر والتفريق بين الموضوعية في الاستعانة بتقارير من الخارج تحاول تشويه الوضع في مصر وسياساتها وتتعمد خدمة سياسة القوي المعادية لها مثلما تفعل صحف عالمية مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست. فوضي خلاقة أما الدكتور سامي عبد العزيز عميد كلية الإعلام وعضو مجلس الشوري, فيقول: أنا أعتقد أن هذه الممارسات الاعلامية في الصحف المستقلة والمعارضة جزء من لعبة أكبر تمارسها الجهات الأجنبية المعادية لمصر لنشر الفوضي الخلاقة بها, وهذا أمر لابد من الانتباه له جيدا والتصدي له والاهتمام بتدريس التشريعات والاخلاقيات المهنية في الاكاديمات العلمية. وأضاف الدكتور سامي عبد العزيز أنه من الواضح أن هناك حالة انتقائية مقصودة للتقارير والأخبار التي تصدر عالميا حول مصر, وأعتقد أنه بالرجوع للمصادر الأصلية لهذه التقارير وجدت أن الكثير منها يعاني التشويش والاختزال بما يؤدي إلي معني سلبي, وأحيانا تتصف بسوء القصد, وتواضع الامكانيات اللغوية, وتجدها عبارات مرسلة لا تستند إلي مصادر قيمة, بل هي مصادر مجهولة غير موضوعية. وقال كلنا يعرف أن هناك بعض وسائل الإعلام معروف أنها مملوكة لقوي معادية لمصر, وبالذات الصحف عابرة القارات, والتي تتصف بالازدواجية في الأداء, فيما ينشر بالداخل والخارج, فمثلا الدستور الأمريكي لا يمنع مهاجمة الرئيس الأمريكي, ولكن لا نجد ذلك إلا نادرا بسبب الالتزام والتمسك بأدبيات التشريعات الإعلامية. وأشار إلي محاولة البعض سواء في الخارج أو الداخل لإيجاد إدراك افتراضي داخل المجتمع المصري بسوء الأوضاع وانتشار الفساد, وعدم الطمأنينة للمستقبل تماما مثل الذين يحرصون علي نشر أفلام العنف في المجتمع لنشر سحب الغيوم, وهز الثقة في النفوس وتحويل النظرة إلي المجتمع إلي نظرة, كما يراها الآخرون. مستوي هابط ويشرح الكاتب الصحفي الكبير صلاح عيسي وجهة نظره حول هذا الموضوع قائلا: طبعا الاهتمام بنشر ما تقوله الصحف أو الهيئات الأجنبية عن مصر أصبح جزءا من التناول الإعلامي للصحف المستقلة أو المعارضة في مصر حاليا, والمشكلة أن هذه التقارير هبط مستواها المهني هبوطا شديدا, كما أن الملاحظ أن مادتها تنقل من مصر عن طريق المراسلين الأجانب في مصر الذين يتعمدون غالبا نقل معلومات مغلوطة من ناحية أو حصيلة مجهود مصري من ناحية أخري, وهي تقارير تنشر في مصر ومصدرها جهات مصرية, ومن ثم فأنها تقارير لا أهمية لها, ولا تضيف كثيرا للقارئ المصري لانها في الأساس بضاعتنا وردت إلينا. ويقول صلاح عيسي لقد قرأت أخيرا تقريرا عن مصر لأحدي المنظمات الأمريكية, وفوجئت بأنه نقلا عن خبر كان منشورا عن جريدة مجهولة لم أسمع عنها من قبل لأن ناشرها أستأجر رخصتها, وهكذا نجد أن هناك عشرات التقارير عن الأوضاع في مصر غير دقيقة, ومن هنا فإن واجب الصحف المصرية, وأجهزة الإعلام عموما سواء مستقلة أو معارضة ألا تنشر هذه التقارير إلا بعد التأكد من صحتها وحسن نياتها.