تشهد مصر حاليا حراكا سياسيا واقتصاديا واجتماعا غير مسبوق ويدعونا هذا الحراك إلي تساؤل مهم حول إمكانية توظيفه لتحقيق مانطمع ونتطلع إليه من مستقبل واعد لبلدنا تتيحه إمكانات هائلة غير مستغلة مادية وبشرية وطبيعية. واعتقد ان الاستثمار الأمثل لهذا الحراك إنما يتطلب إدارة حوار مجتمعي يتعرض للمحاور الآتية: المحور الأول: تحليل الأسباب التي أسهمت في تحقيق هذا الحراك يتيح تحليل الأسباب التي أسهمت في تحقيق الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر إلي تحديد المتغيرات التي أسهمت في ذلك بما يكفل الاستفادة من الإيجابي منها وتجنب السلبي لتعظيم حراك مستقبلي فاعل, ويمكن في هذا المجال التعرض لأهم هذه الأسباب فيما يلي: 1 لا شك ومهما تكن اختلاف وجهات النظر إلا أن مناخ الحرية المتاح في مصر حاليا يمثل نقطة انطلاق أساسية لهذا الحراك, ويواكب ذلك الإنجازات المؤثرة علي هذا المناخ. 2 تزايد دور وفاعلية المؤسسات والجمعيات الأهلية, فقد شهدت الفترة الماضية أدوارا مهمة لها في التوعية ومساندة المظالم المطالبة بالتغيير في الحياة السياسية في مصر فضلا عن أدوار فاعلة في مكافحة الفقر والتمكين الاقتصادي, والمطالبة بحقوق المرأة. 3 زيادة الأهمية النسبية للإعلام المرئي والمكتوب في إثارة القضايا المرتبطة باهتمام المواطنين حول جودة الخدمات الحكومية والفساد ومتطلبات التنمية في مصر وما تحتاج إليه من توجهات سياسية واقتصادية واجتماعية. وقد تلاحظ قوة العلاقة بين كل من الإعلام المرئي والمكتوب وذلك لأن معظم معدي برامج القنوات الفضائية من الصحفيين في الاعلام المكتوب وقد انعكس ذلك في إثارة نفس القضايا في هذه القنوات برؤي متقاربة الي حد بعيد, وفي تقييم دور الإعلام في الحراك الذي تشهده مصر ثارت تساؤلات مؤخرا حول مدي إيجابية وسلبية هذا الدور في ضوء التركيز علي النواحي السلبية في المجتمع بشكل اكبر من النواحي الإيجابية. 4 يكتسب دور البرلمان أهمية كبيرة في دعم التنمية من خلال دوره التشريعي والرقابي وقد لعب البرلمان المصري بجناحيه( شعب وشوري) دورا مميزا في الحياة النيابية المصرية سواء من خلال طلبات المناقشة والاستجوابات والاقتراحات برغبة أو مناقشة القوانين المؤثرة علي الأداء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي, وقد تلاحظ الربط بين هذا الدور وأدوار الإعلام الذي حلل وعبر بدرجات مختلفة من الموضوعية وفي بعض الأحيان بقدر من التحيز للأداء البرلماني, إلا أن هذا الأداء قد تعرض للعديد من الانتقادات من المجتمع من أهمها عدم إحساس غالبية المواطنين بدور البرلمان وسيطرة المصالح الشخصية لبعض أعضائه علي المصلحة القومية( العلاج علي نفقة الدولة, استغلال نفوذ بعض النواب في الحصول علي صفقات من الحكومة.. وغيرها) ولعل هذا التقييم والحوار إنما يتطلب صياغة مؤشرات قومية لتقييم أداء البرلمان في خدمة أهداف التنمية وأهمية تقنين العلاقة بين البرلمان( السلطة التشريعية) وبين السلطة التنفيذية والمجتمع المدني. 5 تحتل مؤسسات ضبط أداء القطاع الحكومي والمال العام ومكافحة الفساد دورا مهما في تأمين تحقيق التنمية الاقتصادية في الدول النامية. وتتمثل أهم المؤسسات المصرية المسئولة عن مكافحة الفساد في الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية, وكذلك الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة, وهيئة النيابة الإدارية وأجهزة أخري تابعة للوزارات مثل إدارة الكسب غير المشروع التابعة لوزارة العدل والإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة التابعة لوزارة الداخلية وكذلك الإدارة العامة للمشتريات الحكومية التابعة لوزارة المالية, وقد طرحت مؤخرا العديد من الآراء حول مدي فاعلية هذه المؤسسات في مكافحة الفساد من حيث مدي تمتعها بالحصانات الكافية ومناقشة تقاريرها باهتمام خاصة الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يتفاوت الاعتماد عليه من الجهاز الحكومي في اتخاذ القرارات الحيوية( عدم الاعتداد برأيه حسب ما أثير مؤخرا في صفقات بيع الأراضي علي حين تؤخذ في الاعتبار أراؤه في مواقع أخري من اتخاذ القرارات). 6 دور القضاء المصري في تأمين الحراك: يعتبر القضاء المصري دعامة أساسية لتأمين الحراك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي حيث يعتبر ملاذا أمنا للتغيير وهناك أمثلة كثيرة علي اللجوء للقضاء في إنشاء الاحزاب وكذلك القضايا الاقتصادية وخاصة بعد إنشاء المحاكم الاقتصادية. المحور الثاني: كيفية استثمار الحراك لتحقيق التنمية في مصر. إن تحليل أسباب الحراك يمكن أن يسهم في تحديد إمكانات وكيفية إستثمار هذا الحراك لخدمة أهداف التنمية في مصر وتتمثل هذه الإمكانات فيما يلي: 1 لابد من الاعتراف بأنه قد حدث تقدم في مناخ الحرية إلا أن سقف الطموحات للتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي يبدو أعلي من قدرة المؤسسات الفاعلة علي تحقيقه مما يتطلب بالإضافة إلي تطور أداء هذه المؤسسات أهمية مشاركة المجتمع وتحقيق التوافق في أولوياته, ويأتي ذلك من خلال وضع أهداف قصيرة الأجل ومتوسطة وطويلة الأجل للأولويات المطلوب تحقيقها لمصلحة جموع المواطنين( دعوة للحوار بين الحكومة, الأحزاب, المجتمع المدني بما يكفل مساهمة المجتمع في صنع التغيير ويؤمن التقدم في تحقيقه). 2 علي الرغم من تزايد دور وفاعلية المؤسسات والجمعيات الأهلية إلا أن المجالات والمدي التي يمكن أن تساهم بها في دور أكثر فاعلية في التأثير علي التنمية مازال واسعا( وفق دراسات ميدانية) ويرجع ذلك لضعف الكفاءة المؤسسية لهذه الجمعيات, بالإضافة إلي عدم وجود رؤية واضحة تحدد أداءها هذا بالإضافة الي معاناة هذه الجمعيات من البيروقراطية الحكومية. 3 يمكن للإعلام أن يلعب دورا أكثر فاعلية في التأثير علي الحراك المصري مما يتطلب تحقيق المزيد من التنوع في الرسائل الإعلامية, وهنا يجب أن يكون للإعلام رسالة ورؤية لتحقيق التنمية في مصر, هذا بالإضافة إلي أهمية وضع ميثاق للشرف الإعلامي وتحقيق التنسيق بين الجهات العاملة فيه. 4 يتطلب الأمر تطوير الأداء البرلماني لخدمة أهداف التنمية في مصر وهو ما يحتاج الي دعم الجهود التي تسهم في حسن اختيار مرشحي الأحزاب وإتاحة الفرص لدخول الخبرات المميزة للبرلمان, هذا بالإضافة إلي تحسين آليات الاتصال بين أعضاء البرلمان وجموع الشعب للتعبير الأفضل عن احتياجاته, وفي كل الأحوال فإن تطوير مؤشرات متابعة الأداء البرلماني وتفعيل دوره إنما يكتسب أهمية كبيرة لدعم دور الحراك. 5 يأتي في قلب الحراك أهمية وأولوية مكافحة الفساد في مصر مما يتطلب تحديد وتفعيل دور مؤسساته والتنسيق بينهما بما يسهم في تحقيق نتائج ملموسة تسهم في تعظيم دور الحراك في خدمة أهداف التنمية. 6 يمثل القضاء المستقل ركيزة أساسية للحراك الفاعل, وتشير الأحكام الصادرة مؤخرا بالإضافة الي بعض المواقف أهمية توافق القضاء المصري مع المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية التي تشهدها مصر مع الاحترام الكامل لاستقلالية القضاء وتوعية المواطن المصري بأهمية دوره. وبعد فإنه وعلي الرغم من تصوير البعض لمناخ تشاؤمي يحيط بفرص وإمكانيات مصر لتحقيق تقدم واعد في طريق التنمية إلا أن الاستثمار الأمثل للحراك القائم حاليا لابد أن يدعونا للتفاؤل إذا قمنا بواجبنا في مستقبل واعد لمصرنا العزيزة نتمناه ونرجوه من الله وخاصة مع مقدم شهر كريم.